وتملك الأعضاء الديمقراطيون في الكونغرس الغضب إزاء التقارير التي تذكر أن وكالة الاستخبارات العسكرية التابعة للبنتاغون تواصل دفع ما بين 3 و4 ملايين دولار سنويا لجماعة الجلبي لصالح برنامج جمع المعلومات الذي كان بدأ العمل به في العام 2001 على رغم أن المعلومات كافة التي سبق أن قدموها بشأن أسلحة العراق وارتباطاته المزعومة بتنظيم القاعدة تتسم بالزيف. ومما ساهم في تصعيد موقف الديمقراطيين أن الدفعات المالية تتواصل في الوقت الذي تجري فيه سبعة تحقيقات مستقلة عن تلك المعلومات الاستخبارية من بينها التحقيق الذي تجريه لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ عن دور جماعة الجلبي في تقديم تلك المعلومات.
وكانت مجموعة مكتب الخطط الخاصة من خلال برنامج جمع المعلومات الاستخبارية الذي لم يتوقف بعد، تطلب من الجلبي وجماعته تقديم معلومات مخيفة عن نظام حكم الرئيس صدام حسين ليجري تسريبها إلى الصحافة، ما يساعد في بناء قضية عامة من أجل الحرب، وهو ما اعترفت به أيضا الصحافية في «نيويورك تايمز» جوديث ميلر التي أقرت بأن كل ما كانت تنشره من معلومات وروايات عن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة كان مصدره الجلبي فقط ليصار استخدامه فيما بعد من قبل بوش وكبار مساعديه، وأن معظم ما جاء في التقرير الذي قدمه البيت الأبيض إلى الأمم المتحدة يوم خطاب الرئيس بوش في سبتمبر/ أيلول 2002 بعنوان «العراق: عقد من الخداع والتحدي» كان معظمه معلومات نشرتها ميلر في ديسمبر/ كانون الأول 2001 نقلا عن معارض عراقي يدعى عدنان إحسان سعيد الحيدري كان أحضره الجلبي.
وعندما يقوم مكتب الخطط الخاصة بإعادة صوغ بعض معلومات الـ «سي آي إيه» الاستخبارية التي يقال إنه لا يمكن نفيها بأن العراق يخفي أسلحة دمار شامل قاتلة يتم تقديمها إلى مكتب مستشارة الرئيس الأميركي للأمن القومي في البيت الأبيض كوندليسا رايس إذ يتم استخدامها في خطب الرئيس ونائبه ديك تشيني ووزير الدفاع رامسفيلد. ومن بين تلك المعلومات الاستخبارية المزعومة ما يتعلق بشراء العراق مئات الأطنان من أوكسيد اليورانيوم من النيجر التي اعترف البيت الأبيض حديثا بعدم صحتها وكلفت ولاتزال الرئيس بوش ثمنا سياسيا وتشكيكا في صدقيته. وأبلغ مدير الـ «سي آي إيه» جورج تينيت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ في شهر يوليو/ تموز 2003 بأن معظم المعلومات الاستخبارية المضللة عن التهديد العراقي التي قدمت لبوش واستخدمها في خطاب عن حالة الاتحاد في يناير/ كانون الاثني 2002 كان وراءها مكتب الخطط الخاصة، من دون أن تجري مراجعتها من مهنيين في الاستخبارات.
وهذه النتائج المثيرة للجدل هي التي تغذي الشكوك القائلة إن هذه المجموعة الغامضة المدفوعة بالأيديولوجيا تلاعبت بالمعلومات الرئيسية من أجل أن تلائم رغبة البيت الأبيض في شن الحرب على العراق.
وقال المحلل السابق في الـ «سي آي إيه» ومختص في شئون المخابرات في كلية الحرب القومية بواشنطن ميل غودمان: إن المسئولين في مكتب الخطط الخاصة دفعوا بصورة روتينية موظفين من مراتب متدنية في قضايا تتعلق بالمخابرات، إذ كان يتم سحبهم جانبا ويقال لهم: لقد رأينا آخر معلومة قدمتها وهي ليست التي كنا نتطلع إليه».
