العدد 573 - الأربعاء 31 مارس 2004م الموافق 09 صفر 1425هـ

بين الجامعة و«الاتحاد»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

عروبة جامعة الدول تحتاج إلى إصلاح حتى تستقيم العلاقات على سوية عادلة ومتعادلة. والتعادل دائما يحتاج إلى تراتب تنظيمي يأخذ المعايير النسبية في الاعتبار. فمشكلة الجامعة ليست في الظروف المناخية - الاقليمية والتنوع في طبيعة البلدان وعدم تجانسها في البيئة الجغرافية، فهذه يمكن التغلب عليها سياسيا من خلال علاقات تنظيمية حديثة تحول نقاط الضعف إلى قوة متجانسة كما هو حاصل في الولايات الاميركية. كذلك يمكن تجاوز اختلاف التكوين الاجتماعي (السكاني) وتفاوت تركيبه بين دولة واخرى. فالاختلاف ليس مشكلة اذا وجدت آليات وادوات عملية تقلل من التفاوت وتزيد من احتمالات التعاون والتآلف. حتى تفاوت درجات النمو بين مجتمعات عربية (رعوية) ودول عربية استوردت مجتمعات بالكامل (ايدٍ عاملة) من الخارج للعمل في قطاعات خدمية يمكن السيطرة عليها في حال أحسن الاستفادة من الطاقات العربية وأعيد توظيفها في مجالات العمل والاسواق الممتدة من المحيط إلى الخليج.

عروبة الجامعة بحاجة إلى الاستفادة من امثلة عينية وتجارب ماثلة على مقربة من العالم العربي. دول الاتحاد الاوروبي تعاني بدورها من مشكلات كثيرة (اختلافات في الجغرافيا والمناخ والثروات والديانات والمذاهب واللغات والانظمة التربوية وغيرها من مجالات) ولكنها عملت وتعمل على تجاوزها بتدرج ووفق اسلوب خطوة بعد خطوة.

الدول الاوروبية حتى تتجاوز مشكلاتها لجأت إلى النظام الاتحادي (العمودي) وابتعدت عن النظام الافقي (جامعة). واستخدمت الدول الأوروبية فكرة الاختلاف لا التجانس للتغلب على الفوارق، واعتمدت نظم النسبية في التطور آخذة معايير الجغرافيا والسكان والاقتصاد والنمو اساسا لحسبة الحصص والاصوات. فنظام التصويت الاوروبي لا يساوي بين الدول بل يرتبها وفق سلم يتدرج من الكبيرة إلى الصغيرة.

وضع الاتحاد الأوروبي معايير اقتصادية (وليست قومية) للدخول إلى السوق المشتركة، واعتمد نظام مساعدات (صندوق اوروبي لدعم الدول المحتاجة) لتطوير اقتصادات الدول الراغبة بدخول الاتحاد.

وحدد الاتحاد الأوروبي مواصفات (شروط عضوية) لكل دولة، وأعطى فرصة زمنية (فترة تأهيل) للدول التي تطمح إلى الدخول مشترطا تحديث أنظمة مواصلاتها واتصالاتها وغيرها من عناصر لها صلة بالجمارك والضريبة والغلاء والاسعار والتضخم والضمانات الصحية والاجتماعية وتعويضات نهاية الخدمة والشيخوخة.

اشترط الاتحاد الأوروبي نسبا مئوية للبحث في اهلية كل دولة بالانتساب إلى السوق وأرفق شروطه بصناديق للدعم والمساعدات انفقت الدول القوية والغنية من خلالها عشرات المليارات لمساعدة كل دولة ترغب في الانضمام. وحين نجحت تلك الدول (اسبانيا، البرتغال، إرلندا، واليونان) في بلوغ مستويات الحد الادنى وافق الاتحاد على قبول عضويتها في السوق.

أين دول الجامعة العربية من دول الاتحاد الأوروبي؟ اين هي هذه الشروط والمواصفات والمعايير وصناديق الدعم والمساعدات؟

كل هذه المعايير والمواصفات والشروط غير موجودة. فالميثاق الذي صيغ في العام 1945 يشترط على العضو الجديد في مادته الأولى هذه الفكرة العاطفية والساذجة في مقاييس العصر. فالمادة تنص على ان «لكل دولة مستقلة الحق في أن تنضم إلى الجامعة، فاذا رغبت في الانضمام، قدمت طلبا بذلك يودع لدى الامانة العامة الدائمة، ويعرض على المجلس في اول اجتماع يعقد بعد تقديم الطلب».

هذا الفارق بين شروط الانضمام الى الاتحاد الأوروبي و«لا شروط» الانضمام إلى الجامعة العربية أسهم في تطور فكرة الاتحاد وتثبيت علاقاته عموديا بينما أدى في المقابل الى تضخم دول الجامعة افقيا وتفكيك علاقاتها. وما شهدته الجامعة العربية في تونس ليس سوى مظهر من مظاهر التفكك وانهيار الثقة المتبادلة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 573 - الأربعاء 31 مارس 2004م الموافق 09 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً