أعلن البعض عن تشكيل ما يسمى بتجمع النقابيين المستقلين، وأوضح طبيعة الدور الذي يلعبه هذا التجمع في إطار الحملة الإعلامية المنظمة التي تسعى بالأساس إلى شق الحركة النقابية العمالية وحرفها عن مسارها وإشغالها بمعارك جانبية عن الدور المناط بها كإحدى أهم مؤسسات المجتمع المدني، وتوعد بعضهم بعزمهم على تأسيس نقابات واتحاد رديف ليس من أجل مصالح وصيانة حقوق القاعدة العمالية بقدر المساومة على حصص ومواقع في الحركة النقابية العمالية بعد أن فشلت تلك الأطراف في كسب ثقة القاعدة العمالية وأصواتها.
والغريب أن الذين اتهموا الأمانة العامة للاتحاد وغالبية أعضاء المؤتمر الذين صوتوا لها بالتسييس يتلقون توجيهاتهم ويحددون أولويات عملهم النقابي ويمنحون أصواتهم داخل مجالس إدارة النقابات العمالية بتوجيهات الجمعيات السياسية التي ينتمون إليها! والأغرب من ذلك أن يتفق الإخوة الأعداء ويتحالفوا ليس فقط مع الذين يمارسون أدوارا مزدوجة تفرضها تطلعاتهم ومصالحهم الشخصية، وإنما أيضا مع بعض من فشل حتى في الحفاظ على ثقة القاعدة العمالية ابان اللجنة العامة لعمال البحرين، على رغم أن تلك الثقة هي التي أوصلتهم إلى المواقع التي يحتلونها حاليا! وذهب البعض إلى أبعد من ذلك حين تناقلت القواعد العمالية في إحدى الشركات أخبارا خطيرة عن تعرض بعض أعضاء مجلس الإدارة من الذين تسلموا مناصب بعد التدوير الأخير للتهديد من قبل أحد أعضاء مجلس الشورى، موحيا إليهم أن عليهم أن يخافوا على أنفسهم وعلى أسرهم وأنهم سيتعرضون إلى إجراءات شديدة إن لم يقدموا استقالاتهم ليتم عقد جمعية عمومية جديدة.
ويتحدث آخرون عن أن البعض ينسق بشكل مباشر مع بعض رموز تيار سياسي معين ونقابيين سابقين لتوفير الدعم اللازم لما يسمى بالتجمع النقابي الديمقراطي للمستقلين من أجل حل الاتحاد وشق الحركة النقابية العمالية. وإن صحت هذه الأخبار فإن ذلك يمثل تدخلا خطيرا في مسيرة الحركة النقابية لابد من وضع حد له ومحاسبة المسئولين عنه.
وقبل أن ننتهي من قصة منصب نائب الأمين العام وهي قضية إجرائية، يمكن التأكد منها بمراجعة وثائق المؤتمر ومحاضره وأشرطته التسجيلية ومن ثم تصحيح الوضع أو اعتماده، حتى خرجت علينا مسلسلات صحافية تطالب وتنادي بالالتزام بالأنظمة الأساسية لنقابتي الأشغال وطيران الخليج من دون حتى قراءة هذه الأنظمة.
إن تدوير المناصب في النقابات العمالية - التي نصت أنظمتها الأساسية على انتخاب أعضاء مجلس النقابة بصورة جماعية، على أن يتم توزيع المناصب بينهم بقرار من غالبية أعضاء المجلس - لا يحتاج إلى جمعية عمومية لممارسته، فهو حق كفله النظام الأساسي لغالبية أعضاء مجلس الإدارة المنتخبين وخصوصا إذا رأى ورصد الغالبية الأعضاء ممارسات ديكتاتورية وتصرفات فردية من قبل بعض الأعضاء. وإن مراجعة سريعة للنشرة رقم صفر والصادرة في أغسطس/ آب 2004 عن نقابة طيران الخليج ستوضح كيف انه لم يجد القائمون عليها من الشخصيات النقابية والعمالية في تاريخ طيران الخليج فبادروا لاستغلال النشرة من أجل الترويج لقيادات تيارهم السياسي! فإذا لم يكن ذلك تسييسا كالذي أشار إليه بيان الرموز الوطنية السبعة سابقا، فما هو التسييس إذا؟
والعجيب أنه وقبل أن يجف الحبر الذي طبع به بيان مجلس إدارة نقابة الأشغال والمنشور يوم الأحد 4 ابريل/ نيسان 2004، والذي فند بالتواريخ ونصوص المواد المتعلقة بما يثار في النظام الأساسي للنقابة، يخرج علينا بعضهم يتباكى على الديمقراطية والشفافية متجاهلا ليس فقط مواد الأنظمة الأساسية لهذه النقابات التي أقرتها جمعياتها العمومية، بل وحتى أبسط معاني ومعايير الديمقراطية الذي يكفل للغالبية حقها في محاسبة المقصرين وتسيير العمل بحسب أجندتها ورؤيتها وممارسة الحقوق التي نص عليها النظام الأساسي. فمن الواضح أن البعض لم يكلف نفسه عناء قراءة النظام الأساسي للنقابة أو أنه يسعى إلى خلط الأوراق وتزوير الحقائق. فالمناصب الإدارية لم يحصل عليها أي من أعضاء النقابة عبر الجمعية العمومية التي انتخبت جميع أعضاء مجلس الإدارة بصورة جماعية، إذ تم توزيع المناصب داخل مجلس الإدارة. والنظام الأساسي يسمح لغالبية أعضاء المجلس بتدوير المناصب وبالذات في حالات القصور والتقصير في القيام بمهمات المنصب أو التفرد بالقرار. فمن يا ترى إذا الطرف البعيد عن الأسلوب الديمقراطي والشفافية؟ وتجدر الإشارة إلى أن نقابة عمال طيران الخليج كانت تعقد اجتماعاتها أسبوعيا يوم الأربعاء وإن ذلك قد تعذر على مجلس الإدارة بعد تدوير المناصب بسبب احتلال المقر والتحكم فيه وفي موجوداته من قبل الرئيس السابق ونائبه وعضو ثالث!
فلماذا يسكت اتحاد نقابات عمال البحرين ويتخوف من حملات الإرهاب والتشويه ويتدخل بحسب المادة (33) من نظامه ويدعو إلى عقد اجتماع عام بأعضاء مجلس الإدارة المنتخبين من الجمعية العمومية وتتم مراجعة مواد نظام النقابة الأساسي لإحقاق الحق وتمكين مجلس الإدارة من مزاولة أعماله، وأنا على يقين من مراجعة مواد هذا النظام ومناقشتي الشخصية لنصوص مواده مع المستشار العمالي للاتحاد الذي اتفق معي خلال نقاشي معه على صحة وقانونية تدوير المناصب واتفاقها مع النظام الأساسي لنقابة طيران الخليج؟
بل ويتمادى البعض فيصدر أحكاما يدعي من خلالها أن لا تماسك ولا حرية ولا ديمقراطية للنقابات العمالية والحركة النقابية إن لم تنحنِ وتستكن لحملتهم الإعلامية وتفسيراتهم المبتسرة للوائح والأنظمة التي سبق أن شاركوا في إقرارها وتمنحهم حق قيادتها على رغم عدم قدرتهم على كسب ثقة القاعدة العمالية وأصواتها.
نقول ذلك ونحن ندرك جيدا أن هناك إدراكا ولو جاء متأخرا ومراجعة من بعض القوى السياسية للمواقف والتوجهات التي جرّتها إليها بعض الفعاليات النقابية المنتسبة إليها إلى جانب تيارات سياسية أخرى تبحث بشغف ونرجسية تحسد عليها عن الكاميرا والصورة علّها تجني بعض الاستحقاقات والمكاسب العام 2006 وبحيث باتت هذه الاستحقاقات والمكاسب المستقبلية شغلها الشاغل بحيث انعكست على مواقفها السياسية والنقابية ونوعية وطبيعة تحالفاتها في الساحة المحلية.