وقد ذكر اثنان من مسئولي المخابرات في وزارة الخارجية الأميركية هما، كريغ ثيلمان، وكريستيان وسترمان، أنهما تعرضا لضغوط من أجل صوغ المعلومات الاستخبارية لتتفق مع السياسة وخصوصا من مكتب بولتون. ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» في شهر يوليو 2003 أن ارتباط القاعدة وقضية الأسلحة النووية كانا الطريقين الوحيدين اللتين تستطيع حكومة بوش بهما ربط العراق بتهديد أمني داهم للولايات المتحدة. وكانت الحكومة الأميركية تقوم بتحريف فاضح للمعلومات الاستخبارية في هذين الأمرين.
وذكر مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) جورج تينيت في جلسة الاستماع أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي في شهر يوليو 2003 أن معظم المعلومات الاستخبارية المضللة عن التهديد العراقي التي قدمت للرئيس بوش واستخدمت في خطابه عن حالة الاتحاد في يناير 2003 كان وراءها «مكتب الخطط الخاصة».
وقال العضو الديمقراطي في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي ألين توستشر: «إن ما يدعو إلى القلق هو أنهم كانوا يأخذون أنصاف الحقائق والشائعات وتأكيد بعض المعلومات التي دعمت قضية الحكومة من أجل شن الحرب».
وقال ثيلمان الذي أدار التقييمات العسكرية في مكتب الاستخبارات والأبحاث بوزارة الخارجية الأميركية إلى حين تقاعده في شهر أكتوبر/ تشرين الثاني 2002 «إن كل شيء رأيناه منذ الحرب (على العراق) أكد شكوك المخابرات بشأن مصادر معلومات مكتب الخطط الخاصة، وأن الافتراض الوردي بأن العراقيين سيستقبلون القوات (الأميركية) بالورود والأحضان والتأكيد أنهم يعرفون تماما مكان أسلحة الدمار الشامل أو أن العراق مستعد لاستخدام أسلحة كيماوية وبيولوجية في غضون 45 دقيقة من بدء الحرب هي روايات أثبتت خطأها».
وقد يدفع الجدل بشأن مزاعم البيت الأبيض إزاء العراق إلى التركيز على مكتب الخطط الخاصة الذي كان ولايزال يثير المشكلات بين المهنيين في أجهزة الاستخبارات الأميركية طوال العام الماضي. وأشار رئيس قسم مكافحة الإرهاب السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية فينس كانيستراروا إلى المكتب بصورة سلبية كـ «هدف خفاش».
وسأل ثيلمان عن السبب الحقيقي وراء تشكيل المكتب الذي يديره مدنيون قائلا «هل لديهم خبرة في ثقافة العراق؟ وهل هم خبراء في الصواريخ؟ هل هم مهندسون نوويون؟ لا يوجد تفسير منطقي لإقامة المكتب باستثناء أنهم أرادوا أشخاصا لكي يجدوا أدلة تدعم أجوبتهم عن الحرب».
وعقدت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ جلسات استماع سرية بشأن جمع المعلومات الخاصة بالعراق، كما أن التحقيق الذي يجري في مجلس النواب على رغم مجاله المتواضع سيكون بمثابة نكسة أخرى لحكومة بوش وهي تتعرض لضغط سياسي متزايد لتوضيح المعلومات الاستخبارية التي تم جمعها بشأن العراق وما إذا كان البيت الأبيض ضلل الشعب الأميركي بشأن الحاجة إلى شن حرب وقائية لم يسبق لها مثيل.
باول المغلوب على أمره
وبدا أن وزير الخارجية الأميركي كولن باول كان الوحيد من كبار مساعدي بوش الذي كانت لديه شكوك في صحة المعلومات الاستخبارية التي يقدمها مكتب الخطط الخاصة إذ امتنع عن استخدام بعضها في خطابه أمام مجلس الأمن في الخامس من فبراير/ شباط 2003. وكانت مجلة «يو إس نيوز آند وورلد ريبورت» ذكرت في تقرير لها في شهر فبراير/شباط 2003 أن معظم المعلومات التي تضمنها خطاب باول كانت من مكتب الخطط الخاصة. ونقلت عنه المجلة قوله «إنني لن أقرأ هذا، إنه هراء».
وقال العضو الديمقراطي البارز في لجنة الاعتمادات بمجلس النواب الأميركي ديفيد أوبي إن هيئة موظفي اللجنة وجدت أن المعلومات الصحافية عن فشل مكتب الخطط الخاصة في مشاركة بعض معلوماته الاستخبارية مع وكالات الاستخبارات الأميركية المعروفة صحيحة وأنه كان يقدم تلك المعلومات مباشرة إلى البيت الأبيض من دون أن يتم التحقق منها من خلال القنوات الاستخبارية المناسبة.
وقال الخبير الاستخباري جون بايك إنه قبل عام لم يكن هناك شخص جاد يعتقد أنه سيكون لنا 150 ألف جندي يقومون بتمشيط العراق ومازالوا غير قادرين على إيجاد الغاز السام.
ووصف بايك مكتب الخطط الخاصة بأنه «غرفة حرب رامسفيلد» وذكر أن المكتب هو وليد أفكار وولفوفيتز ويشرف عليه مباشرة فيث، والثلاثة ينتمون إلى تيار «المحافظين الجدد» في حكومة بوش، إذ كانوا يدعون منذ سنوات وقبل وصولهم إلى السلطة إلى الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين. وكان وولفويتز أبلغ صحيفة «نيويورك تايمز» العام 2002 «أن هناك ظاهرة في عمل المخابرات هي أن الناس يتابعون فرضيات محددة سيرون حقائق معينة لا يراها آخرون ولا يرون حقائق يراها آخرون».
إن التوتر الراهن في الولايات المتحدة بشأن المخابرات هو ببساطة العودة إلى معركة جرت أثناء الحرب الباردة عندما اتهم المحافظون مثل رامسفيلد وولفوفيتز وفيث المخابرات المركزية الأميركية بالتقليل من أهمية الأخطار العسكرية التي كان يشكلها الاتحاد السوفياتي، وفي أعقاب انهياره تبين أن الـ «سي آي إيه» كانت أكثر دقة في تقديراتها مما كان عليه الصقور.
ومنذ هجمات 11 سبتمبر 2001 والحرب ضد ما تسميه واشنطن الإرهاب، فإن المعركة الأيديولوجية انتقلت ببساطة إلى المنطقة العربية وجوارها. وإن رغبة البيت الأبيض في العام 2002 في جمع معلومات استخبارية عن العراق أكدها تشيني الذي قام بثلاث زيارات غير عادية إلى حد بعيد إلى مقر الـ «سي آي إيه» قبل العدوان على العراق، اجتمع خلالها مع المحللين وذكر انه حثهم على التفتيش عن معلومات أفضل عن برنامج التسلح النووي العراقي المزعوم. وقال كانسترارو إن تلك الاجتماعات كانت غير مسبوقة موضحا «أن يذهب نائب الرئيس إلى الـ «سي آي إيه» ويقص أشرطة بمناسبات ويلقي خطبا فذلك أمر لا غبار عليه ولكن أن يجلس مع محللين ويستعرض المعلومات الاستخبارية فإنني لم اسمع بمثل ذلك قط».
ومن المتعارف عليه في واشنطن هو أنه إذا كان للسلطة التنفيذية استفسارات استخبارية فإنها تتصل بهيئة موظفي مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. وقال كانسترارو إنه «بالعودة إلى الوراء فإن من الواضح أن القرار اتخذ خلال شهرين من 11 سبتمبر للتخلص من صدام حسين، ولكن كان يتعين على حكومة بوش أن تجد سببا منطقيا لعمل ذلك. ولذلك أقاموا مجموعة سرية من خلال فيث بدأت تنتج المعلومات بشأن العراق أكثر تناغما مع شن الحرب من معلومات الـ «سي آي إيه». وأن من ميزات مكتب الخطط الخاصة هو استخدام معلومات الجلبي وأنصاره من دون أن يجرى مراجعتها من مهنيين في الاستخبارات من خارج مكتب الخطط الخاصة، وغالبا ما كان يجرى مد الصحافة بهذه المعلومات أيضا مما يساعد على بناء قضية عامة من أجل الحرب.
