العدد 2749 - الثلثاء 16 مارس 2010م الموافق 30 ربيع الاول 1431هـ

ملاحظات حول قائمة فوربس للعام 2010 بشأن أثرياء العالم

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

تمثل قائمة فوربس لأغنياء العالم والتي تنشر سنويا أهمية إعلامية خاصة لمن تشملهم ولمن لا تشملهم، وكذلك بالنسبة لأوضاع الاقتصاد العالمي والنمو الاقتصادي للدول فرادى وللأقاليم التي ينتمون إليها. ونسوق فيما يأتي بعض الملاحظات على القائمة:

الملاحظة الأولى: تزايد عدد المليارديرات في الدول الآسيوية مقارنة بعددهم في الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وهذا عكس حالة الاقتصاد العالمي الذي يتجه في القرن الحادي والعشرين نحو المنطقة الآسيوية التي يتزايد ثقلها في الاقتصاد الدولي مقارنة بثقل الولايات المتحدة وأوروبا، ولكن ترد على هذه الملاحظة العامة ثلاثة تحفظات:

الأول: إن التزايد هو تزايد عددي وليس تزايد القيمة الإجمالية، فمازالت الولايات المتحدة من ناحية حجم الأموال يمثل أصحاب المليارات لديها أكثر من 38 في المئة على مستوى العالم.

الثاني: إن حجم الفوارق في الدخول بين الأغنياء والفقراء يختلف من دولة لأخرى، فالفارق أقل في دولة مثل الولايات المتحدة وأوروبا نتيجة الضرائب وكسر الاحتكارات الكبرى، في حين أن كثيرا من دول آسيا بها احتكارات ضخمة.

الثالث: إن معظم أصحاب المليارات في دول آسيوية مثل الصين والهند اعتمدوا على الصناعة في مرحلة ثورتها الثانية (المنسوجات والأجهزة الكهربائية)، في حين أصحاب المليارات في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة أو أوروبا أو اليابان اعتمدوا على الصناعة في مرحلة ثورتها الثالثة، أي صناعة المعرفة.

الملاحظة الثانية: إن أثرياء العالم بوجه عام لم يتأثروا بالأزمة الاقتصادية العالمية بدليل أمرين، أولهما: زيادة عددهم، والثاني: زيادة رؤوس أموالهم. ولعلَّ ذلك مرجعه أن معظمهم لا ينتمي إلى مجال العقارات والتي كانت محور الأزمة المالية العالمية.

الملاحظة الثالثة: تتعلق بأصحاب المليارات في المنطقة العربية ومعظمهم من دول الخليج العربية والتي ترجع أموالهم إلى أن نقطة الانطلاق لديهم هي الدخل الريعي ثم عملية التراكم عن طريق اقتصاد الخدمات أكثر من كونه إضافة إلى المعرفة أو إلى الصناعة المتقدمة أو إلى التراكم الاقتصادي الحقيقي.

الملاحظة الرابعة: ترتبط بعدد أصحاب المليارات من الدول النامية وخاصة دول الشرق الأوسط وإفريقيا في قائمة فوربس للعام 2010، بل وحتى في السنوات السابقة. ذلك لأن هناك أصحاب مليارات من رجال الدولة والحكم في تلك الدول ولكنهم لا يفصحون عن أموالهم، لأن مصادر معظمها موضع تساؤل، فضلا عن انعدام الشفافية سواء في حجم الأموال أو مصادر ووسائل الحصول عليها، ناهيك عن مدى دورها في الاقتصاد الوطني لتلك الدول. ولذلك فإنه من المعتقد من قبل عدد من الباحثين المتابعين لمثل هذه القضايا بأن هناك من أصحاب المليارات من رجال الحكم والسياسة في دول الشرق الأوسط وإفريقيا لم تشملهم قائمة فوربس والتي اعتمدت على ما يتاح لها من معلومات عن الشركات ودورها وموازناتها وأنشطتها الاقتصادية وحجم الضرائب التي قدمتها.

الملاحظة الخامسة: تتعلق بضعف مساهمة أصحاب المليارات في الدول العربية في مؤسسات الوضع العام ومؤسسات تطوير المجتمع وتنميته مثل الجمعيات الخيرية والجامعات ومراكز الأبحاث العلمية أو في مشروعات تنموية لخدمة البيئة أو المشروعات العمرانية والإسكانية التي تساعد في تقدم المجتمع، وليس مجرد مشروعات تسعى لتحقيق الربح، ومن هنا يحدث ما يشبه الانفصام بين أصحاب المليارات المعلنة وغير المعلنة في دول الشرق الأوسط وإفريقيا، وبين أفراد المجتمع الذين ينظرون إليهم بحقد وحسد؛ ما يغذي احتمالات الصراع والتناقض بين الطرفين، وربما في مرحلة يهدد ذلك الاستقرار الاجتماعي والسياسي. بخلاف أصحاب المليارات في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الذين أسسوا الجامعات العريقة مثل أكسفورد وهارفارد والسربون وغيرها، أو أقاموا الصناعات العملاقة لخدمة وتعزيز مكانة أوطانهم أو إنشاء المستشفيات الكبرى لعلاج المرضى ونحو ذلك. باختصار، فإن مبدأ المسئولية الاجتماعية لأصحاب المليارات في الشرق الأوسط وإفريقيا محدود للغاية أو غير موجود على الإطلاق، ويسعى كثير منهم للحصول على أموال الدولة والمجتمع بأساليب غير شرعية مثل شراء شركات القطاع العام بأسعار زهيدة والمتاجرة بها أو الحصول على عمولات تجارية من التي تدر أرباحا طائلة مثل تجارة السلاح وغيرها. في حين أن الأمر مختلف في دول مثل الولايات المتحدة وأوروبا. بل الأغرب أن بعض أصحاب المليارات في الدول النامية مثل الشرق الأوسط وإفريقيا يسعون لشراء مؤسسات إعلامية، أو إنشاء كراسي أكاديمية في جامعات أوروبية وأميركية بدلا من عمل ذلك في بلادهم أو مناطقهم الجغرافية، فكأنهم يسعون للحصول على شهرة عالمية وليس إلى تطوير بلادهم وخدمة مجتمعاتهم التي هي من المفترض أن تكون مصدر ثرواتهم.

