المسافة التي تبعِّد وجهات النظر داخل هذا الطرف أو ذاك وبين عدد من الأطراف الفاعلة والحكومة بدأت تتسع، وكل يوم يمر علينا نقترب من شيء ما، ربما اصطداما، ربما إغلاق جمعيات، ربما اعتقال هذا او ذاك، وربما وربما... الحديث هو ذاته، إذ يتوقع الجميع شيئا ما بعد أن تحولت الفجوة الى «جفوة»، والجفاء «نفسي» أكثر منه عقليا، وهو الأخطر. فالقرآن يتحدث كثيرا عن ضرورة إصلاح وصفاء «القلوب» أكثر من أي شيء آخر؛ ذلك لأن الأفكار ستختلف دائما والمساعي البشرية ستختلف دائما «إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى» (الليل: 4). اختلاف الأفكار شيء مقبول، بل ومطلوب لتقوية الحال الحضارية لدى الإنسان، بينما اختلاف القلوب يعني تحول الصراع من الأفكار إلى صراع الأجساد، أي التصادم.
لاشك لدي أن القيادات المعتدلة في جانب المعارضة هي الأكثرية، ولكن صوتها هو الأضعف لعدة أسباب. من تلك الأسباب شراسة الأطراف المتشددة وعدم تورعها عن استخدام أساليب التسقيط والتشهير والشتم ضد بعضها الآخر فكيف بها ضد الحكومة؟
سبب آخر لضعف القيادات المعتدلة هو الحكومة ذاتها التي لم تعط فرصة لهم ليظهروا بوجه حسن. فمازالت بعض الجهات الرسمية تحاول إبراز علاقتها الحميمة بكل اسم يكرهه الناس ومازالت هذه الجهات تستخدم بعض أساليب الماضي، كما شاهدنا أخيرا، على رغم تصريحات القيادة السياسية وعلى رأسها جلالة الملك، بأن لا عودة إلى الماضي ولا عودة إلى الوراء بأية حال من الأحوال، وأن «الأمان» لكل مواطن يعبر عن رأيه بطريقة سلمية.
الجفاء النفسي بدأ يصل إلى «حد الخطر»، وعلينا جميعا مسئولية تقريب النفوس وتهدئة الأمور وتأجيل بعض النشاطات ودفع الأطراف إلى التحدث مع بعضها الآخر بدلا من الأسلوب الحالي الذي يضرنا جميعا.
أجد نفسي ملزما من الناحية الأدبية أن أركز على موضوعات أراها مهمة وربما تصبح خطيرة قريبا، وذلك بحكم موقعي السابق عندما كنت المتحدث باسم المعارضة طوال فترة انتفاضة تسعينات القرن الماضي حتى عودتي إلى البحرين في العام 2001، والآن بصفتي مراقبا صحافياحيث أستطيع رؤية وجهات النظر المختلفة. ففي الوقت الذي أفهم فيه الساحة الشعبية فهما تفصيليا وأعرف ما يدور في داخلها ومن يحركها ولماذا، أعرف أيضا وجهات النظر الرسمية وكيف تتحرك - وبصورة عامة - إلى اين تتجه. ولعمري فإنها تتجه إلى شيء لا نود حدوثه، وآمل أن تقبل الأطراف الاستماع إلى وجهات نظر أخرى خدمة للبحرين التي استعادت دورها على الساحة الدولية كمركز للنجاح في مختلف الأصعدة، فلماذا نضحي بما حققنا لمجرد «الجفاء النفسي»؟!
بكل إخلاص ومن كل قلبي أطلب من أعزائي في المعارضة الذين أعلنوا مقاطعتهم العمل البرلماني والذين يتحركون على أساس مبدئي (وليس اولئك الذين يتحركون على اساس شخصي) أن يهدئوا الشارع لمصلحة الشارع نفسه، فرسالة العريضة الدستورية وصلت ومحتواها واضح، والتحشيد قد يخدم من لا يحب ان يكون للمعارضة اثر حقيقي وبعيد المدى. التهدئة حماية لمصالح البلاد ومصالح المقاطعين أنفسهم على أمل أن تهدأ النفوس وأن يتم الوقوف أمام القلة (وربما انها مخترقة) التي تشرف وتحرض وتشتم على مواقع الإنترنت وتمارس اعمالا منافية للقيم الاسلامية والوطنية وهي امور لم تعد مقبولة من أي طرف غير الطرف الذي يقوم بها
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 578 - الإثنين 05 أبريل 2004م الموافق 14 صفر 1425هـ