رد جامعة البحرين يوم الخميس الماضي على المقال الذي خصصته لمناقشة الوضع الأكاديمي والطلابي في الجامعة تحت عنوان «جامعة البحرين... الصرح الوطني العتيد، بعد انحسار الإجراءات الأمنية... ماذا عن الوضع الطلابي والأكاديمي؟» كان دون المستوى لانه ساق كلاما مرسلا اتهم صاحب المقال به، وإذا ما اتخذ أي كاتب التنبيه لأخطاء تقع هنا وهناك وسيلة من دون ذكر وقائع محددة، فليس معناه أنه غير قادر على ذكرها، وإنما لكونه يريد إعطاء فرصة لتصحيح الأخطاء، والتعامل مع الكلام بجدية إذا ثبتت صحته.
إن توجيه الخطاب مباشرة إلى رئيسة الجامعة الشيخة مريم آل خليفة يعكس الثقة فيها كونها قادرة على تصحيح الوضع من خلال تسليط الضوء على الجامعة بصفتها مؤسسة رسمية لها ما لها، وعليها ما عليها. وهناك ثلاثة أخطاء منهجية وقع فيها الرد، عززت ما جاء في المقال، ولم يستطع نفيها أبدا.
أولا: في الوقت الذي أكد فيه الرد أن أي مسئول في الجامعة تثبت ضده أنه ازدرى أو أهان طالبا، ستفتح معه لجنة تحقيق، إلا أنه اعتذر في البداية إلى كل أساتذة الجامعة والمسئولين الذين سيصيبهم من تجني كاتب المقال وإهاناته ما سيصيبهم في المقالات اللاحقة، مع كونه قدم للرد بقبول الجامعة للنقد، وأنها ليست فوق النقد والمساءلة. والسؤال: كيف علم من كتب الرد أن ما سيأتي من مقالات فيه إلحاق أذى وإهانات بمسئولي وأساتذة الجامعة؟ وهل يتسق هذا الأسلوب المزدوج في الرد مع طلب النقد وكشف الحقائق، أم انه يمارس التشنيع ضد الكاتب لخلق جو من التردد ؟
مع ذلك، فكاتب المقال يرغب في أن تلتزم الجامعة حرفيا بتطبيق ما وعدت به بتشكيل لجنة تحقيق إذا ما ثبت على مسئول في الجامعة إهانته وازدراءه لطالب، فهي مرجعية يتفق مع إدارة الجامعة عليها على رغم كونه لم يطلبها، لكنه لا يتفق مع من كتب الرد بأنه وجه أو سيوجه إهانات إلى مسئولي الجامعة، وإلا فعلى الصحافيين أن يصموا آذنهم عما يسمعون من أخبار التجاوزات في مرافق الدولة الأخرى، فذلك يؤذي بعض المسئولين ويشوه سمعتهم! والواقع أن جامعة البحرين كغيرها من المؤسسات، ليست مؤسسة منزلة من السماء، أو من وحي أفكار أفلاطون في حديثه عن المدينة الفاضلة، ويكفي قصور الجامعة في نموذجها الديمقراطي الذي تعتمده في تنظيم العملية الانتخابية للطلبة، وفي تعاملها مع الطلبة، لتسلط عليها حزمة من الأضواء في عصر الشفافية والديمقراطية، وهذا ما سيتم توضيحه في بقية الرد.
