العدد 575 - الجمعة 02 أبريل 2004م الموافق 11 صفر 1425هـ

درس العراق غدا متأخر!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

تمر علينا في هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لـ «سقوط» بغداد تحت «بساطيل» العسكر من الفرنجة القادمين من أوروبا وأميركا بغطاء «تدمير» أسلحة الدمار الشامل! وفي إطار الحرب العالمية ضد الإرهاب!

وأخيرا وليس آخرا من أجل اسقاط النظام الدكتاتوري الذي كان حاكما ومتحكما فيها والذي كان استمرار بقائه يشكل خطرا داهما على الأمن العالمي وضرورة انتشار وتعميم الديمقراطية على الشعوب والأوطان.

اليوم وبعد مرور تلك السنة القاسية على العراقيين تظهر المفارقة العجيبة لديهم بين الخطاب الذي كانوا يتلقونه من قبل القادمين من بعيد وبين الحال المزرية التي يعيشونها في الواقع المرير.

والمشكلة لم تعد محصورة فقط في كذبة أسلحة الدمار الشامل التي روّج لها كل المستفيدين من مشروع الحرب والغزو. بل ان المفارقة العجيبة التي يعيشها العراقيون اليوم هي أن جميع المواطنين العراقيين العاديين أي الذين كان يقع عليهم الظلم والعسف اليومي من النظام السابق معرضون للفتك والتدمير وانعدام المستقبل الآمن في أية لحظة بينما «يقبع» جميع رموز النظام السابق في أمن وأمان قوات الاحتلال وأيضا معهم كل من تعاون في شن الحرب والغزو على وطنه! وكأن الاحتلال جاء أساسا لتأمين وضمان مستقبل هاتين الفئتين من الناس!

أمّا الناس العاديون والبنى التحتية للوطن التي يفترض أنها ملك الشعب بالأساس فهم وممتلكاتهم الوطنية إمّا نهبوا أو معرّضون للنهب، فيما تبقى من مراحل اكمال مخطط «التحرير».

لست هنا في معرض التحريض على أحد أو ضد أحد من خلال اظهار هذه المفارقة إلى العلن، لكن ألا ترون معي أن الوطني العراقي الذي أريد له ولنفترض هنا معا حسن النوايا ولو جدلا - التحرر من ربقة طاغية كان ينهب ثرواته ويقمع شعبه وشعوب جيرانه، ويزج بهم اما في غياهب السجون أو في قبور جماعية وهي وقائع حقيقية وليس من نسج الخيال بالمناسبة كما يتخيل للبعض، إنما يعيش اليوم حالة مزرية ليست أقل بشاعة من حالة أيام الطاغية سواء بالقمع أو بغياهب السجون أو بالقتل الجماعي أو بانعدام الأمن والاستقرار أو بفقدان العدالة أو بالخطر الداهم على مجمل مقدرات الوطن والأوطان المحيطة به والشعوب المجاورة.

أزعم والوقائع اليومية تؤكد ما أذهب إليه في زعمي بأن ذلك حاصل والقادم قد يكون أخطر.

كثيرة هي التحليلات والأبحاث والدراسات التي نشرت أو ستنشر أخرى مثلها في المستقبل التي تتحدث عن حلاوة وروعة وأهمية خلاص شعب العراق وأهله من حكم طاغية بغداد وانه لولا ما حصل من حرب وغزو وقوة عسكرية هائلة ليس فقط ما كان بالإمكان تحرير العراق من طاغيته ولا كان بالامكان «تحريك» ملفات الاصلاح في الوطن العربي المحيط بالعراق.

لكنني أزعم وأتمني أن تأتي الوقائع لتثبت ما أذهب إليه الآن، كما جاءت الوقائع لتثبت ما كنت قد ذهبت إليه قبل الحرب على العراق؛ أزعم بأن الذين خططوا لهذه الحرب الظالمة لشعب العراق وللوطن العراقي لم ولن يكون في أجندتهم هدف اسمه «تغيير» أوطاننا نحو الأحسن بل إن كل ما يهمهم وسيظل يهمهم إلى وقت طويل هو «تهذيب وتشذيب وترميم» الأوضاع في بلادنا بما يسهل عليهم استمرار الهيمنة على مقدراتنا ولا غير. وإنما اختاروا العراق لأنه كان الميدان المثالي لامتحان واختبار انطلاقة المشروع بطريقة الصدمة الكهربائية حتى يُحدث الأثر المطلوب على البدائل المعدّة للعراق ولغير العراق من المتعاونين مع مشروع ا لهيمنة الآحادي القطب والسلام!

وكما يقول المثل العراقي الشهير «يتعلمون الحجامة برؤوس اليتامى»! ولما كان العراق هو اليتيم المفضل للمشروع الأميركي بفضل صدام حسين الذي حوّله كذلك وباعتباره كان يمثل «البطن الرخوة» في جسم العرب والمسلمين بعد أن أنهكه الطاغية المرحل فكان ميدان اختبارات مشروع «اصلاح» الشرق الأوسط الكبير.

مسكين هذا المواطن العربي والمسلم في هذا الوطن الكبير، فهو يعيش ومنذ نحو قرن أو يزيد بين المطرقة والسندان، لا يكاد يخرج من محنة إلا ويدخل في ألعن منها. فهو يذبح إذا أراد محاربة الاستعمار والهيمنة الأجنبية أو مقاومة النفوذ الأجنبي باعتباره يهدد الأمن القُطْري وأولويات التنمية المحلية!

وهو يذبح إذا ما قرر تغيير الأوضاع في بلاده لأن تحقيق الأمن القومي بحاجة إلى التضامن الداخلي بين الحاكم والمحكوم! وهو يذبح إذا قرر الأجنبي اصلاح الحكام والأنظمة لأنه المادة الوحيدة التي تستعمل في المحرقة من دون حدود رادعة. وهو يذبح أيضا وأيضا إذا ما قرر الحكّام مقاومة استفراد الأجنبي بهم باعتباره دافع الضريبة الأكبر والأغلى وهي الدم دفاعا عن الأوطان.

قلت لصانع قرار من الوزن الثقيل يوما في هذا الوطن الإسلامي الكبير: إذا دار الأمر يوما بين أن ترضخوا لإرادة الشعب بالاصلاح أم لإرادة الأجنبي، فماذا تفضلون وبسرعة أجاب، لإرادة الشعب طبعا.

فقلت له استعجلوا إذا قبل فوات الأوان، لأنه أخاف عليكم يوما ينفد فيه صبر الشعب ولا خير يأتي من الأجنبي كما تحبون ولا كما يحب الشعب أو يرضى. وغدا سيكون متأخرا جدا. إن الوقت المفضل هو اليوم.

والعراق أفضل درس وعبرة لمن يريد أن يعتبر، ليس على الطريقة الأميركية في الاعتبار طبعا. بمعنى أن الوقت ليس وقت تقديم الطاعة للأميركيين أيا كانت نواياهم بحجة عدم تقديم الذرائع لهم أو تكرار سيناريو العراق! وهم أعجز من تكراره بالمناسبة، ولكن من خلال تقديم الطاعة للشعوب والخروج على المألوف من ان تكون الشعوب هي التي تقدم الطاعة دوما

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 575 - الجمعة 02 أبريل 2004م الموافق 11 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً