يتساءل الكثيرون: لماذا لا نرى لاروش في وسائل الإعلام الأميركية والعالمية في سياق تغطية حملة انتخابات الرئاسة الأميركية للعام 2004؟ إذا كان لاروش يمثل كل هذه الأهمية والشعبية لماذا لا يذكر اسمه؟ يجيب لاروش على هذه الأسئلة في هذا التصريح الفريد إذ يشير لأول مرة إلى العلاقة بين مدى حقد المؤسسات السياسية والمالية الأميركية ووسائل الإعلام الكبرى التي تملكها ونفوذه المبكر في الساحة السياسية والاقتصادية والاستراتيجية الأميركية والعالمية. وهو المرشح الوحيد الذي لديه حركة سياسية نشطة من مئات الشباب في سن التعليم الجامعي. هنا ملخص الرواية التي يسردها ليندون لاروش عن دوره في السياسة الاميركية وما لاقاه من معارضة داخلية توجها بمحاولة اغتيال ودخوله السجن ليحكم عليه بالسجن 15 عاما.
«في 6 أكتوبر/ تشرين الاول 1986 هبط جيش قوامه أكثر من 400 فرد مسلّح على بلدة (Leesberg) في ولاية فرجينيا للغارة على مكاتب مجلة «Executive Intelligence Review»، ولأداء مهمة أخرى أكثر ظلامية. فقد تم تطويق مكان إقامتي بينما كانت الطائرات والمركبات المدرّعة ومسلحون آخرون ينتظرون أمر اقتحام المسكن وإطلاق النار. ولحسن الحظّ لم يقع القتل، لأنّ شخصا ما ذا سلطة أعلى من سلطة رئيس القسم الجنائيّ بوزارة العدل ويليام ويلد أمر بإلغاء الهجوم عليّ. أما القوات التي أعدت للهجوم علي وعلى زوجتي وعدد من مساعدي فقد انسحبت في الساعات المبكرة من الصباح.
تلك كانت المحاولة الثانية الموثقة بشكل كامل لتورط وزارة العدل في عمليات استهدفت تصفيتي شخصيا من عالم السياسة. المحاولة الأولى موثقة في إحدى وثائق مكتب المباحث الفيدرالي (FBI) نهاية العام 1973. الأولى كانت عمليّة أميركية داخليّة، أما الثانية فكانت ذات طابع دولي متضمنة اشتراك حكومة السّكرتير العامّ ميخائيل جورباتشوف السوفياتية. فيجب أن نشير إلى الخصائص الأساسية لمحاولات تصفيتي في العامين 1973 و1986. وهذه ليست مجرد شكوى شخصية، فالغالبية العظمى من الأميركيين هم مثلي الضحية المقصودة فيها، ولهم حق معرفة ماذا يُفعَلُ بهم الآن.
حوادث 6-7 أكتوبر 1986 تلك بدأت في السّويد، عندما قتل شخص ما رئيس وزراء تلك الدولة (Olof Palme)، وفورا وضع اللوم لجريمة القتل تلك علي (1). تم تبني عملية التشهير هذه فورا من قبل أعدائي القدماء الكذابين في صحيفة «واشنطن بوست»، وتم نسخها في وسائل الإعلام المعروفة الأخرى الشبيهة بمجاري القاذورات. وقعت جريمة القتل تلك في جو من الدعاية الإعلامية الهائلة المحرضة بالكراهية ضدي في كلّ أنحاء العالم، من قبل حكومة صديق أرماند هامر (Armand Hammer)، غورباتشوف. سر المشاركة السوفياتية في الهجوم ضدي كانت معرفة كبار المسئولين هناك بدوري في وضع ما سمّاه الرّئيس رونالد ريجان علانية بـ «مبادرة الدّفاع الاستراتيجي». كان غورباتشوف كراعيه السّابق السّكرتير العام السّوفياتيّ يوري أندروبوف يكرهني كرها شديدا على خلفية دوري العالمي وداخل الولايات المتحدة أيضا في تطوير مقترح مبادرة الدفاع الاستراتيجية.
