عبّرت الحكومة والمعارضة عن أملهما في تفادي ما يوصف بـ «كسر العظم» الذي يخشى مراقبون أن يكون الطرفان متجهين إليه بسبب الخلاف بشأن العريضة التي تعتزم الجمعيات الأربع تدشينها خلال الشهر الجاري، فيما أعلن الطرفان عزمهما تبادل الرسائل بشأن موقفيهما.
وعلى رغم تمسكهما بموقفيهما من العريضة، رحب وزير العمل والشئون الاجتماعية مجيد العلوي، ورئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان بالحوار. وقال العلوي في تصريح إلى «الوسط»: «أتطلع إلى لقاء الجمعيات في أي وقت يشاءون»، فيما قال سلمان: «رغم اعتقادنا بصحة موقفنا، فإن ذلك ليس عائقا للتحاور، ونتطلع للاستماع إلى وجهة النظر الرسمية»،. وأضاف «إذا اتضح أن موقف الوزير العلوي صحيح فسنلتزم به، ونرجوه أن يفعل ذلك إذا اتضح أن موقفنا صحيح».
واعتبر مراقبون الخطاب الذي ينوي العلوي إرساله إلى الجمعيات بشأن العريضة قد يعقد المسألة، ويعطيها بعدا رسميا، فيما ترى أوساط معتدلة في المعارضة أن الهدف من التحرك هو توقيع العريضة، وليس التجمع الشعبي الذي قد يؤدي إلى «اصطدام» ويعطي شرارة للفوضى.
الوسط - عباس بوصفوان
أعلن وزير العمل والشئون الاجتماعية مجيد العلوي عزمه إرسال خطابات إلى رؤساء الجمعيات السياسية الأربع توضح موقف الحكومة السلبي من العريضة التي تعتزم الجمعيات تدشينها خلال الشهر الجاري. فيما أوضحت مصادر التحالف الرباعي الذي يضم جمعية الوفاق الإسلامية، والعمل الديمقراطي، والتجمع القومي، والعمل الإسلامي انها ستتدارس في اجتماعها اليوم كيفية التواصل مع وزير العمل على خلفية دعوته للحوار في مقال نشره في صحيفة «الوسط» أمس.
ومن بين الإجراءات التي يتدارسها التحالف المعارض ارسال خطاب إلى العلوي يتساءل فيه عن السند القانوني الذي ترتكز عليه الحكومة في تفسير المادة 29 من الدستور، بعد تصريح العلوي بأنه «لا تجوز للجمعيات دعوة غير أعضائها للتوقيع على عرائض شعبية»، وتلويحه بحل إدارات الجمعيات الأربع.
واعتبر مراقبون الخطاب الذي ينوي العلوي إرساله إلى الجمعيات قد يعقد المسألة، ويعطيها بعدا رسميا، خصوصا قبل انعقاد أي لقاء حوار بين الطرفين. فيما ترى أوساط معتدلة في الجمعيات الأربع أن الهدف من التحرك المعارض هو توقيع العريضة، وليس التجمع الشعبي الذي أعلن تنظيمه في 21 ابريل/ نيسان الجاري، خصوصا إذا كان سيؤدي إلى «صدام بين الحكومة والمعارضة»، في ظل تصور بأنه يصعب السيطرة على الوضع إذا اندلعت شرارة فوضى من أحد.
إلى ذلك رحب الوزير العلوي بالحوار مع الجمعيات الأربع «في أي وقت»، آملا أن يسهم ذلك في «تفهم المتطلبات القانونية» للعمل السياسي، مشددا على تمسكه بتفسير المادة 29 من الدستور لأنه «مستند إلى استشارات قانونية»، مشيرا إلى أن من الأجدى حصر الخلاف بين الحكومة والمعارضة في تفسير المادة المذكورة «وأن من غير صالح أحد جعلها قضية عامة».
وقال العلوي: «إن تمسكي بموقفي لا يمنع الحوار، لأن رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».
وبشأن ما يتردد من أن الطرفين يتجهان للصدام بسبب «مرحلة كسر العظم» التي قد تمر في 21 ابريل الجاري، موعد تدشين الجمعيات للعريضة الشعبية المطالبة بالعودة إلى «مكتسبات 1973»، قال العلوي: «هدفنا تقوية عظم مؤسسات المجتمع المدني»، متسائلا: «لماذا لا تحاول القيادات والجمعيات تفهم واجباتها، والعمل ضمن القانون، فهل الجمعيات تعمل ما تشاء ولا يجوز لأية جهة حكومية أن تمنعها؟»، معتبرا أن القيادات الشعبية تقود «صراعا سياسيا بالتستر بالقانون». وبيّن أن المادة 50 من قانون (21) لسنة 1989 المنظم لعمل الجمعيات تخول وزارته حل الجمعيات. وأن للجمعيات اللجوء إلى القضاء للطعن في قرار الحل، موضحا أن «للدولة قوانينها، وإذا لم تكن (الجمعيات) راضية عنها، فأمامها قنوات للتغيير، من دون أن تفرض تصوراتها على الآخر».
ودعا العلوي - الذي كان محسوبا على المعارضة وعيّن وزيرا للعمل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 - الجمعيات «الى عدم المضي قدما في الحشد للعريضة»، وأعاد تأكيد أن «المضي فيها يعني تطبيق عليهم القانون، وحل الجمعيات»، راجيا إياها «قراءة موقف الحكومة بصورة صحيحة»، مشددا على أن تصريحه بحل الجمعيات «ليس قرارا فرديا وإنما موقف مجلس الوزراء».
خيوط الحوار
من جانبه، قال نائب رئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي للشئون التنظيمية إبراهيم شريف: «إن الحوار ضروري»، معتبرا سياسة كسر العظم «خطيرة، لأنها تقطع خطوط التواصل بين المعارضة والحكم. ويصعب بعدها التفاهم حتى على القضايا البسطية».
ودعا شريف إلى الاتفاق على قواعد اللعبة التي «لا يجوز لأي طرف كسرها»، ومن ذلك الحقوق السياسية الكاملة للمواطنين، والحفاظ على الأمن في البلد، والعمل على خلق مناخ جيد للاستثمارات والصناعة والتجارة.
واعتبر شريف كلام الوزير العلوي المنشور في صحيفة «الوسط» أمس بأنه «قد يفتح مجالا للحوار»، موضحا أن الحوار «طلب قديم»، آملا «ألا تقطع الحكومة الحوار مع المعارضة، ومهما اختلف الطرفان فكلاهما في سفينة واحدة».
وأضاف شريف «لم يذكر الوزير العلوي في مقاله كيفية تفسيره للمادة 29 من الدستور بالطريقة التي تجعل الجمعيات مخالفة للدستور في حال دعت للعريضة؟ ولماذا لا يرفع موضوع حل الجمعيات إلى القضاء بدل أن يجتهد الوزير في تفسير المادة 29، وبذلك يؤكد دولة القانون والمؤسسات التي يدعو إليها».
وقال القانوني حسن رضي: إن «ليس في المادة 29 ما يحظر على الجمعيات أن تدعو الى العريضة أو أن يكون الموقعون في حدود أعضائها، وبقياس منطقي بسيط، إذا كان من حق أي فرد المبادرة بتحرير عريضة، وأن يدعو غيره من الأفراد الى التوقيع معه، فمن باب أولى أن يكون للجميعات هذا الحق»، راجيا أن يكون تصريح وزير العمل «اجتهادا شخصيا، أما إذا كان قرارا حكوميا، فأتمنى أن تعدل الحكومة عنه». وأضاف: «ينبغي التمييز بين تمثيل الجمعيات لأعضائها فلا يجوز أن تمثل سوى أعضائها، وبين دعوة الأفراد للتوقيع على العريضة، لأن التوقيع يقوم الشخص مباشرة به من دون تفويض».
ورأى رضي «أن الاستشارة القانونية التي يقول الوزير أنه يستند إليها خاطئة، والأولى العود عن الخطأ، وترك الأمور تأخذ مجراها بسلام وحب ما بين الحكومة والمعارضة، وإن منع التوقيع على العريضة سيكون بالتأكيد ذا أثر سلبي على مسيرة الإصلاح التي ندعمها ونعتز بها. كما أن السماح لها تمضي في طريقها، لن تكون إلا رصيدا دائنا وإيجابيا لمسيرة الإصلاح التي يقودها جلالة الملك».
قال رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان: إن الجمعيات الأربع «لم تتلق إخطارا رسميا عن عدم حقها في توقيع عريضة تضم غير أعضائها». وأشار إلى أن نص المادة 29 «واضح، وأن الممارسات اليومية، وكل الدساتير والأعراف تعطي الجمعيات الحق في الدعوة إلى العريضة». وأضاف «على رغم ذلك نجد أن التواصل مع وزارة العمل مهم، وقد يساهم في إزالة سوء الفهم، وأن اعتقادنا بصحة موقفنا ليس عائقا للتحاور، ونتطلع للاستماع إلى وجهة النظر الرسمية». وقال سلمان (المحسوب على الخط المعتدل): «إذا اتضح أن موقف الوزير العلوي صحيح فسنلتزم به، ونرجوه أن يفعل ذلك، إذا اتضح أن موقفنا صحيح».
وردا على سؤال بشأن مآلات الوضع الراهن إذا تمسك كل طرف بموقفه، قال سلمان: «لا يستطيع طرف فرض رؤيته على الآخر. ويجب الاحتكام إلى الرؤى القانونية»، موضحا أن كل الخيارات متاحة أمام المعارضة بما في ذلك اللجوء إلى القضاء. وبيّن أن المعارضة «لا تسعى إلى كسر عظم أحد، ولا تخشى من أية إجراءات مادامت ملتزمة بالقانون»، وانتقد ما وصفه بـ «الخطابات المبرمجة»، التي تحمل المعارضة التصعيد الأمني. وأضاف «الجمعيات الأربع لم تدع إلى أي عمل عنيف، بل دعت الناس إلى الهدوء، وإلى التخلي عن حقوقها الطبيعية في فترة الفورمولا 1 كي ينجح المشروع»، واسف لأن «بعض الأقلام تتجنب الإشارة إلى التصعيد الرسمي غير المبرر». وقال: «نرحب بالنقد، لكن يجب أن تتحلى الصحافة بالشجاعة الأدبية لنقد أي طرف». وشدد سلمان على ما يعتبره «مبدأ أساسيا في خطاب المعارضة: تغليب لغة العقل والتفاهم على لغة التصعيد»، موضحا أن الجمعيات استجابت إلى دعوة الحكومة بعدم تنظيم مؤتمر عن الديمقراطية في الخليج، وأجلت الندوة في 18 مارس/آذار مساهمة في إنجاح مشروع الفورمولا. وهنأ رئيس الوفاق «البحرين بنجاح تنظيم هذا الحدث الرياضي، وخصوصا ولي العهد صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة كونه الراعي للحدث»، آملا أن يكون النجاح مشجعا لتفادي شن حملة على المعارضة وإعاقة عملها. وعبّر عن تفاؤله بالخروج من حال عدم التوافق، موضحا أن «هناك حكماء في المعارضة والحكومة نجحوا في تفادي التوترات وأن المتطرفين قلة». واستنكر سلمان الهجوم على العائلة الملكية «المحترمة والمقدر مكانها»، داعيا إلى الا تُحمل «المعارضة أو الحال العامة أية مواقف خاطئة»
العدد 578 - الإثنين 05 أبريل 2004م الموافق 14 صفر 1425هـ