تكمن أهمية رسائلنا المشجعة لأبنائنا في مقدرتهم على تطوير شخصياتهم وتعاونهم معنا أو مع غيرنا... وقدرتهم على حل مشكلاتهم واتخاذ قراراتهم باستقلالية على أن تكون أفعالهم مقبولة منا ومن المجتمع... كما تشعرهم بأنهم جزء من العائلة... وهذه الطرق في معاملة الأبناء هي التي توضح الفرق بين تعاون الأبناء مع آبائهم... لكن نجاح هذه الطريقة يعتمد إلى حد كبير على الهدف الذي يريد الآباء أن يصلوا إليه من هذا التشجيع ليتم التطوير في شخصية الأبناء.
وهنا نجد ضرورة تعلم الأبناء مهارة حل مشكلاتهم بأنفسهم... وهم لن يتعلموا ذلك بأن نحل لهم هذه المشكلات... وإنما عن طريق تطبيقهم الطرق التي نعلمهم إياها... وتكرارها بالتمرين حتى يجيدوها.
لنفترض أن أبا يريد أن يعلم ابنه ركوب الدراجة... سيعلمه في البداية كيفية الركوب... وسيشرح له الخطوات نظريا ثم سيعلمه كيف يطبقها عمليا... لكنه لن يكتسب مهارة ركوب الدراجة إلا بعد أن يتمرن عليها حتى يتقنها... وبهذا الأسلوب يتعلم الطفل في أي مجال أية مهارة جديدة.
وحل المشكلات مهارة يجب أن يتعلمها الطفل أيضا لكي يطبقها ولا يجيدها إلا بالتمرين... وواجبنا كآباء أن نوفر لأبنائنا المعلومات اللازمة وعلى الأبناء أن يطبقوها في البداية تحت إشرافنا ثم عليهم بالتمرن عليها وحدهم لكي يتقنوها كمهارة.
إذا توجد أربع طرق تكمل كل واحدة منها الأخرى... تمكننا كآباء من تعليم أبنائنا فن مهارة حل مشكلاتهم بأنفسهم لكي يثقوا بأنفسهم وقدراتهم ويكونوا أصحاب شخصية مستقلة ومتوازنة نفسيا هي:
1- معلوماتنا أحيانا لا تكون كافية، فماذا علينا أن نفعل؟
2- أن نضع مثلا أعلى للطفل لتصحيح سلوكه السلبي.
3- أن نشجع أبناءنا على تكرار المحاولة.
4- اكتشاف الآباء الخيارات مع الأبناء... ليختار الأبناء أفضلها في نظرهم.
ولنبدأ بالطريقة الأولى لكي نوضح أسلوب استخدامها عن طريق أمثلة من الحياة.
نورة طفلة في السادسة من عمرها... كانت مشكلتها أنها تأخذ وجبة الغداء معها من البيت إلى المدرسة... لكنها تعود وقد أخذت زميلاتها أفضل ما لديها من طعام... دخلت الأم على الخبير التربوي وهي في حيرة لكي يجد لها حلا لمشكلة ابنتها لأنها بدأت تشعر باليأس منها.
قالت الأم للخبير: «لقد علمتها عدة مرات أن عليها أن ترفض عندما يطلب منها تلاميذ الصف الذين يكبرونها سنا طعامها الذي تحبه... لكن لا فائدة... فهي تعود في كل مرة محرومة من أفضل ما أضعه في حقيبتها».
سأل الخبير نورة: «ماذا علمتك والدتك إذا طلب زملاؤك أن يأكلوا من طعامك؟»، ردت الطفلة: «علي أن أقول لهم: لا... أمي أعدته لي وحدي».
وهل فعلت ذلك؟
لا لم أفعل... صعب علي أن أقول ذلك لتلاميذ أكبر مني.
هنا حاول الخبير أن يشرح للأم أن معرفة ابنتها ماذا عليها أن تفعل... وأن تفعله حقا بطريقة صحيحة... مهارتان مختلفتان... لأن البنت لم تحصل على التمرين الكافي من الأم لاستخدام هذه المهارة جيدا... لذلك فهي غير قادرة على القيام بها حسبما تريد أمها وتريد هي أيضا.
لذلك اقترح الخبير على نورة أن يقوم بتمرينها على رفض ما يريده زملاؤها دون أن تخاف وبدأ يمثل أمامها بأنه نورة في يدها كيس من البطاطس المقلية... وتمثل الأم دور طالب أكبر منها.
سألت الأم الخبير الذي مثل دور ابنتها: «ماذا تأكلين؟... أريد بعضا منه».
حرك الخبير الكيس جانبا ورد على الأم: لا... هذا الكيس لي ولا أسمح لأحد أن يأخذه مني وأخذ الخبير يعيد الموقف مع الأم عدة مرات... ثم طلب من الابنة أن تقوم بدورها ويقوم هو بدور طالب أكبر منها يحاول أن يأخذ شيئا من البطاطس منها.
ردت نورة بحزم عليه وبوضوح: «هذا لي».
وأعاد الخبير الموقف عدة مرات... في كل مرة يعلم نورة كيف تقول «لا» بطرق مختلفة لمن يطلب شيئا من أكلها... لكي تختار الطريقة التي ترتاح لها... وفي النهاية اختارت أن ترد بجملة «لا... أنا آسفة» ورأت ألا تنظر إلى وجه الشخص لأن ذلك يمنحها ثقة أكبر في نفسها وهي ترد.
سأل الخبير نورة: «هل أنت مستعدة غدا لتجربي ما تمرنتِ على القيام به؟».
أجابت: «أعتقد ذلك»
طلب الخبير من الأم أن تعيد التمرين مع ابنتها عدة مرات... قبل أن تذهب إلى المدرسة في اليوم التالي... وأن تشجعها ببعض العبارات التي تدعم ثقتها في نفسها... وطلب منها أن تخبره بالنتيجة في زيارتها الثانية.
وعندما عادت الأم بعد أسبوع مع ابنتها إلى عيادة الخبير التربوي... كان يبدو عليها الارتياح.
سألها الخبير: «كيف سارت الأمور؟».
ردت الأم: «سارت على ما يرام... لقد ساعدها التمرين كثيرا... ولم تسمح لأحد بأخذ طعامها منها».
وبدا الإحساس بنشوة النجاح واضحا على وجه نورة... في الأسبوع المقبل سنذكر الطريقة وراء الأخرى لنكمل كيف يكتسب الأبناء مهارة حل مشكلاتهم بأنفسهم
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 575 - الجمعة 02 أبريل 2004م الموافق 11 صفر 1425هـ