ثانيا: لفت انتباهي وأنا أقرأ رد الجامعة تكرار التمنيات بعدم تدخل الصحافة في انتخابات مجلس الطلبة المقبلة، والسؤال: هل هذا طلب يطلب من صحيفة مستقلة في قضية تمس الشأن العام، وهي محط متابعة وتحليل مختلف الأطراف؟ أم ان الجامعة تريد منا أن نغض الطرف تماما عما يجري في الجامعة، ونتجاهل الانتخابات برمتها، فلا نحلل العملية الانتخابية والقوى الطلابية المشاركة فيها من منطلق موضوعي حيادي؟ هل تريد منا الجامعة تجاهل كل ذلك، فلا نغطيه بخبر أو مقال؟ أم تريد منا تجاهل جزئية من الوضع الانتخابي، لم نعرفها إلى الآن، ونرغب في معرفتها؟ وما الكيفية التي ترغب الجامعة فيها لتغطية الحدث الانتخابي، الذي يجب أن يكون محل فخر بالنسبة إلى الجامعة إذا التزم بمعايير النزاهة والديمقراطية؟
حين كانت الانتخابات النيابية على الأبواب، أبرزت «الوسط» الصراع بين الكتل النيابية، ودخلت في تفاصيل الحدث الانتخابي، ولم يعترض على ذلك أحد، فلم تريد الجامعة الخروج على هذا النسق الديمقراطي، الذي هو ألف باء الديمقراطية؟ الا تريد مثلا الكشف عن القوى الطلابية كإرادة تنظيمية وحتى سياسية ليست مقتصرة على قائمة «الطالب أولا»، ويتم دعمها من مختلف الجهات بمن فيهم متنفذون في الجامعة؟ هذه مشاهد يجب الكشف عنها لأنها تكشف حقيقة العملية الانتخابية والديمقراطية في الجامعة.
ثالثا: الملفت للانتباه أيضا، الحديث المتناقض الذي أورده الرد عند إشارته إلى توقيت المقال من جهة، والهدف منه من جهة أخرى، فبحسب الرد، يأتي توقيت المقال تمهيدا لترويج حملة انتخابية لفكرة القائمة التي لم يعلنها كاتب المقال، وكان المقصود بالقائمة بحسب تلميح الرد «الطالب أولا»، فيما كان هدف المقال الدعوة إلى المقاطعة جراء ازدراء أعضاء مجلس الطلبة وعدم حسم الخيار من التجربة، فكيف يتسق التوقيت والهدف وهما متناقضان في الغاية عند كاتب المقال، إلا إذا كانت أجواء المشاركة والمقاطعة مسيطرة على المسئولين في الجامعة أكثر من الطلبة أنفسهم، جراء الخلل الحاصل في التجربة.
يبدو أن المسئولين في الجامعة يخشون المشاركة وفق فكرة القائمة، وقد صرحوا بذلك في ردهم، وإن غلفوا هذه الخشية برؤية قانونية، مع كون كامل الصلاحيات في أيديهم، ولا حول للطلبة ولا قوة إلا تقديم المقترحات التي لا يؤخذ بجلها، بل يعامل مقدمها كأي طالب عادي يقف على أبواب المسئولين لساعة أو ساعتين، ما يكشف عن نَفَس سياسي يحرك هذه الهواجس، حتى والطلبة يمثلون أدوارهم تمثيلا شكليا، كما أن المسئولين يخشون المقاطعة، لكونها تعكس واقعا مغايرا للإيقاع الرتيب الموجود في الجامعة، وتضر بالوضع الأكاديمي والطلابي في دائرة المكاشفة السلبية لهذا المشهد الغائب، ما جعل كاتب الرد يحمِّلُ كاتب المقال مسئولية كل هذه الهواجس التي لا دخل له فيها، ولا سلطة له عليها.
مع كل ذلك، يمكن لفت نظر المسئولين إلى أن قائمة «الطالب أولا» حين قررت المشاركة، نظمت خياراتها للمشاركة في العملية الانتخابية بإيقاع غاية في التنظيم والسرية بغية التغلب على كل المعوقات الانتخابية، ومنها «التصويت الفردي» الذي فرضته الجامعة من دون التأسيس له قانونيا، ولا حتى مراعاة الأجواء الانتخابية العامة التي بدل فيها جلالة الملك فكرة الانتخابات النيابية من «التصويت الفردي» إلى التصويت بالقائمة، وإمكان دعم المرشحين حتى مع اتباع نظام «التصويت الفردي»، لكن، مع كل العراقيل القانونية فازت «الطالب أولا» بـ 9 مقاعد من أصل 13 مقعدا في الدورة السابقة.