مروجو الأكاذيب من الداخل والخارج
وإلى جانب تشيني، فإن أعضاء رئيسيين في مجلس سياسة الدفاع التابع لمكتب رامسفيلد، بمن فيهم بيرل والرئيس السابق لمجلس النواب الأميركي نيوت غينغريش، وهو عضو في مجلس سياسات الدفاع، وكلهم صقور إزاء العراق، يقدمون معلوماتهم إلى مكتب الشرق الأوسط وجنوب آسيا ومكتب الخطط الخاصة. وهذه المكاتب موجودة في الطابق الرابع في البنتاغون (الممر السابع، الدائرة «د» ومكاتب مجلس سياسة الدفاع موجودة تحتها مباشرة في الطابق الثالث).
وخلال التحضير للحرب على العراق كان غينغريش غالبا ما يجيء من أجل اجتماعات مغلقة مع لوتي الذي عمل في العام 1996 في مكتب غينغريش في مجلس النواب.
وعندما بدأ مكتب الخطط الخاصة بالعمل أحضر لوتي العقيد برونر وهو مساعد عسكري سابق لغينغريش. وفتح لوتي وبرونر معا الباب لتدفق ضخم للمعلومات الاستخبارية الكاذبة التي كان يقدمها للبنتاغون المعارضون الفارون العراقيون المرتبطون بالمؤتمر الوطني العراقي بزعامة الجلبي، الذي تأسس في العام 1992 بمساعدة مؤسسة علاقات عامة وهمية مرتبطة بالـ «سي آي إيه» تدعى مجموعة ريندون، التي أصبح أحد موظفيها السابقين وهو فرانسيس بروك ناطقا باسم المؤتمر الوطني العراقي في واشنطن منذ ذلك الحين. وكان الجلبي قد درس الرياضيات في جامعة شيكاغو مع وولستيتر الذي قدمه بعد ذلك إلى بيرل بعد نحو عشر سنوات.
وقد أدى عدم براعة الجلبي وعدم صدقيته، وميله الى سوء إدارة الأموال، وهو ما ظهر في السابق في مشروعاته البنكية في الأردن ولبنان ولندن، أدى بالـ «سي آي إيه» إلى أن تغضب عليه، وتتخلى عنه عقب الهجوم الذي شنته القوات العراقية على شمال العراق في صيف العام 1996، لكنه لم يفقد قط تأييد بيرل وفيث وغينغريش وحلفائهم. وبعد 11 سبتمبر 2001 مباشرة دعاه بيرل لتوجيه خطاب في مجلس سياسة الدفاع. وقد أرسل المؤتمر الوطني العراقي سيلا مستمرا من التقارير الاستخبارية المضللة والكاذبة غالبا إلى قنوات المخابرات الأميركية. وكانت تلك المعلومات تتدفق في بعض الأحيان على مكاتب الشرق الأوسط وجنوب آسيا والخطط الخاصة مباشرة. وفي بعض الأحيان من خلال مقابلات وكالة الاستخبارات الإنسانية للدفاع، وفي بعض الأحيان من خلال برنامج المؤتمر الوطني العراقي لجمع المعلومات الاستخبارية والذي تموله الولايات المتحدة بإشراف البنتاغون.
واعتبر كانيسترارو أن هذه المعلومات ليست موثوقة على الإطلاق وقال «إن الكثير من الدعايات والكثير منها تتضمن إبلاغ البنتاغون ما تريد سماعه، مستخدمين المعلومات المزعومة والهاربين الذين يقولون ما يريدهم الجلبي أن يقولوه. إنه تأليف معلومات مطبوخة تذهب مباشرة غلى خطب الرئيس ونائب الرئيس».
وقالت كويتكوفسكي إن برونر، كان هو «مدرب الجلبي... فقد كان ينظم الاجتماعات مع الجلبي وجماعته، وغالبا ما كان الجلبي يحضر أشخاصا إلى مكاتب الشرق الأوسط وجنوب آسيا والخطط الخاصة من أجل تقديم المعلومات» ويدعي الجلبي أنه قدم فقط ثلاثة من المعارضين العراقيين الفارين إلى البنتاغون.
وقال ثيلمان إن الثلاثة الذين قدمهم الجلبي لم يقدموا في الحقيقة سوى صفر من المعلومات المفيدة، وأولهم مهندس عراقي، ادعى في شهر مايو/ أيار 2002 بأن لديه معلومات خاصة عن أسلحة بيولوجية زاعما أن العراق يمتلك مختبرات بحوث متنقلة لإنتاج أسلحة جرثومية، ولكن معلوماته لم تفد بشيء، إلا أنها فعلا أصبحت جزءا من التقييم الاستخباراتي الذي قدمته الـ «سي آي إيه» في شهر أكتوبر 2002 إلى الرئيس بوش على رغم أن وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية حذرت رسميا في تقرير لها في شهر سبتمبر 2002 بعدم صحة تلك المعلومات. والثاني ادعى أنه يعرف مختبرات متنقلة، ولكن معلوماته أيضا كانت عديمة القيمة. والثالث الذي ادعى أن لديه معلومات عن برنامج العراق النووي أثبت انه مزيف.
وأشار مدير الـ «سي آي إيه» جورج تينيت إلى هذه المسألة في خطاب ألقاه بجامعة جورج تاون يوم الخامس من شهر فبراير 2004 قائلا من دون تقديم إيضاحات «لقد اكتشفنا أخيرا أن تحليلات تتعلق بالموضوع من أجهزة المخابرات أهملت ملاحظة وصفت المصدر الذي قدم المعلومات بأنها معلومات غير موثوق بها من جهة وأنها ملفقة من جهة أخرى».
وعلى رغم الشكوك التي أثارتها تقارير وكالات الاستخبارات الأميركية بشأن حقيقة العراقي المعارض الفار الذي قدم المعلومات الخاصة بمختبرات بيولوجية متنقلة مزعومة، إلا أنها لم تعرف هذا الشخص، ولكن باول أبلغ مجلس الأمن يوم الخامس من فبراير 2003 أنه رائد عراقي. وقد نجح في اختبار الكذب. لكن وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية أرسلت «ملاحظة التلفيق إلى وكالات استخبارات أميركية أخرى وحذرت من أن الشخص ربما يكون درب لخداع جهاز كشف الكذب ولذلك فإن معلوماته يجب اعتبارها غير موثوقة، وأنه ربما كان يلفق المعلومات».
وهذا الأمر هو من بين عدد من المشكلات تناولتها دراسة داخلية لوكالة المخابرات المركزية الأميركية بشأن المعلومات الاستخبارية الخاصة بالعراق أجراها ريتشارد كيرت، وهو نائب سابق لمدير الوكالة. وهذه الدراسة هي واحدة من بين ست تحقيقات على الأقل قد استكملت أو أنها لاتزال جارية عن فشل المفتشين الأميركيين في الكشف عن الأسلحة العراقية الكيماوية والبيولوجية المزعومة التي بنى الرئيس بوش تبريره الرئيسي لغزو واحتلال العراق عليها. وقام تينيت بإبلاغ باول بالخطأ بعد أن تم ملاحظته في دراسة كيرت.
وعلى رغم أن وكالة الاستخبارات العسكرية أبلغت رامسفيلد في سبتمبر 2002 بأنه «لا توجد حتى الآن معلومات يعتمد عليها تؤكد أن العراق يملك أسلحة كيماوية» فإن رامسفيلد أبلغ في الشهر نفسه لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي عكس ذلك وقال «نحن نعرف على وجه اليقين أن النظام العراقي يملك حاليا أسلحة كيماوية وبيولوجية للدمار الشامل، ونعلم علم اليقين أنهم يسعون حاليا لإنتاج أسلحة نووية».
