خلصت الصحافية السويدية والمراسلة المتخصصة في تغطية الحروب، ليندا بولمان، في كتابها الأخير إلى أن منظمات المعونة يمكن أن تتسبب في إدامة المآسي الإنسانية في المناطق المصابة بالكوارث.
وتتحرى الصحافية في كتابها المعنون «بأصدقاء كهؤلاء -القصة غير المروية لعمليات المعونة في مناطق الحرب»، تتحرى في تداعيات مساعدات الطوارئ على مسارات الحروب بل والأزمات في حد ذاتها.
وتنتقد عمليات «صناعة المعونة» المتعددة المليارات من الدولارات، التي تصفها بأنها قطاع أعمال ينشط في سوق للعرض والطلب، متخفيا تحت رداء الأعمال الإنسانية والخيرية.
وتذكّر بأن منظمات كبيرة وغنية عادة ما تسارع بالذهاب إلى مناطق الكوارث والأزمات. وتتساءل «هل يجب السماح أن تواصل منظمات غير حكومية دولية تسليم مساعدات في حالة استغلال الأطراف المتحاربة لها لمصالحها الخاصة، ما يساهم في استمرار الحروب؟».
وتؤكد الكاتبة أن «المعونات كانت دائما موضع انتهاكات، وتختفي الأموال في الجيوب الخاطئة». كما تتحدث بولمان عما أسمته «حمى العقود» وكيف أن منظمات الإعانة تركز على كسب العقود وتمديدها وضمان استمرار تدفق الأموال.
فيتردد أن الأجور والتعويضات التي يتلقاها العاملون في قطاع المعونة مقابل العمل في مناطق خطرة تساهم في تعزيز نخبة عالمية. «ففي المناطق المنكوبة، غالبا ما يجري إعادة بناء المطاعم وملاعب السكواش والغولف والتنس قبل إعادة بناء المدارس والعيادات الطبية التي وقعت ضحية القصف».
وأضافت الصحافية بولمان «أينما ذهب العاملون في قطاع الإعانة، تزدهر تجارة الدعارة».
وأفادت دراسة لمركز دراسات المجتمع المدني بجامعة جون هوبكينز الأميركية لعام 2005، أن القطاع «غير الربحي» يشكل قوة اقتصادية ضخمة بل ويعتبر خامس اقتصاد في العالم، حسب مؤشرات الناتج القومي الإجمالي، بعد الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، وبريطانيا.
فتضيف بولمان أن وجود «نحو 37,000 منظمة معونة في العالم تنفق نحو 130 مليار دولار، يجعل منها صناعة». وتؤكد أنها ترحب بإمكانية محاكمة منظمات إنسانية في المحكمة الجنائية الدولية «بسبب الدور الذي تلعبه هذه المنظمات في الحروب».
وتتعرض بولمان إلى كيفية استغلال الحكومات والجماعات المتمردة للمعونات، فتقول إن «النظام العسكري يجني مكاسب كبيرة من المعونات المقدمة لدارفور. فتصب منظمات الإعانة ملايين الدولارات سنويا في خزانة الحكومة السودانية كضرائب مقابل كل لقمة تسلمها».
كما تؤكد بولمان أن ما يزيد على 70 في المئة من أموال الحكومة السودانية تنفق على الجيش الذي يحرق القرى في دارفور ويجبر الأهالي على الفرار.
وتذّكر أيضا بالوضع في معسكر لاجئين في جوما شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 1995، حيث عاش الهوتو المتطرفون على حساب المعونات الإنسانية، ما سمح لهم بمواصلة الحرب في رواندا.
وتقول الكاتبة «فيما كان الغرب يفكر أنه كان يساعد ضحايا عمليات الإبادة، تبين أن منظمات الإعانة كانت تساهم في مساعدة مرتكبي هذه العمليات».
ووفقا للصحافية بولمان، عادة ما تجهل الكثير من المنظمات الإنسانية الوضع المعقد الذي تعمل فيه، بل ولا تدري بسوء استعمال المساعدات التي تقدمها.
وأعرب هانز فون دي وييرد، المدير بمنظمة «أطباء بلا حدود»، عن اختلافه مع ما ورد في كتاب الصحافية بولمان. فصرح لوكالة «انتر بريس سيرفس» أن «الكتاب يكتل كل المساعدات الإنسانية في مجموعة كبيرة واحدة».
وأكد «أننا لا نعتبر نفسنا على الإطلاق ضمن سلسلة الحالات التي يذكرها الكتاب. نحن وفرقنا نرصد عن كثب الأوضاع الميدانية للتأكد من أن المساعدة تصل إلى أكثر الأهالي تضررا».
وشرح أن منظمة أطباء بلا حدود على دراية ووعي بإمكان التلاعب بالمساعدات الإنسانية، وأجرت دراسات لاستبيان حالات تحييد المعونات في تشاد ودارفور ضمن غيرها. «ففي حالة ملاحظة أن المساعدة لم تعد تصل إلى أكثر المحتاجين إلىها أو إدراك أننا لا نستطيع العمل في ظروف محايدة أو غير منحازة، فإننا نعيد النظر في أنشطتنا بل وحتى نتوقف عن تقديم المساعدة».
ولقد أصدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في منتصف هذا الشهر تقريرا يقول إنه من المحتمل جدا أن يكون نصف المعونات المقدمة للصومال بإجمالي 250 مليون دولار، قد اختفى في جيوب «أسياد الحرب» ما يعني دفعة مالية قوية لاقتصاد الحرب.
العدد 2753 - السبت 20 مارس 2010م الموافق 04 ربيع الثاني 1431هـ