يبدو أن البحرين تتجه بشكل جدي في إدخال تشريعات جديدة وتعديل بعض أحكام مراقبة الشركات وأخلاقيات المهنة. تتضمن التعديلات مسائل حيوية تتعلق بالسلوك المهني فيما يخص أنشطة الجمعيات العمومية ومجالس الإدارات التنفيذية والمساهمين ومدققي الحسابات الخارجيين والداخليين. وتأتي هذه التطورات ضمن جهود الحكومة للوفاء بالتزاماتها لمتطلبات منظمة التجارة العالمية واتفاقات التجارة الحرة التي وقعتها البحرين مع الكثير من الدول فضلا عن اقتراح اتفاق التجارة الحرة مع أميركا. يشمل مصطلح أخلاقيات المهنة على الكثير من المفاهيم من ضمنها الإصرار على ابتعاد أعضاء مجالس الإدارات من الاستفادة الشخصية أو التجارية من مناصبهم. بمعنى يجب ألا يكون هناك أي نوع من ما يعرف بـ conflict of interest أو تعارض المصالح مثل قيام البعض تأجير المباني الخاصة بهم على المؤسسات التي هم أعضاء في مجالس إدارتها. فالوظيفة الرئيسية لأعضاء مجالس الإدارات تكمن في العمل على الحفاظ وتطوير أموال حملة الأسهم ضمن إطار القوانين والأخلاقيات المهنية والتجارية.
من البداهة لا يمكن التوقع أن كل المدراء والعاملين سيتمتعون بالنزاهة الكاملة في أعمالهم لسبب بسيط وهو أن «نفس الإنسان أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي». وهنا يأتي دور وجود قوانين صارمة توضح الجزاءات في حال وقوع مخالفات. وعليه ربما لا يختلف اثنان في البحرين على ضرورة وجود تشريعات واضحة ومحددة على خلفية الفضائح المالية التي ظهرت للعيان في الآونة الأخيرة في الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية و الهيئة العامة لصندوقي التقاعد (المدني والعسكري) وبعض المصارف التجارية والاستثمارية وشركات الخدمات بما فيها التأمين. المؤكد أن بعض المؤسسات ربما ترغب في تحقيق الربح وذلك باستخدام طرق غير شرعية أو على أقل تقدير مشبوهة في أية دولة في العالم. لكن المهم في هذا الصدد تطبيق القوانين والجزاءات في حال وجد التجاوز أو التحايل على القوانين. حدث هكذا أمر مع شركة إنرون Enron الأميركية قبل عدة سنوات والتي كانت تعمل في مجال الطاقة. باختصار تبين أن مؤسسة آرثر أندرسون العاملة في مجال تدقيق الحسابات وتقديم المشورة الإدارية ساعدت شركة إنرون في الظهور بمظهر المؤسسة الناجحة ماليا عن طريق تضخيم بعض الأرقام وإخفاء البعض الآخر. في نهاية المطاف قررت السلطات المالية في أميركا إغلاق إنرون وحرمان آرثر أندرسون من العمل باسمها. ولاتزال القضية في المحاكم ومن المنتظر أن تصدر أحكام صارمة بحق كبار المسئولين في المؤسستين. وخوفا من الفضيحة وعدم قبول التحدي أقبل أحد المدراء السابقين لشركة إنرون على الانتحار.
ربما تعتبر سنغافورة أفضل مثال للدولة التي تطبق القوانين بصرامة ضد الذين تسول لهم أنفسهم استغلال مناصبهم. لكن لضمان عدم توافر سبب للسرقات تدفع الحكومة رواتب للوزراء مميزة. إذ يحصل الوزير على أعلى راتب في البلاد وعادة يكون ما يحصل عليه الرئيس التنفيذي لأحد المصارف. تهدف السياسة في استقطاب أفضل العقول للعمل في القطاع العام. لكن بالمقابل تتوقع الحكومة إبداعا من المسئول فضلا عن الابتعاد نهائيا عن سوء استغلال المنصب لأن الكلفة عالية جدا تتضمن سنوات مطولة من السجن وغرامات مالية حتى لا يتسنى للمدان من الاستمتاع بالأموال التي حصل عليها بطرق غير شرعية.
أخيرا خيرا فعلت وزارة التجارة بتشكيل لجنة لغرض تطوير أحكام مراقبة الشركات وأخلاقيات المهنة. المطلوب من الوزارة والفعاليات الأخرى مثل جمعيات الأعمال نشر ثقافة أخلاقيات المهنة في طول البلاد وعرضها
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 579 - الثلثاء 06 أبريل 2004م الموافق 15 صفر 1425هـ