وادعى الجلبي أيضا أنه أعطى البنتاغون معلومات عن دعم العراق للقاعدة. فقد أبلغ برنامج فرونت لاين الذي بثته شبكة التلفزيون الأميركية العامة (بي بي إس) «لقد أعطينا أسماء الأشخاص الذين يقومون بدور حلقات الارتباط». وهذه الارتباطات بالطبع لم تكتشف. وأبلغ ثيلمان البرنامج نفسه بأن مكتب الخطط الخاصة لم يطبق مستويات صارمة للتحقق من المعلومات الاستخبارية وقال «بعض المعلومات القادمة من الجلبي والمؤتمر الوطني العراقي والتي تعامل معها مكتب الخطط الخاصة والبنتاغون»
وقال الضابط الأميركي في مكافحة التجسس، العقيد ديل ديفيس، الذي يعمل حاليا في معهد فرجينيا العسكري إنه سمع من زملائه السابقين أن كبار المسئولين كانوا «يستنطقون المعلومات الاستخبارية بصورة انتقائية ليحرجوا بأخطر الاستنتاجات، مثل سيناريو الـ 45 دقيقة للهجوم العراقي الكيماوي، ويورانيوم النيجر والعلاقة بالقاعدة، ولكن الـ «سي آي إيه» لم تدعم هذه الاستنتاجات مطلقا». فيما قال مسئول استخباراتي عسكري أميركي إن «الجميع كانوا يعرفون منذ البداية أن سلاح الجريمة لا يمكن العثور عليه، وأن المسألة كلها تعتمد على التكهنات، والاستقراءات والمعلومات القديمة، وليس المعلومات الحديثة الراهنة، ولم تكن لدينا العناصر الاستخبارية البشرية التي تؤكد صحة أو عدم صحة الأشياء».
أول غيث الفضيحة
وعلى رغم التحقيقات التي يجريها الكونغرس، والـ «سي آي إيه» والتي ستجريها اللجنة المستقلة التي أعلن الرئيس بوش عن تشكيلها يوم السادس من فبراير 2004 فإنه لا يوجد سوى دليل ضئيل على أن هذه التحقيقات ستمحص عمليات مكتب لوتي - شولسكي للخطط الخاصة ووحدته الاستخبارية السرية. إذ كان الأعضاء الجمهوريون في الكونغرس والبيت الأبيض يبدون مقاومة قوية لهذه الفكرة، ويبذلون كل الجهود لقصر التحقيقات في المعلومات الاستخبارية المضللة فقط على أداء وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) والوكالات الاستخبارية الأميركية الأخرى، غير أن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي صوتت يوم الثاني عشر من شهر فبراير 2004 بالإجماع بتوسيع نطاق التحقيقات، بعد أن قرر بعض الأعضاء الجمهوريين عدم التمسك بالموقف الجمهوري ومن أبرزهم العضو البارز في اللجنة تشاك هاغل.
واعتبر العضو الديمقراطي البارز في مجلس الشيوخ عن ولاية ويست فرجينيا جي روكيفيلر قرار اللجنة الذي أعلنه مع رئيسها الجمهوري بات روبرتس انتصارا للديمقراطيين الذين جادلوا لأشهر بأن الكثير من المزاعم التي أوردها بوش وتشيني ومسئولون أميركيون كبار آخرين لم تكن مدعومة من المخابرات.
وكان روكيفيلر قد ضغط من أجل لجنة استخبارات تشمل تحقيقاتها الدور الخاص لمكتب الخطط الخاصة، كما أن العضو الديمقراطي في مجلس النواب الأميركي هنري واكسمان قدم تشريعا يدعو إلى تشكل لجنة للتحقيق في فوضى المعلومات الاستخبارية وجمع أكثر من مئة توقيع لتأييد ذلك ولكن لم يحصل على تأييد عضو جمهوري واحد. وقال واكسمان «أعتقد أنه يجب النظر بعناية في مكتب الخطط الخاصة، وأريد أن أعرف ما إذا كان السياسيون قد دفعوا موظفي المخابرات لتحريف استنتاجاتهم».
