التصريحات المتبادلة بين وزير العمل ورؤساء الجمعيات الأربع المقاطعة تركز على القانون، وخصوصا ما يتعلق بالمادة 29 من الدستور بشأن الحق في مخاطبة السلطات العامة. الوزير يقول إن الجمعيات يمكنها جمع تواقيع أعضائها فقط وليس التحشيد، والجمعيات تقول إن من حقها جمع أية تواقيع. ولعل أفضل تصريح هو الذي صدر عن رئيس جمعية «الوفاق» الشيخ علي سلمان عندما قال إنه سيلتزم بالقانون في حال ثبت ان الجمعيات ليس من حقها جمع تواقيع غير أعضائها على العريضة الدستورية، وأمل ان يلتزم الوزير بالقانون اذا ثبت انه لم يكن على حق. هذا الحوار جميل لحد الآن، ولكن المشكلة ليست قانونية - ولو انها اتخذت لغة قانونية - ولن يحلها التفسير لهذه المادة الدستورية أو تلك. ولذلك فإن حديثي أيضا ليس قانونيا، وإنما سياسيا.
من الناحية السياسية الديمقراطية فإن من حق أي فرد أو جماعة، سواء كانت هذه الجماعة مسجلة في حزب أو جمعية أم لم تكن مسجلة، مخاطبة السلطات عبر الرسائل والعرائض. من الناحية السياسية السيادية (حفظ الأمن وهيبة الدولة) فإن أي عمل من شأنه تعطيل البلاد وتحريك الشارع باتجاه مصادمات لا أول لها ولا آخر، فإنه غير مرغوب فيه وستعمل الدولة ما بوسعها لايقافه سواء كان ذلك بلغة القانون أم بلغة القوة.
في الحال الاعتيادية يمكن ان تتحمل الدولة الديمقراطية الازعاج لأن الأمور لا تسير بحسب ما تشتهي هذه الجهة او تلك، وبالتالي لابد من فسح المجال لمساحة معينة يكون الازعاج مقبولا، بل وفي بعض الأحيان ضروريا لكي تتوازن قوى المجتمع مع قوى السلطة.
على اننا في البحرين بدأنا نفقد المساحة المتسامحة بين الأطراف، وهو أمر لا يمكن فيه القاء اللوم على رموز المعارضة المعتدلين أو على القيادة السياسية وعلى رأسها جلالة الملك الذي صرح مرارا وتكرارا بأن لا عودة عن الاصلاح والعمل الديمقراطي السلمي. التراجعات التي بدأت وقد تستمر - اذا لم يتم حلها سياسيا - سببها فقدان الثقة بين الاطراف المختلفة في المعارضة والسلطة، وسيطرة خطاب متشدد وجامد.
المعارضة المعتدلة التي قاطعت الانتخابات تشعر بأن الاطار الموجود أمامها لا يفسح لها المجال للعمل من أجل أهدافها. والسلطة من جانبها تشعر انها عملت الكثير للسماح بحريات التجمع والتعبير عن الرأي، ولكن تلك الحريات بدأت تتحول إلى منطلقات للتحريض المستمر - من قبل بعض الفئات - ضد الدولة.
الضحية الأولى هي المعارضة المعتدلة والرموز التي تود الدخول في عملية الاصلاح ولكن مع الاحتفاظ بمطالبها التي رفعتها دائما. هؤلاء يعيشون بين تعنت رسمي من جانب، وبين من يضغط عليهم شعبيا وربما يشهر بهم ويحاول اسقاطهم فيما لو حاولوا توجيه العمل الوطني الذي يشرفون عليه إلى أساليب لا تؤدي إلى المصادمة.
المشكلة إذا؛ ان هناك من يود فعلا ان يحدث الاصطدام، وهذا البعض يروج لأفكار «يائسة» عن الحياة وعن عدم امكان التعايش بسلام مع الآخرين، و«يائسة» من العمل السياسي الهادئ. مروجو أفكار «اليأس» لديهم مهمة اسهل في هذه الفترة، ولكنهم سيخسرون وسيتمنون - اذا تدهورت الأوضاع - العودة إلى اي شيء (حتى لو كان اقل مما هو موجود الآن) بدلا من الورطة التي سيدخلون فيها ويدخلون البلاد فيها. أصحاب الفكر اليائس ما عليهم الآن إلا ان يلونوا كل شيء بالأسود أو الأبيض، فهم يمثلون اللون الأبيض وكل شيء آخر يمثل الأسود، وأي رمز سياسي يحاول الخروج من الجمود على لون واحد إنما هو خائن يجب تسقيطه. مشكلتنا تمكن في هذا الخطاب اليائس، وضحايا هذا الخطاب لم يعد أصحابه فقط وانما المعارضة المعتدلة والبلد كلها ... فإلى متى نقف متفرجين ونترك الأمور يوجهها اليائسون الى حيث الدمار؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 582 - الجمعة 09 أبريل 2004م الموافق 18 صفر 1425هـ