حين دخل صلاح الدين الأيوبي مساء خيمة بعض جنوده المرابطين حول أسوار القدس وجدهم يضحكون، فاستنكر قائلا: «أهذا وقت ضحكٍ والأقصى بأيدي الصليبيين؟» ومن هناك انقض على الفرنجة وأزاحهم من مواقعهم وألقى بهم في البحر.
كشعوب عربية تمنينا أن يجتمع الحكام العرب في تونس سريعا ومن دون إبطاء، ليس إيمانا منا بما سيخرجون به من مقررات لن تسمن الفلسطينيين ولا تغنيهم من جوع، وانما لتقديم واجب العزاء نيابة عنا في مقتل الشيخ الشهيد أحمد ياسين، وهو أقل الواجب الذي ينبغي تقديمه لشعبٍ محاصرٍ مجوّعٍ ما فتئ يقدّم القرابين تلو القرابين على مذبح التحرر والفكاك من قيد الأسر.
تمنينا أن تجتمعوا ليشعر الفلسطينيون أن هناك من يحسّ بآلامهم ويواسيهم في المحن الشديدة المتتالية التي ما انفك شارون يمطرهم بها يوما بعد يوم. لو اجتمعتم لنسي الفلسطينيون الحصار الذي شارك فيه بعضكم من فرض منع المساعدات التي تتبرع بها الشعوب العربية إلى أيتامهم وأراملهم وأسر شهدائهم وأسراهم، في سياق الحرب الأميركية على «الارهاب». صدقوني كانوا سينسون فعلتكم وسيسامحونكم، ولكن...
تمنينا اجتماعكم أيها السادة لتردّوا على كل من قال إن ما فرق جماعتكم وذهب بريحكم وشتت شملكم هو اختلافكم على قبول المشروع الاميركي الهادف لإصلاح الوضع المتردي للأمة العربية. حينها كنا سنقول دعما لكم في أداء واجب التعزية لشعب الفقيد: «أجّلوا كل شيء، لا نريد ديمقراطية ولا إصلاحا، فقد شبعنا من الديمقراطية، خصوصا انها كانت أرقى انواع الديمقراطيات في العالم، ولا نريد إصلاحا، فكل شيء على ما يرام في بلاد العرب، اقتصادنا خير الاقتصادات، ونحن لا نبيع النفط لنشتري به السيارات الفارهة ونستورد به الكعك والبسكويت وحياتنا هي النعيم الذي بشّر به الأنبياء المؤمنين، لا محسوبية، لا بطالة، لا تمييز، لا فساد، كذبت أميركا وكذب ساستها، فكل شيء في بلاد العرب على ما يرام!
فقل للشامتين بنا أفيقوا!
تمنينا أن تجتمعوا أيها السادة لتردوا على شماتة «اسرائيل» بكم وبنا، حين اعتبرت عدم انعقاد «قمتكم» أكبر تقدم أحرزه العرب في تاريخهم الحديث، وهو تصريح ينم عن النشوة التي أحست بها مقابل ما أحسته الشعوب العربية من مهانة وذل وعار ألحقته بنا سياساتكم.
تمنينا أن تعقدوا «قمتكم» في وقتها، فقط لتنقلوا تعازيكم وتعازينا للشعب الجريح، ولكن... خاب الظن، فأنتم حتى الآن لم تتفقوا حتى على مكان انعقادها بعد أن ذهب المعزّي وانفض السامر وطويت سرادق العزاء.
تمنينا ونحن نعض على الجراح، أن تجتمعوا وتتصافى قلوبكم، حتى ولو لدقائق معدودة تكفي لتلاوة كلمات العزاء... لكننا الآن - نصارحكم - نتمنى ألا تجتمعوا، فالأمر لن يفرق كثيرا ولا قليلا في تونس أو القاهرة أو سطح القمر، لأنه حتى كلمات العزاء ستكون متأخرة جدا فتنكأ الجراح من جديد، وتجدد مصاب الثكالى المتعبين، وتذكر الفلسطينيين أن الأقربين هم آخر من قام بالواجب.
أيها السادة، لقد انتظر الفلسطينيون منكم كلمة عزاء واحدة فقط، كلمة مواساة تقال «مجانا» من دون ضرائب ولا حساب، وثقوا انكم لو قلتموها لما عاتبكم عليها أصحاب العيون الزرق، مع ذلك لم تجرأوا على قولها، ما يثبت عدم وجود إحساس بضرورة تقديمها، اذ انشغلتم بمكان انعقاد مراسم العزاء، وتحاورتم وتشاورتم أسبوعين كاملين: نعقدها هنا أم هناك، بعد شهر أو شهرين، وحتى الآن لم تتفقوا: أين ومتى وكيف؟ حتى فكر بعضكم بعقدها في القمر! رومانسية محلّقة، أم إمعانا في نكأ الجراح؟ كأني بالشعب الفلسطيني الصابر الممتحن ولسان حاله يقول: «ذهب الذين أحبهم... وبقيت مثل السيف فردا»... وما أوحش الحياة القاسية مع قوم لا يتقنون غير الضحك على أسوار المدن المحاصرة
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 578 - الإثنين 05 أبريل 2004م الموافق 14 صفر 1425هـ