يقول أقحاح العرب بأن الهُراءَ هو المنطق الفاسدُ الذي لا نظام له. لكن هذا التوصيف قد يتحوّل إلى مأساة إن تمّ تحريك حروف مُحدّدة من الكلمة. فـ «هَرَأَهُ» (البرد مثلا) يعني اشتدّ عليه حتى كاد يقتله. (راجع لسان العرب في مُفردة هرأ).
ما قاله النائب داريوش قنبري أحد ممثلي مُدن إيلام ومهران وإيوان وشيروان وجرداول (جنوب غرب) في البرلمان الإيراني حول تبعيّة البحرين لإيران يدخل في هذا الباب. هو حتما هُراءٌ محض؛ لكنه أيضا هُراءٌ قاتل أو يكاد. فمن غير المعقول أن يصدح هذا النائب بقولِ ما لا يُمكن قوله والتصريح بشأنه بهذه الطريقة.
هنا، لا أظنّ أن 168.478 من الإيلاميين (أو أكثر) قادرين على مَنحِ نائبهم مزيدا من الوقت لقول ما لا يدخل في معالجة آثار زلزال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي الذي ضرب المناطق الحدودية للمحافظة، أو كيفية التصدّي لهجمات منظمة منافقي خلق الإرهابية ضد مناطق في المحافظة.
ولا أظنهم سيعطونه مزيدا من الوقت أيضا لقول ما لا يدخل في استجواب وزيري التربية والتعليم والداخلية السابقين محمود فرشيدي ومصطفى بور محمدي، أو الاستماع إلى وزير الخارجية منوشهر متّقي في لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية.
هذا التصريح غير المسئول (والمدان) من النائب قنبري يُضر بمكانة الجمهورية الإسلامية، ويدفعها باتجاه مُثَلَّم. فحديثه يُكرّس مقولات وادعاءات تصدر في الولايات المتحدة وفي غيرها من الدول بأن لدى إيران مطامع في المنطقة. وأن سياساتها «جمعاء» تُسَخّر من أجل ذلك الهدف. إن ذلك النائب يُقدّم فرصا ثمينة لهؤلاء لتكرار سيمفونيات رتيبة، قد تقضم من صدقية طهران بالمقدار الذي يضر.
نعرف أن المسئولين الإيرانيين صرحوا بأن السياسة الرسمية للجمهورية الإسلامية هي غير ذلك تماما. وهي سياسة داعمة لقضايا المنطقة. وفي كلّ مرة يتطفّل أحدهم سواء في صحيفة ما أو تجمّع جماهيري، يُسارع المسئولون الإيرانيون، سواء عبر سفرائهم أو عن طريق الخارجية إلى تقديم التوضيحات بشأنها.
إن هؤلاء يُراكمون أتعابا مضافة على القيم السياسية الإيجابية للجمهورية الإسلامية من غير لا يحتسبون. وهم أيضا يُساهمون في مَأزَقَة النموذج الحضاري الذي تسعى إيران إلى تقديمه للمنطقة والعالم في مجالاتٍ عدّة.
فإيران التي أبدت استعدادها لتزويد البحرين بالغاز من حقل بارس الجنوبي، والماء العذب من نهر قارون، وعيّنت لها سفيرا مُفوّضا فوق العادة في المنامة، لا يُمكن أن تدفع باتجاه تأزيم علاقاتها بالبحرين، وبالتالي فهذه التصريحات التي لا تعكس إلاّ وجهة نظر أصحابها تلقي بظلالها الثقيلة علينا.
يجب أن يفهم هذا النائب إن كان للإمبراطورية الفارسية سواد على أرض ما في أزمان سحيقة غابرة، فلا يعني أنها تبقى كذلك، وإلاّ لجاز لوارثي الحضارات المصرية أو الكلدو - أشورية أو الآرامية أن يأخذوا ما كانت لتلك الإمبراطوريات من أرض. ولجاز لمسيحي المهجر أن يُطالبوا بالقوش وتل كيف والقامشلي وطور عابدين وماردين وجبل لبنان ونهر النيل، ولوارثي السريان بأرض تمتد من جبال زاجروس وحتى سيناء، ومن شرق البحر المتوسط إلى غرب البادية العربية.
في كلّ الأحوال وضمن مسار الخطأ الذي سار فيه النائب قنبري فقد كفانا رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني مشكورا الرّد على ما قاله نائب إيلام. كان حديث لاريجاني شديد اللهجة، معبرا عن الموقف االرسمي للجمهورية الإسلامية. ونحن هنا لن نأخذ بجريرة أحد، لكن الجميع أيضا مطالب بانتقاء الألفاظ كما يجب، فالبحرينيون أكدوا انتمائهم وهويتهم بإرادتهم ووثق ذلك مجلس الأمن الدولي في العام 1970
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2358 - الأربعاء 18 فبراير 2009م الموافق 22 صفر 1430هـ