ولأن وحدة مكتب الخطط الخاصة تعمل في مكتب وكيل وزارة الدفاع للشئون السياسية، فهي ليست من الناحية الرسمية جزءا من الأسرة الاستخبارية، وكذلك فإنه يبدو أنها محصنة من مراقبة الكونغرس.
ونظرا لأن كبار المسئولين الأميركيين مثل تشيني ورامسفيلد لا يرغبان في المعلومات والتحليلات الاستخبارية التي كانا يحصلان عليها من الـ «سي آي إيه» ووكالة الاستخبارات العسكرية فقد أوجدا «مملكة فيث السعيدة» التي صاغت التقارير وفق رغباتهما استنادا إلى تمنيات الجلبي والمخابرات الإسرائيلية إلى حد بعيد والتي كانت تستهدف دفع الولايات المتحدة لمهاجمة العراق والإطاحة بنظام حكم الرئيس صدام حسين.
وما من أحد من هؤلاء الأشخاص سيكون عرضة للتحقيق عندما تبدأ لجنة التحقيق المستقلة التساعية عملها في البحث عن الحقيقة والإشارة باصبع الاتهام للشخص أو الأشخاص بناء على التصويت برفع الأيدي، إنه ليس نائب الرئيس تشيني ولا فيث ولا رامسفيلد ولا الجلبي بكل تأكيد. وقد دافع رامسفيلد يوم الثاني عشر من شهر مارس/ آذار الماضي عن عمل «مكتب الخطط الخاصة» متهما منتقديه بأنهم يحملون «وجهة نظر تآمرية حول العالم»
فمع مرور كل يوم يصبح من الواضح أكثر فأكثر مدى خطأ المخابرات الأميركية فيما يتعلق بالأسلحة العراقية ودعم الإرهاب. وإن فرق التفتيش الأميركية في «مجموعة مسح العراق» التي يترأسها حاليا دولفر التي وظفت 1400 شخص لتفتيش العراق وتحليل ما يتم العثور عليه، لم تكن قادرة على إيجاد أي دليل لأي شيء سوى خطط قديمة تراكم عليها الغبار وسجلات لأسلحة دمرت قبل عقد من الزمن. وهناك أمثلة لا حصر لها عن عمليات تفتيش عقيمة تحدثت عنها وسائل الإعلام.
وكمثال واحد فقط، فقد تابع جنود أميركيون تقريرا استخباريا يدعي أن مجمعا قد بني لعدي صدام حسين أخفى مخزنا للأسلحة بصهاريج للغاز السام. وقال الرائد في الجيش الأميركي، رونالد هارن لصحيفة «لوس أنجيليس تايمز»: «حسنا فإن المخزن كان مظلة للسيارات، ولاتزال فيها سيارتان وأن الصهاريج فيها غاز بروبين للمطبخ».
وقال جوزيف ويلسون، السفير الأميركي الأسبق لدى الغابون، الذي أرسلته الـ «سي آي إيه» إلى النيجر ليكشف أن الوثائق الخاصة بمزاعم شراء العراق ليورانيوم النيجر هي مزيفة، قال «إما أن يكون النظام قد انهار أو أنه كان هناك استخدام انتقائي لبعض المعلومات الصغيرة لتبرير قرار الذهاب إلى الحرب والذي كان قد اتخذ فعلا».
أما الكاتب والباحث المحافظ في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إدوارد لتواك فقد اتهم حكومة بوش بشكل واضح بالكذب بشأن المعلومات الاستخبارية التي كانت متوافرة لديها لأنها كانت، حسب قوله، خائفة من مواجهة الشعب الأميركي وإبلاغه أن الحرب التي شنتها على العراق ببساطة هي للتخلص من صدام حسين. وقال إنه «بدلا من ذلك فإن البيت الأبيض كان يفتش عن سبب معقول لتلبية معايير الأمم المتحدة للحرب»
العدد 575 - الجمعة 02 أبريل 2004م الموافق 11 صفر 1425هـ