يبقى السؤال: هل احتاجت القائمة كخيار تنظيمي لصاحب المقال لدعمها حين ذاك، وهل ستحتاج اليه في هذا الوقت، أم انها تفوقت في العملية الانتخابية جراء إبداعها في الآليات التنظيمية؟ إنه حق مشروع لكل القوائم التي لم يسلط عليها الضوء حينذاك وأن تفعل ما فعلته «الطالب أولا»، ومنها قائمة «المستقلين» و«الإصلاح» وكلها قوائم مشابهة لقائمة «الطالب أولا»، ولها ما لقائمة «الطالب أولا» من مرشحين في كل الكليات.
الحقيقة أن كاتب المقال لا يملك توجيه هذه القائمة أو غيرها إلى وجهة محددة، وهو على علاقة بأطياف مختلفة ترغب في تطوير الوضع الأكاديمي والطلابي، وبحسب الرؤية الأولية للقائمين على «الطالب أولا»، يمكن التعويل على أن هذه القائمة تملك خيارا مستقلا، وستعلنه في المستقبل القريب، وكل هذه الآراء لن تغير من دعم الأجواء التنافسية والديمقراطية بحيادية تامة أثناء العملية الانتخابية، ومراقبتها وتصويبها إذا حدث خلل فيها، فهذه هي مهمة الصحافة ولا تراجع عنها.
إن فكرة القوائم كاتجاه تنظيمي لها محددات ومنطلقات فكرية موجودة في صفوف طلبة الجامعة، ولها مخزونها الثقافي والسياسي شئنا أم أبينا، ولها درجة كبيرة من التضامن جراء كل هذه الروابط، تجعل من إدارة الجامعة غير قادرة عمليا على نفي فكرة «الانتخاب بالقائمة» ولا منع تضامن أفراد القائمة مع بعضهم بعضا، حتى لو تباعدت الكليات، وتضاربت المصالح شكليا لصالح مرشح على حساب آخر، فالتوازن قادر على إحكام الموقف، لكن الخوف من التدخل المباشر من بعض أطراف الجامعة لصالح دعم بعض المرشحين المنتمين من الأساس إلى قوائم، واللعب على توازنات معينة داخل التجمعات الطلابية في الكليات كما حصل في الدورات السابقة.
إن فكرة «التصويت الفردي» آلية من آليات القسر على اتجاه انتخابي معين، وقد أبدع الطلبة في تجاوز نمط «التصويت الفردي» من خلال تضامنهم غير المعلن مع مرشحيهم، غير أن اللافت في طبيعة رد الجامعة ان النية التي بيتتها آنذاك بحل مجلس الطلبة وإلغاء الانتخابات بحجة عدم قانونيتها، هي النية ذاتها الآن بعد انكشاف أمر القوائم، والخشية أن يكون طلب عدم التدخل سببه أن الجامعة ستضيق على فكرة الترشيح بالقوائم، وقد أصبحت مراقبة الانتخابات ضرورية من قبل الصحافة، على الأقل في حدودها الدنيا، أي ضمان نزاهتها وفق «التصويت الفردي» حتى لو تشكلت بسببها قوائم غير مباشرة، وهو أمر طبيعي لن تستطيع الجامعة إيقافه، إذا ما أصرت الجامعة على عدم قانونية الانتخاب بالقوائم المعلنة في كل كلية، بعيدا عن «التصويت الفردي» الذي يضعف بشكل أو بآخر من فكرة الانتخاب بالقائمة في شكلها المباشر.