الملاحظة السادسة: تتعلق بأهمية وجود قوانين رادعة في الدول النامية لكي يكشف المعنيون، بوجه خاص، عن حجم ثرواتهم ومصادرهم، وأوجه إنفاقها وكيفية تطويرها ومدى قيامهم ووفائهم بمفهوم المسئولية الاجتماعية في بلادهم، ومن ثم فإنه يمكن ملاحظة الاختلاف الجوهري بين أصحاب المليارات من الدول النامية والدول المتقدمة من حيث (مصدر الثروة، كيفية التصرف في الثروة، كيفية تطوير الثروة، والتوزيع الجغرافي للثروات، وأخيرا مدى وجود أو عدم وجود قوانين تنظم ذلك وتراقبه).

الملاحظة السابعة: تتعلق بوضع مجموعة العشرين الاقتصادية والتي تحصل على نصيب الأسد من أصحاب المليارات كما تحصل على نصيب الأسد من الإنتاج العالمي. وهنا نشير إلى مبدأ المسئولية الاجتماعية العالمية التي تطالب الدول المتقدمة بتخصيص جزء من إنتاجها للدول النامية والمساهمة في تنميتها. وهذا ما قررته الأمم المتحدة منذ سبعينيات القرن العشرين بالمطالبة بتخصيص 1 في المئة للدول النامية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن رغم مضي ما يقارب أربعين عاما على صدور هذا القرار. وأنا أدرك أن للدول أسبابها، ولعلَّ من بين هذه الأسباب ضعف مفهوم الأمن الجماعي الاقتصادي، وانعدام الشفافية، وانتشار الفساد في كثير من الدول النامية، وسيطرة النخب الحاكمة لفترات طويلة على مقدرات الكثير من الدول النامية، وانتشار النزعات التواكلية والإهمال وانعدام روح المبادرة لدى كثير من القطاعات في الدول النامية، ولكن هذا كله لا ينبغي أن يكون مبررا لعدم الوفاء بقرار شاركت جميع الدول في اتخاذه على المستوى الدولي، وإنما يمكن المطالبة بوضع آليات للتحقيق والتنفيذ والمراقبة.

الملاحظة الثامنة: تتعلق بضعف عوامل الإنتاج في الدول النامية، فمن المعروف أن عوامل الإنتاج الرئيسة في القرن الحادي والعشرين أربعة هي: الفكر، الإدارة، رأس المال والعمل. هذه العناصر أكثر توافرا في الدول المتقدمة منها في الدول النامية وإن توافرت بعض تلك العناصر في بعض الدول النامية، إلا أن مدى الاستفادة بها يضعف تأثيرها، إن لم يبدده مثل تبديد الثروات والأموال لبعض الرأسماليين في بعض دول الشرق الأوسط على الملذات والنزوات، وعلى أعمال الوجاهة الاجتماعية أو تبديد الموارد البشرية وعدم الاستفادة بها.

ولعلَّ ذلك ما دفع بعض الباحثين الاجتماعيين والمفكرين العرب أمثال الدكتور محمد جابر الأنصاري للإشارة إلى تجربة العرب والمسلمين في الأندلس إنفاق ثروات طائلة على المعمار الفاخر المظهري وعلى شراء الذهب وتكديسه بدلا من الانطلاق في ثورة صناعية وتحقيق ابتكارات علمية على غرار ما حدث في أوروبا في مرحلة لاحقة.

وهكذا عاشت بعض الدول في مفهوم الجواري والحسان، وفي مفهوم العجل الذهبي بدلا من التحول إلى ثورة العلم والمعرفة والتكنولوجيا، وهذا عكس ما دعا إليه القرآن الكريم بتوجيه النقد الشديد والإنذار بالعقاب لمن يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله. وسبيل الله الحقيقي هو العلم والمعرفة والمسئولية الاجتماعية، ولهذا دعاهم الله جلت قدرته للتفكر في خلق السموات والأرض، وفي الإنفاق على الفقراء والمساكين وفي خلافة الأرض وإعمارها.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2749 - الثلثاء 16 مارس 2010م الموافق 30 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:45 ص

      احدى العلل هي اجتماع الملك والحكم ...

      لو كشف الحكام عن ارصدتهم لاصيب الناس بالذهول , وهذا لم ولن يحدث الابعد وفاتهم وكم من حساب كشف بعد الممات فبانت المفارقات شعب جائع وملك او رئيس اوحاكم يملك المليارات , ايرضي الله ذلك ,, والادهى والامر وقوف المفكرين الذين يسدون النصائح وينظرون للامة الى جانب مغتصبي ثروات الشعوب وانظر ياكاتب المقال من حولك تجدهم يملكون ويقبلون العطايا , فاماذا الاشتشهاد بالبعيد والقريب اسهل واوضح وهوامام ناظريك ...

    • زائر 1 | 12:42 ص

      التكتل الق

      مقال متزن، واتفق معك. لكن في المدى البعيد ستتحسن الصين والهند وكوريا، وستنزلق الكرة من اوربا وامريكا. التكتل القادم هو شرق آسيا

اقرأ ايضاً