أصبح واضحا خلال ذلك العام، أنّ عملية قتل بالمه الذي كان يمثل هدفا رخيصا قد استخدمت، وربما كانت تلك النية وراء قتله، لخلق بيئة لما قد يصبح فيما بعد «عملية انتقام مبررة» نتيجتها قتلي. ولم يقدم إلى اليوم أيّ دافع مقنع لقتل بالمه للرأي العام. إن تتبع كل التطورات ما بين إطلاق النّار على بالمه إلى حوادث بلدة ليزبرج في 6-7 أكتوبر في تلك السّنة نفسها يبين أن جميع الحوادث تمثل علاقة ترابط منظمة بين الحدثين بشكل وثيق، وهما المفتاح لفهم لماذا قررت القوى المالية التي تقف وراء أفعال رئيس اللجنة القومية للحزب الديمقراطي تيري ماكوليف ضدي اليوم، وعلى نحو هستيري جدا استبعاد المرشح الرئاسي الديمقراطي الذي يمثل الآن رسميا أوسع قاعدة شعبية للدّعم الماليّ بين المتنافسين الديمقراطيين الحاليين. لماذا تخشاني القوى التي تقف خلف هذه الأفعال إلى هذه الدرجة بحيث انها تلجأ إلى مخاطرات كبيرة لتصفيتي سياسيا وشخصيا؟
في المحاولة الثانية، أكتوبر 1986، كان الدافع للقتل المخطط له ضدي وضد زوجتي هو دوري في تطوير «مبادرة الدفاع الاستراتيجي». ومن سخرية الأقدار أطلقت هذه العملية ضدي في الوقت الذي كان الرئيس ريجان على وشك مقابلة غورباتشوف في ريكيافيك، عاصمة أيسلندا، إذ أصر ريجان مجددا على تمسكه «بمبادرة الدفاع الاستراتيجي» (2).
لكن هناك علاقة مباشرة بعملية الإف بي آي السابقة العام 1973، فمحاولتا 1973 و 1986 لتصفيتي الجسدية واستبعادي من النّقاشات الآن، كلها إفرازات للقضية نفسها المتعلقة بمعركتي ضد جهود بعض علماء الاقتصاد الليبراليين وآخرين لوضع العالم بالكامل تحت نير سياسات وزير الاقتصاد النّازيّ السّابق يالمار شاخت (Hjalmar Schacht).
إن المصدر الأصلي لكل هذه الأفعال وغيرها هو ليس وزارة العدل الأميركيّة، بل سلطة أعلى كثيرا من الحكومة الأميركيّة، وهي تشكيلة المصالح المالية الأوليجاركية العالمية نفسها ذات النمط «الفينيسي» وشركات المحاماة المرتبطة بها التي أطلقت موجة الدكتاتورية الفاشية في أوروبا خلال الفترة منال العام 1922 إلى 1945. السّمة المشتركة للمصالح المالية الدولية يومها واليوم هي تمسكها حاليا بفرض اقتصاد على العالم بشكل عام، كما يحدث في عملية سلب الأرجنتين حاليا كنموذج عملي لهذه الممارسات الفاشيّة.
نيّة هؤلاء المموّلين وراء مطالبتهم باستبعادي من نشاطات الحزب الدّيمقراطي هي محاولة ضمان أن الرئيس التّالي للولايات المتّحدة لن يكون غير ساعي مكتب للمصرفيين وموال للفاشية في القضايا المتعلقة بالسياسات الاجتماعية والاقتصاد القومي.
ثلاث قضايا مترابطة
إن وراء كلّ العمليّات الموجهة ضدّي، ثلاث قضايا مترابطة بإحكام: معارضتي الموالية للرئيس السابق فرانكلن روزفلت. الثّانية هي معارضتي لما يسمّى بالمذاهب العسكرية «الطوباوية» (Utopian) المرتبطة حاليا «بالرجل الوحش» ديك تشيني. الثالثة: هي نيّتي عكس مسار حماقات الانجراف الانحطاطي للولايات المتّحدة في السنوات الأربعين الماضية من موقعها كالدولة المنتجة الأولى في العالم إلى الفوضى الوحشية.
عد بذاكرتك إلى 1971، كنت أحذر منذ أواسط السّتينات مرارا وتكرارا وعلانية من اتجاه محتمل بدرجة كبيرة لوقوع سلسلة أزمات نقدية دولية تقود نحو الانهيار الحتمي لنظام النقد العالمي حينذاك، وقد حدث ذلك فعلا. لذلك بدأت حملة ضد أساتذة الاقتصاد الأكاديميين، فسببت الاضطراب في حرم الجامعات وفي أماكن أخرى. البروفيسور سيدني هوك صرخ قائلا: «لقد فاز لاروش بالنّقاش، لكنه... سيخسر الكثير بسبب ذلك. وكانت تلك طريقته في القول إن «المؤسسة الحاكمة» ستتّحد ضدّي.
لم تكن هناك أية صدقية في الأمر. فتحول الاقتصاد البريطاني والأميركي بعيدا عن دور الولايات المتّحدة البارز كأعظم أمة منتجة في العالم نحو الطوباوية «ما بعد الصناعية». قرار نيكسون في 15 أغسطس/ آب 1971 جَعَلَ المسيرَ باتجاه الدمار الاقتصادي والدكتاتورية أمرا حتميا. ووضع قرار نيكسون المؤسسات الأميركية الرئيسية والناخبين الأميركيين في حوض سمك اقتصادي أيديولوجي. الكون الذي يؤمنون به هو حوض سمك امتلأ بهؤلاء الحمقى الذين يعتقدون أن اختيارهم الفردي الحر هو الذي يتحكم في أقدارهم.
في أغسطس 1944، وبمجرد تحقيق الاختراق في النورماندي بقيادة الولايات المتحدة الذي ختم النهاية لهتلر، فإن الممولين الذين ساندوا مؤقتا جهود روزفلت الحربية قاموا بإطلاق التحول اليميني في تأسيس المذهب الاستراتيجي الطوباوي لحكومة عالمية عن طريق الحرب النووية الوقائية.
دافع الرئيس دوايت آيزنهاور المتمسّك بالتّقاليد العسكرية أثناء فترتي رئاسته عن نظامنا الدستوري ضد الطوباويين الهائجين الذين سماهم آيزنهاور «المجمع الصناعي العسكري». لكن اغتيال الرئيس جون كينيدي كسر ظهر المقاومة ضد هؤلاء. إن غرق الولايات المتحدة الرسمي في الرمال المتحركة للحرب في الهند الصينية والتحول الموازي لترك الحرب في تركيبة المجتمع نحو «المجتمع ما بعد الصناعي» في منتصف الستينات كانا من علامات انتصار الطوباويين.
لقد دمر التحول الثقافي الانحطاطي المتمثل بثقافة موسيقى الروك والمخدرات والجنس المضادة، عقل وقلب ما كان يوما أعظم اقتصاد في العالم.
إن اقتراحي لما قام الرئيس ريجان بتسميته فيما بعد بـ «مبادرة الدفاع الاستراتيجية» برز من إدراكي للخطر الفعلي المتنامي لحرب نووية شاملة، ذلك الخطر الكامن في مذهب عصابة جيمس آر شليزينجر بشأن قضية ما كانوا يسمونه «الخطر الداهم». فاستجابتي كانت نتيجة لقناعتي بأن الجنون النووي لأصدقاء بريجنسكي في «اللجنة الثلاثية» شليزينجر وآخرين أظهر أن الولايات المتحدة يجب أن تجد طرقا لإشراك الاتحاد السوفياتي في سياسة بديلة طويلة الأجل بدلا من الحرب النووية التي كانت تسمى بسياسة «اللاحرب واللاسلم» في السبعينات. هكذا، عندما استضاف مجلس الأمن القومي لإدارة ريجان مناقشاتي السرية مع الحكومة السوفياتية للنظر فيما اقترحته كبديل مناسب، أصبحت عندها خطرا عظيما على سياسات الطوباويين داخل وخارج مؤسستنا العسكرية.
وعندما انتهى الرئيس ريجان من إلقاء خطابه المتلفز في 23 مارس/ آذار 1983، قرر هؤلاء أنني قوة سياسية قادرة معارضة لسياساتهم وأنني ذو قدرة أكبر من أن يسمح معها لي بالبقاء على قيد الحياة. هذه هي القضية نفسها التي أمثلها اليوم في مواجهة تشيني وزمرته من المحافظين الجدد المهووسين. بهذه الطريقة تكون قضيّة معارضتي للسياسات الاقتصادية والجنون العسكري والتحول الثقافي الانحطاطي في العقود الأربعة الماضية في أمتنا هي ثلاثة جوانب للقضية نفسها. لهذه الأسباب كانوا يتمنون أن تتم «تصفيتي» في العام 1973، وسعوا إلى تصفيتي بأفعال علنية مخزية في العام 1986، ويحاولون اليوم تصفية كل أثر لنفوذي العالمي.
«إن لم يكن الموت فليكن الس
العدد 580 - الأربعاء 07 أبريل 2004م الموافق 16 صفر 1425هـ