يبقى أن الإشارة التي أشار إليها الرد، «أن لكل ألف صوت مرشح» دليل على انتفاء الانتخاب بالقائمة أمر يثير الاستغراب والحيرة، فمن أي قانون جاءت هذه الحجة القانونية البالغة؟ وإلى من استند كاتب الرد في الاستدلال بهذه المقولة على انتفاء الانتخاب بالقائمة؟ فألف صوت لكل مرشح يعني: أن كل ألف طالب في كلية ما لهم مرشح واحد، في إشارة إلى نسبة تمثيل كل كلية من المرشحين بحسب عدد المنتسبين إليها من الطلبة، ولا علاقة لذلك بانتفاء الانتخاب بالقائمة، ان لم يكن أقرب فعلا إلى فكرة الانتخاب بالقائمة بصورة غير مباشرة إذا ما وجدت القائمة ككيان على الأرض، وخصوصا مع عدم صراحة النص في الإشارة إلى أسلوب الانتخاب.
وهنا يمكن التفعيد لفكرة الانتخاب بالقائمة من خلال مراقبة العملية الانتخابية في البلديات والبرلمان. ففي الانتخابات البلدية مثلا حين وزعت الدوائر على محافظات المملكة الخمس، وتم إلغاء الدائرة المركزية، لم يكن مهمة عند البعض توزيع الدوائر الانتخابية على أساس جغرافي، بحيث أعطي لكل محافظة بعيدا عن نسبة سكانها عشر دوائر، على رغم أن لذلك تأثيرا واضحاعلى الحجم الخدماتي المتصل من الأساس بحجم التمثيل للمناطق، فإن ذلك قد يعد مقبولا عند البعض، وعلى رغم عدم وضوح تقسيم الدوائر الانتخابية في الانتخابات النيابية، في ظل انتفاء فكرة التمثيل المناطقي وصعود فكرة التمثيل الشعبي، فإن التوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية أضر بثقل كل تيار سياسي في البلد وحقيقة تمثيله لقطاعات الشعب، ومع ذلك تم السماح ولو بشكل متأخر لفكرة ترشيح القائمة في ظل «التصويت الفردي» على أربعين دائرة انتخابية لا دائرة واحد يحق للجميع التمثيل من خلالها.
يبقى أن تمثيل الطلبة لأنفسهم في الجامعة لا تليق به من ناحية تربوية صرفة فكرة «التصويت الفردي» في ظل وجود نسب تمثيل محددة بألف صوت، ووجود أكثر من متنافس عليها من نفوس القوائم ذاتها، فهذا لا يخدم تدعيم العمل الطلابي وتقويته، وتعقيد العملية الانتخابية في الجامعة وكأنها تخضع للمعايير السياسية التي تحرك الخارج أمر ينافي الحكمة، ولا يخدم توجهات الجامعة الأكاديمية والتربوية، إذا ما أصرت الجامعة على أن تكون صرحا وطنيا يبتعد كل البعد عن المنطلقات السياسية، ويريد من الطلبة أن يسيروا في الاتجاه ذاته، ولا يمكن تحقيق ذلك في ظل تسييس الوضع الطلابي بشكل مباشر وغير مباشر.
في الحلقة الثانية من الرد، سيتم تناول نماذج من السلطات التقديرية الممنوحة للمسئولين، ومنها آلية تغيير الخطط الدراسية، وتأثيرها على تحصيل الطالب وتأخير تخرجه، وعلاقة الأساتذة بالطلبة وآلية هذه العلاقة قانونيا، وكذلك تقييمات هيئة التدريس وما يشوبها من غموض، وتفاصيل العلاقة بين المسئولين ومجلس الطلبة، ومن ذلك تعاطي قسم التسجيل مع الطلبة المنتخبين، والتجاوزات التي تحصل في هذا القسم، وتعاطي الجامعة مع مقترح تعديل لائحة مجلس الطلبة، وأخيرا الجمعيات الطلابية وحقيقة تمثيلها للطلبة والتداخلات بينها وبين مجلس الطلبة
إقرأ أيضا لـ "سلمان عبدالحسين"العدد 579 - الثلثاء 06 أبريل 2004م الموافق 15 صفر 1425هـ