أنهى «مؤتمر العلامة الشيخ حسين آل عصفور – الرسالة والموقف» أعماله أول أمس (الثلثاء). مَنْ حضَر المؤتمر أدرك أنه كقدَّاحة الحجر للنار لا أكثر. ليس استهجانا بالمؤتمِرِين، وإنما إكبارا بصاحب الحقّ في الاحتفاء. فالشيخ حسين آل عصفور أعمّ من خاص يُكابد من أجل حصره أو حدّه. وهو إن أريدَ له أن يُرَى، فهو بحجم تمدّده شرقا وغربا، وفي مهابط العِلم والحديث.
في أصلِ الأمر ومنتهاه أن ذلك المؤتمر يُؤشّر إلى أمرين: الأول يتعلّق بكيفية ارتباط صاحبه بأرضه ووطنه عبر الدين. والثاني: يختصّ بقراءة عالَمه الفكري وظروفه. في الأمر الأول، فإن الأمم عادة ما تستجمع قوّتها من خليط مُركّب يجمع ما بين القومية وتأسيساتها، وأطر المجتمع القائمة على اتجاهات الناس وتشريعاتهم الخاصّة.
وللعلم، فإن الدّين كان المهيمن الأمنع لإنتاج القومية خلال العهد الذي عاش فيه الشيخ حسين. وخلال تلك الفترة، لم تكن الشعوب تُهاجر إلى أغيار البلدان بدون أسباب قاهرة، كالظروف السياسية كما في حالة الشيخ. بل حتى في أشدّ الظروف الاقتصادية، كان الناس يغالبون العيش حتى بحدّ الكفاف.
وهي حالة ليست مقتصرة على المنطقة العربية فحسب، وإنما حتى في أوروبا، وبالتحديد في الفترة التي تنبّه فيها الأوروبيون إلى انتماءاتهم النَّسَبِيّة، المربوطة بالتراب. فجزء رئيس من حركتهم الوطنية تمّ ربطها بالكهنوت المسيحي كالذي جرى لدانيال أوكونل، وأيضا الارتباط الوثيق بأرض الولادة والنّماء، وهو ذات العهد الذي ماجت فيه القومية الأوروبية واستشرت لدى تلك الشعوب.
في الأمر الثاني الذي يجب النظر إليه باهتمام، هو التفكّر فيمَن كانوا يجترحون أفكارا في عهد مضى. كيف كان العلماء حينها يُدوّنون إفاضاتهم العلمية. وكيف كانوا يُحسّنون من شكلها، وجوهرها إن بفعل الاحتكاك العلمي أو عبر إخراجها للرّد وردّ الرد؟ نقول ذلك ونحن نُدرك حجم الجهل والأمّيّة التي كانت ضاربة لدى شعوب ذلك الزمان، سواء لدى العرب أو لدى غيرهم.
في أوروبا التي كانت تتسارع فيها الحركة العلمية بعد الثورة الفرنسية، لم تكن أعداد الأوروبيين الدارسين في الجامعات يزيد عن الأربعين ألفا، في الوقت الذي كان فيه سكان القارة الأوروبية يتجاوزون الـ 187 مليونا في العام 1800م، بل إن الأغلب الأعم من ناس تلك القارة لم يكونوا يقرأون أو يكتبون كما يشير إلى ذلك المؤرّخون، ما عدا البعض، فكيف بالمنطقة العربية التي كانت تواجه استعمارا أرعنا، وتعيش حياة أقلّ ما يُقال عنها أنها بائسة.
كان ذلك العهد يفتقر إلى الوسائل الحديثة في التأليف والترجمة. وكان المُداد لا يتجاوز كَتِفا ودواة، وقرطاسا أجرش من القش أو عشب الحَلْفاء بالكاد يُدرَك في أقاصي البلدان، ومصابيح لا تبتلع الظلام الدّامس، إلاّ بالكاد. لم يُدرك أؤلئك الناس عالما مخنوقا بوفرة المعلومة، ولا بيُسْر استحضارها، ولا يراعا إلكترونيا يمنحك ذاكرة باتّساع الكون، كما نحن عليه الآن.
كل ذلك يجعلني أكبِرُ كلّ من أنتج واجترح فكرة، فضلا عن تأليف سفرٍ حول هذا العلم أو ذاك. فإن كان حصاد مؤلفي عصرنا هو الاحتفاء والتكريم، فإن مؤلفي تلك الأزمنة، لا يسبرهم سوى إقامة الشواهد، وتسمية أحياء بأسمائهم. فهم أصل في كل ما قامت عليه حواضر اليوم.
بقيت لي ملاحظة أسديها للقائمين على مؤتمر آل عصفور. وهي أن يجعلوا للمناسبة مسارا علميا وإرشاديا وبروتوكوليا يلتزم به كافة الضيوف ممن يأتون مشاركين فيه من خارج المملكة. فلا يطرحوا ولا يقولوا إلاّ ما يتوجّب قوله، وما يمتّ للمناسبة من صِلة وليس شيئا غيره.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2750 - الأربعاء 17 مارس 2010م الموافق 01 ربيع الثاني 1431هـ
إضافة..
أنا كنت ممن حضر المؤتمر..
أحب أن أشكر كلا من المنظمين والمشاركين والعاملين لإخراج المؤتمر بهذه الصورة الجميلة ولكن لا يمنع من إضافة تعليق بسيط أظهر فيه تعجبي من بعض الضيوف من خارج المملكة ممن نكن لهم الإحترام والتقدير في إساءة التصرف والكلام.
أتمنى لكم التوفيق والنجاح
مع الكاتب والزائر 1
اتفق مع الكاتب ومع الزائر رقم 1 في نقطة الطرح بروتوكوليا ولكن لما حضرت بعض الجلسات وجدت فيها تنظيم لكن الحفل الختامي كان صحيح فيه مداخلات طولت المدة بس بنوع من الفائدة ما فيها ضرر لكن المسألة مسألة الوقت، وكما تعرفون ان المؤتمر نجح في استقطاب الجمهور يمكن لأنه الخطة الإعلامية كانت قوية جداً بالإضافة الى خطبة الشيخ عيسى قاسم حفظه الله واذا مؤتمر بهذا الحجم وما تصير فيه اخطاء كبيرة فواجد زين.. الملاحظات البسيطة ما تضر وموفقين
جعفر العصفور
تعقيب
اضيف على الكاتب ملاحظه وهي ان يتلزم جميع المشاركين والضيوف بثقافة فن التحاور وفن ابداء النصيحة