العدد 580 - الأربعاء 07 أبريل 2004م الموافق 16 صفر 1425هـ

غياب أوستينوف...والحيرة التي ربطته بالثقافة العربية

غيب الموت عن عمر يقارب (83) عاما الممثل البريطاني الشهير «بيتر اوستينوف» (المولود في 21 ابريل/نيسان 1921» بعد حياة اتسمت بتعدد حقول الابداع التي اخذها على عاتقه منذ ان كان طفلا وينحدر من عائلة ارستقراطية عاشت سابقا في روسيا القيصرية قبل ان يقرر جده التوجه الى انجلترا والاستقرار فيها نظرا إلى ارتباطه الشديد بديانته البروتستانتية ورفضه الخضوع لليمين الروسي بالايمان بالمذهب الارثوذكسي.

أدى اوستينوف بحسب دراسة وضعها الناقد السينمائي الاردني ناجح حسن وحصلت عليها «الوسط» الكثير من الادوار الفنية والعملية في مشوار حياته الطويل، واتخذ من التمثيل هدفا له منذ الصغر، وشارك في الكثير من الاعمال المدرسية قبل ان يقرر كتابة موضوعات القصة القصيرة، والكثير من الاعمال المسرحية ويقوم باخراجها لاحقا، ويؤدي الأدوار الرئيسية فيها، وعدا ذلك فقد أخذ منذ بداياته الأولى في حقبة الخمسينات بالظهور على الشاشة التلفزيونية ونالت أعماله الكثير من الصدى الايجابي، وكان ان منحته الولايات المتحدة الاميركية مرتين جائزة (ايمي) التلفزيونية الشهيرة.

قادت تلك الاعمال اوستينوف لأن يكون احد ابرز ممثلي بريطانيا ونال لقب (سير) الذي لا يحظى به سوى المشاهير هناك، وقاربت قامته الابداعية من سبقه في هذا المجال لورنس اوليفيه، اورسن ويلز وآخرون، ووصلت شهرته الى الوطن العربي، وحظي بالكثير من العلاقات التي احاطته بالعناية والاهتمام، والصداقة المتينة.

ويحسب له تلك الثقافة الشخصية التي حملته بعيدا عن الاستقطاب الذي وقع به كثير من النجوم، وظل ممسكا بتوجهاته الفكرية الجريئة ورؤاه المختلفة عن مجايليه تجاه اكثر المسائل حساسية ومن بينها القضية الفلسطينية التي كان يتفهم الكثير من المحطات فيها متعاطفا مع وجهات النظر العربية، ولكن كان في مشواره السينمائي ادى ادوارا لشخصيات عربية في افلام عالمية ظلت بعيدة عن اعتقاده الشخصي، ليس هذا فحسب بل انه يشير في مذكراته التي نشرها للمرة الاولى العام 1977، ان كثيرا من اجداده وأقاربه يعيشون الى اليوم في اكثر من بلد عربي، وتحديدا في فلسطين وهناك تزوجت عمته من احد ابنائها يدعى انيس جمال.

وأبدى استينوف تحفظات كثيرة على الممارسات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة، واوضح بشكل صريح انه ضد وعد بلفور الذي برر اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ولئن كانت رؤيته تشيد باليهود كجنس بشري ودين يحظى باحترامه، ولمكانته العالمية وافكاره الانسانية اختارته هيئة الامم المتحدة لان يكون سفيرا «لليونسيف» لحياده التام تجاه اكثر القضايا تعقيدا. وظل خلال الفترة ما بين حقبتي السبعينات والثمانينات مندفعا باتجاه التمثيل في ادوار عدة غلب على الجزء الاكبر منها تصديها للشخصية العربية من بينها افلام مثل: «لص بغداد» 1978، «اشانتي» 1979، «موعد مع الشمس» 1983، وهي في الحقيقة افلام تحاول ان تناقش ما اطلق عليه بسحر الشرق وتصور العرب بحسب وجهة النظر الهوليوودية السائدة وتستغل الطبيعة الصحراوية التي يعيش فيها الكثير من العرب كنوع من التحدي الخاص لشركات الانتاج السينمائي الكبرى، ولكنها للأسف اعمال ظلت مستسلمة للصورة النمطية اياها وحالت كثير من الدول العربية من عرض تلك الافلام فيها، ولم يكن هذا خطأ اوستينوف وحده بل شاركه فيه الممثل العربي العالمي عمر الشريف، وعندما تم سؤال اوستينوف عن السبب الذي دفعه الى اداء تلك الادوار برر ذلك بانه جاء يحسن فيه وكان يعتقد انه يقدم صورة العرب الى الغرب ولم يكن يدور بخلده انه يسيء إلى أي طرف من الاطراف والمسئولية تعود الى من كان يرسم تلك الشخصيات على الورق والتي غالبيتها مأخوذ عن وقائع شهيرة في الادب والرواية والموروث العربي.

وكان قبل ذلك تعرض فيلمه «جولد فارب عد لوطنك» الى رد فعل قاس من احدى الجامعات الاميركية بدعوى الاساءة اليها والى خريجيها، ولكن من الخطأ ان يعتقد المرء ان اوستينوف قدم ملامح شخصياته في كثير من الموضوعات بغية النيل من اوجه المجتمع الانساني المتعددة.

لقد توجت السينما اوستينوف بترشيحه لجائزة اوسكار أفضل ممثل في دور ثانوي لتقمصه الفن لشخصية نيرون في فيلم «كوفاديس» 1951، ثم قطف الجائزة مرتين تاليتين كأفضل ممثل ثانوي عن فيلميه «سبارتاكوس» 1961، و«توبكابي» 1964.

طوال مسيرته الابداعية الشاملة ظل بيتر اوستينوف حائرا امام مبادئه الاساسية في التعرف على ثقافات الشعوب وعاملا على التقرب منها على رغم عوامل الشد والجذب التي قامت به تيارات فكرية وسياسية واجتماعية في هذا العالم المتعدد الثقافات





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً