ماذا تريد واشنطن من موسكو؟ سؤال تكرر طرحه منذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. فموسكو الطرف الثاني المتضرر من تلك الهجمات بعد العرب والمسلمين. والصين هي الطرف الثالث بعد موسكو، والاتحاد الأوروبي هو الرابع بعد الصين وموسكو. هناك مجموعة متضررين من الهجمات مقابل مجموعة مستفيدين.
المستفيدون من الهجمات كثر، كذلك المجموعات المتضررة كثيرة وفي طليعتها تأتي موسكو بعد العالم العربي - الإسلامي طبعا.
موسكو تلقت نتائج سلبية كثيرة من الهجمات وشكلت ضدها مجموعة تداعيات أخذت تضغط على حدودها الجنوبية الممتدة من أفغانستان إلى جورجيا وانتقلت الآن إلى جبهتها الغربية في المنطقة التي كانت تدور سابقا في «المحور السوفياتي».
منذ 11 سبتمبر لاحظ الكرملين وجود حركة التفافية تحاول تطويقه بذريعة مكافحة الإرهاب وملاحقة تنظيم «القاعدة» مستفيدة من المشاعر التضامنية التي لقيتها واشنطن بعد الهجمات. والآن وبعد مرور أقل من ثلاث سنوات من ضربة سبتمبر نجحت الولايات المتحدة في تحقيق سلسلة أهداف خطيرة على مستوى تهديد الأمن القومي للاتحاد الروسي. فالهجمات مثلا أعطت ذريعة قوية لواشنطن لإعلان إلغاء كل اتفاقات الحد من انتشار الأسلحة التي وقعتها سابقا مع الكرملين في أيام «الاتحاد السوفياتي». والهجمات أيضا أعطت دفعة قوية للإدارة الأميركية لاستكمال برامج سباق التسلح على مختلف المستويات من تحديث الصواريخ العابرة للقارات وسباق الفضاء وتطوير منظومة هجومية لا تقوى موسكو الآن على خوض غمارها. فالهجمات أعطت الضوء الأخضر لواشنطن لمواصلة ما اوقفته من برامج في فترة «الحرب الباردة» بينما موسكو تحتاج إلى مال لإعادة تحديث اقتصادها ولا تستطيع اقتطاع أموال التوظيفات في الحقول المدنية ونقلها بسرعة إلى القطاع العسكري والدخول مجددا في سباق حربي مع الولايات المتحدة.
إلى ذلك تعاني موسكو من مشكلات بنيوية خلفها الانتقال السريع (والمتسرع) من نمط الانتاج الاشتراكي (هيمنة الدولة على الاقتصاد) إلى نمط الانتاج الرأسمالي الذي يطلق حرية الاقتصاد ويحد من رقابة الدولة. فالانتقال يحتاج إلى وقت وأميركا لم تمهل روسيا بل استغلت الفجوة الزمنية لإعلان انسحابها من كل الالتزامات السابقة بهدف شل قدرات الكرملين ومنعه من استكمال برامجه التحديثية التي كان يعول عليها للالتحاق بركب التقدم الغربي كما راهن الرئيس السوفياتي الأخير ميخائيل غورباتشوف.
موسكو تعاني الآن من ضغوط تتركز على جبهات ثلاث:
الأولى الوقت: فالخروج من الصدمة (صدمة الانهيار) يحتاج إلى فترة زمنية لتحقيق التوازن المفقود بين مرحلتين: العودة من الاشتراكية إلى الرأسمالية.
الجبهة الثانية: عودة التنافس (السباق) على انتاج السلاح وتحديثه في فترة تجد الإدارة الأميركية أنها تحتل المركز الأول في هذا الصعيد، بينما الانهيار أربك موسكو وجعلها في وضع لا تحسد عليه لتجديد مجال السباق على التسلح.
والجبهة الثالثة: أمنية وهي نجاح الولايات المتحدة (مستفيدة من هجمات سبتمبر) في تطويق روسيا عسكريا من خلال عقد سلسلة تحالفات واتفاقات أمنية مع دول آسيا الوسطى التي استقلت حديثا عن الاتحاد السوفياتي وصولا إلى توسيع الحلف الاطلسي (الناتو) وادخال سبع دول جديدة في إطار المنظومة العسكرية الغربية.
توسيع قاعدة حلف الناتو خطوة استراتيجية خطيرة وتشكل تهديدا مباشرا لأمن موسكو. فبعد أن كانت الدبابات السوفياتية قبل 12 سنة متمركزة في برلين على أبواب أوروبا الغربية بات بقدرة الدبابات الأميركية التمركز الآن على أبواب الكرملين.
هذا الانقلاب الاستراتيجي الخطير - المتمثل في انتشار القوات الأميركية في قواعد عسكرية تطوق روسيا من حدودها الجنوبية من قرغيسستان واوزبكستان وجورجيا وصولا إلى بلغاريا ورومانيا ولاتفيا واستوينا - ما كان يحصل بمثل هذه السرعة والسهولة لولا هجمات سبتمبر.
هذه الحلقة من القواعد الملتفة حول روسيا تثير فعلا أسئلة غريبة عن الجهات المستفيدة والمتضررة من هجمات سبتمبر وهي في النهاية جددت السؤال: ماذا تريد واشنطن من موسكو؟ وما هو رد الكرملين على تحديات واستفزازات البيت الابيض؟
الجواب حدد ملامحه السريعة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين أعرب عن استياء موسكو من تحركات الحلف الاطلسي على حدوده الغربية (شرق أوروبا)، مؤكدا أن روسيا ستعود إلى التحرك عسكريا لاحتواء التهديدات والمخاطر. الجواب واضح ولكنه ليس كافيا
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 576 - السبت 03 أبريل 2004م الموافق 12 صفر 1425هـ