تلك حقيقة لا أحد يختلف عليها «بالموت لا بالكلام يؤكد الشهداء إيمانهم». انهم يعطرون الفأس التي تقطعهم، وكذلك كان الحسين (ع) في عيد كربلاء الذي كان عيدا للدم ويوما للتتويج (الشهادة)، فالحسين زان الشهادة، وكما قال مفكر إسلامي: «ان آدم علمنا كيف نعيش الحياة والحسين علمنا كيف نموت»، «فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين». وتلك هي البطولة، فالدم عرق الأبطال. ففي ظل السيف وامتداد القمع والاستبداد السياسي في تلك المرحلة، حيث امتد الأمن الأحمر من خراسان لدمشق وصارت المذابح اليومية هي الخبز اليومي خرج الحسين ليقضي على الظلم وليحقق العدالة الاجتماعية لجميع المسلمين. فيزيد كان ظاهرة وليس شخصا. هنا يتجلى المضمون الكبير للزيارة «يا ثار الله وابن ثاره... أيها الوتر الموتور». لقد بدأ الحسين الصمت الرهيب، وكان مشروعه مشروع قيم وأخلاق قبل ان يكون مشروعا للسلطة، انه مشروع للأمة... وكما يقول الشيخ شمس الدين «مقياس التقدم ليس الثياب الانيقة الحريرية الناعمة التي كانت ترتديها رملة أو هند...» التقدم يكمن بعملقة المبادئ وبارتفاع ناصية الحق.
صحيح ان الحسين قتل بـ 100 درهم وبمنصب إداري لعمر بن سعد ولكن هذا المال تحول الى نقمة.
قتلوك للدنيا ولكن لم تدم
لبني أمية بعد قتلك جيلا
ولرب نصرٍ عاد شر هزيمة
تركت بيوت الظالمين طلولا
وما يدل على ذلك هو خلود الحسين، وانتهاء قاتليه. ان مشروع الحسين هو مشروع للوحدة الإسلامية، فينبغي ان يكون المأتم مأتما لكل الأمة وليس مأتما شيعيا، يجب ان يطرح فيه الفكر الناصع والخطاب الأممي وتناقش فيه قضايا الأمة بعلمية واتزان.
أمام البكاء النبيل الواعي ينبغي ان يخلق الوعي، تماما كما عاشت زينب (ع) ذلك البكاء النبيل، فقد كتب والي المدينة الى يزيد: «ان كان لك شغل بالحجاز والمدينة فأخرج عني زينب». الذي ضايق والي المدينة هو المضمون الآخر غير مضمون الحزن هو مضمون الثقافة والسياسة المختزل في معنى البكاء.
إذا هكذا هو الحسين في المضمون العام... رجل اختصر التاريخ ليحق الحق في سبيل كرامة الانسان وفي سبيل تصحيح الوضع المستبد سواء كان استبدادا سياسيا أو اجتماعيا أو دينيا. فالدين إذا ما أريد تجييره ليكون آلة للتسطيح والتزييف بدلا من ان يكون آلة للكرامة تضيع القضايا، كما قال علي: «لبس الاسلام لبس الفرو مقلوبا».
دعونا نعيش الحسين المضمون... ثورة النفس على ثورة الرضا عن النفس، حتى تسود محكمة الضمير من داخل البشر لتصبح محكمة الانسانية لكل الأمم ولكل الشعوب
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 582 - الجمعة 09 أبريل 2004م الموافق 18 صفر 1425هـ