لذلك نوجه دعوة أخرى لمن مازلنا نأمل فيهم خيرا بحكم تراثهم وتاريخهم وبحق أرواح شهدائهم ومناضليهم الى أن يخرجوا من تحت عباءة القوى والتوجهات المشبوهة التي لا ترى للبحرين خيارا ولا للإصلاح طريقا غير الطريق التي تمليه عليه مصالحهم. فهؤلاء غير عائبين بالاستقرار والتنمية الحقيقية التي ننشدها جميعا لهذا الوطن، ولا بدولة مؤسسات وقانون حقيقية يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات، ولا بمشاركة شعبية حقيقية في عملية صنع القرار. لذلك ندعوهم الى مراجعة حقيقية ووقفة شجاعة مع النفس سيذكرها الجميع لهم وينسبها إلى أصالة تاريخ تيارهم الوطني وخصوصا الطبقة العاملة البحرينية التي قاست وضحت كثيرا لكي تكون لها مؤسساتها ولتتمكن من ممارسة دورها الحقيقي في هذا الوطن.
نقول ذلك ليس دفاعا عن الأمانة العامة لاتحاد النقابات، وإنما لحرصنا على عدم تمكين القوى التي تستهدف الاتحاد والحركة العمالية من تحقيق أهدافها أو فرض أجندتها الساعية إلى شقها وتهميش دورها والدفاع عن مصالح العمال ومكاسبهم، ولكي يتدارك المخلصون لقضية الطبقة العاملة مواقفهم التي تصب في صالح أجندة هذه القوى ويعودوا إلى رشدهم لكيلا يذكر التاريخ لهم دورا يتناقض مع تاريخهم ويساهم في وأد الحركة النقابية بعد أن كانت حلما ساهم الكثير منهم في تحقيقه.
ومع ذلك فلنا الكثير من الملاحظات على مسيرة الاتحاد ونشاط أمانته العامة أرجو أن يقبلوها بصدر رحب:
إن الأمانة العامة تنفذ مهماتها بصورة بطيئة فليس من المقبول أن ينعقد المؤتمر في 12 يناير/ كانون الثاني 2004 وقد دخلنا شهر أبريل من دون أن تتم طباعة وتوزيع وثائق المؤتمر وقراراته وتوصياته، ونظامه الأساسي الذي أقره أعضاء المؤتمر أو حتى دعوة المجلس المركزي الى الانعقاد ليتعاون عبر تشكيل الكثير من اللجان من بين أعضائه في إنجاز المهمات، التي تحتاج الأمانة العامة إلى المساعدة في إنجازها بالرأي والعمل، إلى جانب توسيع إطار المشاركة في عملية صنع القرار داخل مؤسسات الاتحاد وهياكله التنظيمية.
المجلس المركزي: كنا أبدينا وجهة نظر بعدم حاجة الاتحاد الى هياكل عمودية طويلة لا تفي بالغرض الأساسي من إنشائها، لكن مادام المؤتمر التأسيسي ذهب إلى تشكيل مجلس مركزي فقد كان الأولى أن يتم انتخاب أعضائه من بين أعضاء المؤتمر بحسب الأعراف الديمقراطية النقابية. عموما مازلنا نرى ضرورة إصلاح هذا التجاوز في المؤتمر العام المقبل على أن يتم تفعيل ما تم الاتفاق عليه في أسرع فرصة ممكنة.
منصب الأمين العام: على رغم اختلافنا مع الإخوة إبراهيم القصاب وخالد العرادي في طريقة تعاملهما مع القضية وعدم استمرارهما في عضوية الأمانة العامة، فإننا نرى ضرورة مراجعة الأمانة العامة للمحاضر والشريط وتصحيح الوضع إن لم يتم إقرار التعديل بالتصويت في المؤتمر، على أن تصدر الأمانة العامة بيانا يوضح الأمور ويستند الى الوثائق والحقائق. والحقيقة أن الاعتراف بالخطأ (إن كان قرارا خاطئا) سيعزز من صدقية وشفافية ممارسات الأمانة العامة والاتحاد وسيوضح مدى تسرع المستقيلين وحقيقة وأبعاد نواياهم
إقرأ أيضا لـ "عبدالمنعـم الشـيراوي"العدد 583 - السبت 10 أبريل 2004م الموافق 19 صفر 1425هـ