العدد 2751 - الخميس 18 مارس 2010م الموافق 02 ربيع الثاني 1431هـ

حسن حنفي والعصفور... صراع الحوزة والجامعة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من أكثر الفعاليات التي شهدت صخبا في مؤتمر»الشيخ العصفور... الرسالة والموقف»، الندوة الثقافية التي شهدتها الليلة الثانية، باستضافة المفكر المصري حسن حنفي.

كنت أشاهده لأول مرة في تلك الليلة، ولم يسبق أن عرفته أو قرأت له شيئا، فذهبت مستمعا ومتعلّما لأن مثل هذا الحدث الثقافي يفتح لك نوافذ جديدة من المعرفة. بدأ محاضرته بالاعتراف بأنه سيقدّم قراءة مختلفة لكتاب الشيخ «سداد العبّاد». تكلم عن المعتزلة والشيعة والأشاعرة، وماذا خسر المسلمون نتيجة تنحية الفكر المعتزلي وسيطرة الفكر الأشعري على أغلبية المسلمين حتى اليوم.

دعا حنفي إلى ضرورة أن يتجاوز علم الكلام إطاره القديم، وينزل من عليائه إلى الأرض، ليحاكي هموم الناس ومشكلاتهم، فلم يعد من المجدي أن يستمر في الاستدلال على قضايا الذات والصفات، فيما يتم التلاعب بمصائر الناس والتفريط بحقوقهم.

تكلّم عن زيارته إلى جنوب إفريقيا، حيث استدعاه الزعيم الأسود نيلسون مانديلا، لإقناع الأقلية المسلمة بالتخلي عن مشروعها بإعلان إقامة ولاية إسلامية في مقاطعتي ديربان والأخرى لعلها الكيب تاون. وبعد جهودٍ مضنيةٍ بذلها مع آخرين اقتنعوا بعبثية الانفصال، والبقاء ضمن الدولة.

تكلّم عن زيارته إلى إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية، ولقائه بالإمام الخميني وترجمته لكتابه «مبارزة نفس» إلى العربية. وهناك مع موجة التغيير الكاسح، سمع آراء لبعض القيادات الدينية عن انتهاء الانتظار بعودة الإمام من باريس. وانتقد إحياء الشيعة لعاشوراء بصورتها الراهنة، واستمرار البكاء على ما جرى في كربلاء.

كان يتنقل بمشرطه بين نقد الخاص والعام، فكما يجب أن يخرج علم الكلام الإسلامي من قفصه القديم، على الفقه أن يتجاوز القضايا الصغيرة لصالح قضايا الإنسان الكبرى، فمشكلة المياه لم تعد كما السابق في شحته ومصادره البدائية، وإنّما مشكلة المياه اليوم في غزة والضفة حيث يُحاصر ويُجوّع الفلسطينيون. ومشكلة الاقتصاد لا تكمن في تدخلات السماء، وإنّما في من يتحكم في أرزاق العباد على الأرض، من قوى شريرة وشركات.

كان يتحدّث بلغة الفلاسفة الأرضيين، فهو يرى بعينيه اللاهوت الناهض في أميركا اللاتينية في مواجهة ظلم الحكومات العسكرية وأنظمة الجنرالات، ويخجل عندما يرى رجال الدين المسلمين مستسلمين خانعين.

المحاضرة احتوت على شحنةٍ فكريةٍ متفجرة، كان يمكن أن تمر بهدوء لولا تطرقه لبعض الخصوصيات الشيعية، في محفلٍ أغلبه من رجال الدين المحافظين. فمثل هذا الاختلافات شهدتها إيران منذ عقود وماتزال، فيما عُرف بصراع الحوزة والجامعة. وهو صراعٌ طبيعيٌ لاختلاف المنطلقات والقناعات ومناهج التفكير.

