غدا الذكرى الأولى لسقوط بغداد. ماذا سيقال عن هذا اليوم المؤلم في تاريخ العرب المعاصر؟ وكيف يمكن قراءة التجربة؟ وما الدروس المستفادة من ذاك النهار الذي سقطت فيه عاصمة الخلافة العباسية؟
أسئلة الذكرى هي أسئلة الحرب. لماذا كانت الحرب على العراق؟ وما الأهداف التي حققتها؟
أسئلة الحرب هي أسئلة الاستحقاقات. قيل الكثير عن دوافع شن الحرب وذكر الكثير من الأسباب التي دفعت إدارة واشنطن الى افتعال الأزمة واستغلالها للبدء في مشروع كبير قيل إنه يهدف الى إعادة «تشكيل خريطة الشرق الأوسط».
غدا يبدأ الاستحقاق. فما قالته الإدارة عن الحرب لم يعد مفيدا الآن. فالكذب كان محركها الأساسي. وعدم الصدق في المقدمة يعني عدم الصدق في النتيجة. إدارة واشنطن كذبت في تبرير الحرب، وها هي الآن تكذب في نتائجها.
يقول علماء الفقه الإسلامي إن النتيجة الصادقة تحتاج الى مقدمة صادقة. وإذا كانت المقدمة كاذبة فالنتيجة كاذبة. ومن يكذب في الأول يكذب في الأخير.
هذه القاعدة الفقهية يمكن تطبيقها على الكارثة التي حلّت بالعراق. فالإدارة كذبت في تبرير أسباب الحرب، وها هي الآن تكذب في تقييم نتائجها وأهدافها. فمن يكذب في البداية لا يتوقع منه الصدق في النهاية... وهذا ما يمكن ملاحظته في الذكرى الأولى لسقوط بغداد.
إنها حرب أكاذيب وكل ما قالته إدارة واشنطن منذ اليوم الأول الى ما شاء الله سيكون مجموعة أكاذيب تخفي الحقيقة التي تخجل الدول المشاركة في الحرب من قولها.
الكلام عن أسباب الحرب والدوافع التي أملت على الإدارة اختراع الأزمة لتبرير الاحتلال ليس مهما الآن. فما حصل حصل. وعقارب الساعة لن تعود الى الوراء. فالزمن في هذه الحال وكل الحالات هو الغالب.
الكلام عن أسباب الحرب دخل ملف «التحقيق» ولابد من إعادة فتحه حين تقترب الساعة وفي ظروف أخرى مناسبة. الآن هو زمن قراءة النتائج او فحص الاستحقاقات لتحديد سلبيات الحرب وفرزها عن الايجابيات.
ماذا تقول الاستحقاقات؟ الجواب الصحيح يبدأ من خلال عقد المقارنة بين الوعود والوقائع.
إدارة بوش وعدت بتحقيق الكثير ولكنها لم تنفذ إلا القليل باعتبار أن سقوط صدام واعتقاله هما من أسباب الحرب وليس من نتائجها.
بعيدا عن إسقاط صدام، ماذا قدمت الحرب على العراق للعراقيين؟ الفوضى أم الأمن؟ الاضطراب أم الاستقرار؟ العطالة عن العمل أم الوظائف والاستثمار؟
تقول إدارة واشنطن إن الاحتلال يكلفها شهريا 4 مليارات دولار (48 مليارا في السنة) وهي وعدت الشعب بموازنة تبلغ 18 مليارا لإعادة إعمار العراق ولم تصل الأموال حتى الآن. وعدت الإدارة بتحويل العراق الى نموذج ديمقراطي يحتذى في «الشرق الأوسط» وها هي جيوشها تقتحم المدن وتقصف الأحياء المدنية وتقتل عشرات ومئات الأبرياء في عشرات المناطق السكنية.
وعدت الإدارة بتحويل العراق الى منارة يشع منها النور على الدول المجاورة. وها هي الدول المحيطة متخوفة من تهديدات تزعزع الاستقرار في المنطقة وتثير الفتن الطائفية والاضطرابات الأهلية.
من يكذب أولا يكذب أخيرا. والحرب التي تأسست على الخداع والمناورة لا يمكن أن تكون نتائجها إلا مشبعة بالخداع والمناورة. وما يحصل في العراق اليوم هو العنوان الذي انتهت إليه الحرب بعد سنة على سقوط بغداد.
إدارة بوش اليوم في حيرة من أمرها. فهي وعدت الناخب الأميركي بالانسحاب جزئيا من العراق في نهاية يونيو/ حزيران المقبل. وها هي اليوم تفكر في إعادة النظر في قرارها، بل هناك دعوات الى إرسال المزيد من القوات لضبط الوضع في العراق بعد أن ثارت المناطق والمدن ضد الاحتلال.
إدارة بوش ضائعة اليوم بين زيادة القوات والانسحاب الجزئي وربما التفكير بانسحابات كبيرة وبين مصير جماعتها (مجلس الحكم الانتقالي) الذي لا يعرف ماذا يفعل في حال تركته واشنطن في بحر من الدماء والشعب الهائج.
اصطنعت واشنطن الكثير من الأكاذيب ومن ضمنها تلك الهياكل (المؤسسات) التابعة للاحتلال. فواشنطن خائفة من الانسحاب ومترددة في البقاء، ولا تعرف ماذا تفعل مع جماعتها، هل تترك مجلس الحكم الانتقالي وتغدر به كما غدر صدام برفاق دربه أم تسحبه معها الى جزيرة «الواق واق» حتى لا تحسب النتائج عليها؟
أسئلة كثيرة تبدأ قبل الحرب ومعها وبعدها. ومنها: لماذا ترتكب واشنطن المذابح ضد شعب وعدته بالحرية بعد التحرير؟ فهل تلك الهجمات مساعدة للشعب أم محاولة تطويق واضعاف لمراكز الخطر (مكامن المقاومة) التي تعتقد واشنطن أنها ستنطلق لضرب تلك الهياكل الهزيلة التي اصطنعتها بعد الغزو.
أسئلة كثيرة في الذكرى الأولى، وهناك جواب واحد عليها: الحرب الخاطئة تؤدي الى نتائج خاطئة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 580 - الأربعاء 07 أبريل 2004م الموافق 16 صفر 1425هـ