يمكن للحكومة ألا تتسلّم العرائض الشعبية إذا رأت أنها مخالفة للدستور. أو ألا ترد عليها إذا تسلّمتها. وقد حدث ذلك مرات ومرات في مسائل صغيرة وكبيرة. وحتى إذا اعتبرنا عدم التسلّم وعدم الرد متناقضين وطبيعة دور السلطة التنفيذية التي يفترض أن تستمع إلى مطالب الناس وتسعى إلى حلها، فإن هذين الإجراءين يبقيان ضمن السقف المتوقع، وهما يتفاديان التصعيد والصدام على الأقل. إن توقيع العرائض أسلوب سلمي، وقانوني. وربما صح القول انه أقل ضوضاء من التظاهرات والمسيرات والاعتصامات التي حاولت المعارضة تفاديها في أوقات كثيرة، لأنها تدرك أن بعض جمهورها منفلت، ويصعب توجيهه أحيانا.
الأرجح أن تكون ملاحظات الحكومة على العريضة ذات معطى سياسي. وهذا أحد الإشكالات التي تواجه السلطة التنفيذية التي تورط نفسها أحيانا في مسائل هي في غنى عنها، خصوصا حين تتدخل في نشاطات المجتمع المدني، وتفرض نفسها وصية عليه، وكأنها تملك وحدها تفسير النصوص والقوانين. ولعل وضعية الأندية الرياضية التي تجيّر مواقفها أحيانا لصالح الموقف الرسمي، في حين تعترض مؤسسة الشباب على ندوات تنظمها هذه الأندية، هو دليل على أن التناقض يبلغ حدا من الفجاجة لا يمكن أن يستساغ أو يبرر.
على رغم الملاحظات الجدية على أداء المعارضة، خصوصا لجهة إعلانها موعدين لاطلاق العريضة دون القيام بالإعداد اللازم، بما في ذلك استشفاف موقف الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والصحافة... فإنه لا يمكن الدفاع عن موقف الحكومة بشأن تحريم توقيع عرائض شعبية، كما كان من الصعوبة الدفاع عنها حين اتخذت قرارا بعدم دخول ناشطين عرب وأجانب للمشاركة في المؤتمر الدستوري.
إن الحكومة من حيث تدري أو لا تدري تخدم أجندة المعارضة. وكما صنعت من المؤتمر الدستوري حدثا مدويا تتناقله وكالات الأنباء، فإنها تعيد الكرَّة مرة أخرى بتعاطيها غير الحصيف مع العريضة وكأنها لا تتعلم من أخطائها
العدد 579 - الثلثاء 06 أبريل 2004م الموافق 15 صفر 1425هـ