حنفي المثير للجدل، اتهمه بعضهم في بلاده بأنه «انموذج للزندقة المعاصرة»، واتهمه آخرون بأنه «سكرتير إبليس»! والاخوان كانوا يعتبرونه شيوعيا، والشيوعيون يعتبرونه إخوانيا، بينما يتهمه النظام المصري بأنه «شيوعي اخواني»! فماذا كان ينتظر من محفل شيعي من نقد؟

ردة الفعل تراوحت بين وصفه بالحداثوي، وبين إلقاء ضيف عراقي مجلسا حسينيا، بدءا بالنواويس وكربلاء، وانتهاء بفلسفة العَبْرَة والعِبْرة. لا أحسبه استوعب النعي ولا استوعب مقاصده أكثر الحضور، خصوصا أن أغلب المعقّبين وصلوا القاعة بعد انتصاف المحاضرة!

لقد ألقى حصاة في البركة الهادئة، ووفى بوعده بتقديم قراءة مختلفة للشيخ العصفور، فلم يكن منتظرا من هذا المفكّر المصري، والأستاذ الجامعي الذي يعلم الفلسفة، أن يقدّم نسخة أخرى من «سداد العباد».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2751 - الخميس 18 مارس 2010م الموافق 02 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 3:52 م

      محمد حسين بزي هو من أتى بــ حنفي للبحرين

      ما فات الجميع وكاتب المقال أيضاً أن محمد حسين بزي صاحب دار الأمير في بيروت والمشرف على تعريب آثار الدكتور علي شريعتي هو الذي أتى بـ الدكتور حسن حنفي إلى مؤتمر الشيخ حسين آل عصفور، وكان ( بزي ) إلى جانب الدكتور حنفي على المنصة في المؤتمر ، ولكن حالة الصخب والضوضاء التي سادت القاعة بعد مطالعة حنفي سيما رد الشيخ علي الكوراني و الدكتور محمد حسين الصغير و الشيخ محمد العصفور حالت دون إلقاء بزي لمطالعته حيث اعتذر عن إلقائها معتبراً مطالعته أول شهيد على طريق القدس الجديد الذي نظّر إليه حنفي في مطالعته.

    • زائر 5 | 3:20 م

      زهراء

      كم هو جميل أن نسمع الراي الآخر ونتفاعل معه ... والأجمل منه أن نرى أنفسنا في مرآته ...إنعكاس ولا أروع .. و رغم إختلافنا في الآراء .. لن نكفر بعضنا البعض أبداً ...

    • زائر 4 | 2:03 ص

      يحدث حتى في ايران

      يذكرني هذا الطرح بما كان يحدث في ايران من صراع بين الحوزة والجامعة أيام مطهري وشريعتي، فكلاهما قطب من اقطاب الفكر ولكنهم يختلفون في كثير من القضايا.لكن المهم ان يعترف كل منهما بالآخر ولم يحدث اقصاء أو تكفير مكما يحدث في اماكن اخرى من العالم العربي.

    • زائر 3 | 1:58 ص

      شكراً للتغطيات

      شكرا لك سيد قاسم على هذه الاثارات المهمة لجوانب من المؤتمر، خصوصا بالنسبة لمن لم يحضروه.

    • زائر 2 | 1:53 ص

      المثقف والحوزوي

      المثقف يبدأ من فكره ويأخذ من الدين ما يناسبه ويناسب فكره ويرفض الباقي اي بمعنى اخر يتاجر بالدين . بينما الحوزوي الصالح يبدأ من كتاب الله وكلمات النبي ص وعترته ع ويسقطه على الواقع بلغ ما بلغ .اذا صار المثقف منظرا للدين محق لانه يرى فكره هو المحور وليس دين الله. بارك الله في تغطيتكم و قلمكم المميز .

    • زائر 1 | 1:10 ص

      كيف يريدنا حنفي ان نحي عاشوراء

      بغض النظر عن طقوس الشيعة الحالية كيف يريدنا ان نحي عاشوراء , عاشوراء ماساة بكل معاني الكلمة وهي تراجيديا في مفهوم حنفي
      نحن الشيعة نتقبل النقد ولكن النقد الموضوعي الهادف
      يريدنا بكل بساطة ان ننسى هذه الفاجعة بجرة قلم لايمكن هذا وهو سبط الرسول وريحانته وكل دعاوي نسيان الماضي هي دعاوى اموية كي تنسى الناس جرائم الفكر الاموي الذي لازالت قوافل احفادهم تعيث الفساد في الارض
      حياتنا حسين مماتنا حسين
      ديراوي

اقرأ ايضاً