العدد 2748 - الإثنين 15 مارس 2010م الموافق 29 ربيع الاول 1431هـ

بلد حضارةٍ وموطن علمٍ عريق

مؤتمر الشيخ حسين العلاّمة:

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

انطلق صباح الأحد المؤتمر العلمي الخاص بشخصية الشيخ حسين العصفور (عاش حتى العام 1802م)، بحضور جمعٍ من العلماء والباحثين والمهتمين من البحرين والسعودية والعراق ولبنان وإيران... وتختتم أعماله مساء اليوم، في خطوةٍ رائدةٍ لإحياء تراث أحد علماء البحرين التاريخيين الكبار.

الشيخ حسين المعروف بالعلامة، من كبار الفقهاء الذين أنجبتهم البحرين، وأسرته التي تعود جذورها إلى قرية الدراز، من الأسر التي حكمت البحرين (بجغرافيتها القديمة) نحو ثمانين عاما بين 1308 الى 1388م، ولكن اهتمامات العائلة لم تنحصر بالسياسة، إذ إن لها دورا كبيرا في التجارة، وفي الدراسة الدينية وهذه الأخيرة تركت بصماتها واضحة على الأرض، إذ خرّجت أعدادا من العلماء والفقهاء والخطباء والقضاة حتى عهدنا الراهن.

مثل هذا المؤتمر يسلّط الضوء على حقبةٍ علميةٍ زاهيةٍ من تاريخ البحرين (التاريخية)، التي كانت إحدى بؤر الإشعاع الفكري لمدرسة أهل البيت، إلى جانب مدارس النجف والحلّة بالعراق، وجبل عامل في لبنان. هذه المدارس الفقهية لعبت دورا كبيرا في التحوّل الذي مرّت به دولةٌ إقليميةٌ كبيرةٌ مثل إيران نحو مذهب أهل البيت، على خلاف ما هو شائعٌ في الأذهان.

العلامة هاجر من قريته (الدراز) الواقعة في القرن الشمالي الغربي من الجزيرة وذلك في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، إلى الشاخورة التي لا تبعد أكثر من كيلومترين، لكنها كانت نقلة كبيرة بمقاييس تلك الفترة، إذ افتتح مجلسه للبحث والتدريس، وأسّس حوزة علمية قوية ظلت تضخّ بتأثيراتها في المكان إلى دول الجوار؛ وفي الزمان حيث مازالت حاضرة حتى الآن.

التعليم النظامي بدأ رسميا في العام 1919م، مع بداية تشكّل معالم الدولة الحديثة، لكن مسيرة التعليم كانت أقدم بكثير، فالبحرين لم تكن أرضا قفرة. فقبل ثلاثة قرونٍ كان الطلاب يأتون مدرسة العلامة العصفور من مختلف المناطق لتلقّي العلوم الدينية في غرفٍ دراسية، على يد نخبةٍ من المدرّسين. هذه البيئة التعليمية تعكس وضعا ماديا مزدهرا، ومستوى ثقافيا متقدما، فالبحرين لم تكن مجتمعا بأكمله من الفلاحين والمزارعين وصيادي الأسماك. العلم لا يزدهر إلا في الحواضر الكبرى المرتاحة ماديا... هذا ما يقوله التاريخ.

في هذه المدرسة تخرّج العشرات من كبار الفقهاء والمحدّثين، وبلغ تلامذته 2200 طالب من مناطق البحرين والقطيف والإحساء وغيرها. الألقاب تكشف لك خريطة توزّعهم جغرافيا: (الجدحفصي، التوبلي، البلادي، الستري، البحراني، الإحسائي، الشويكي، القطري...). وإذا كانت الألقاب الثلاثة الأولى لا تعني شيئا لقربها من الشاخورة، إلا أن الألقاب الأخرى تعني الكثير من المشقة والعناء بسبب بدائية المواصلات، سواء سترة التي لم ترتبط بالجزيرة الأم عبر الجسر إلا في السبعينيات، فضلا عن قرى الشرقية والإحساء التي تفصلها عنّا ساعاتٌ أو أيامٌ من السفر عبر البر والبحر.

المؤتمر تم الإعداد له جيدا، وشُكّلت لتنظيمه عدة لجان، وزار وفدٌ كلا من العراق ولبنان والسعودية لدعوة كبار العلماء، واستجابت نخبةٌ منهم بالمشاركة وتقديم الأوراق العلمية. وتناول الباحثون جوانب مختلفة من هذه الشخصية العلمية الغنية... فقيها ومحدّثا ومتكلّما ومؤرخا وأديبا وشاعرا، فضلا عن التعريف بسيرته وظروف عصره السياسية والثقافية.

الرجل خلّف أكثر من تسعين مؤلّفا، تتوزع بين الفقه والعقائد والتفسير والحديث والسيرة والعرفان والأدب والأنساب، لم يطبع منها إلا القليل.

المؤتمر الذي اهتم بمتابعته مئات الرجال، غابت عنه المرأة تماما، فلم يُخصّص لها حتى ركنٌ صغير. والمؤكد أن هناك الكثيرات، حوزويات وغير حوزويات، كن يرغبن بالحضور، فالمهتمات بالتاريخ والثقافة والمعرفة من البحرينيات لسن قليلات.

المؤتمر بادرةٌ ثقافيةٌ طيبةٌ، فالعلامة من العلماء الذين قدّموا إسهامات فكرية مهمة لمدرسة أهل البيت في هذه المنطقة من العالم الإسلامي الكبير.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2748 - الإثنين 15 مارس 2010م الموافق 29 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • كشاجم | 2:35 ص

      هل غطى الإعلام الحدث ؟

      لا أعتقد أن الإعلام المحلي غطى الحدث تغطية صحيحة. بعض الجرائد لم تنشر حتى خبرا بمساحة 5 سم وكأن الموضوع ليس على أرض البحرين ولكنهم ينشرون أخبارا ليس لها أهمية بمساحات كبيرة على صفحاتهم.
      أليس هذا إهمال واستهتار بل وحتى طائفية ؟
      تحياتي

    • فيلسوف | 2:29 ص

      لا تعليق اكثر

      يكفي عنوان الموضوع يا استاذ اي انه يدل على معنى كبير وخصوصا انه يدخل داخل اعماق القلب

    • زائر 3 | 1:49 ص

      تنظيم جيد جدا وحضور كبير

      ربما للمنظمين وجهة نظر. وربما لكونهم ينظمون المؤتمر لاول مرة، لا تنسوا انه من تنظيم مجلس عائلة العصفور، والتنظيم على درجة جيدة جدا. ربما فاتتهم هذه النقطة أو لهم وجهة نظر أخرى.

    • زائر 2 | 1:27 ص

      من المقلدين الكبار....

      رحمة الله على العلامة الكبير، الذي منذ أن عرفنا الحياة ونحن نسمع بذكره وكان أغلب الشيعة في البحرين يقلدونه اذا لم يكونوا جميعهم والى الآن ما زال البعض باقاً على تقليده فرضوان الله تعالى عليه.... أما عدم وجود مشاركة للمرأة ولو بالحضور فيعتبر ثغرة جداً كبيرة في هذا المؤتمر

    • زائر 1 | 12:08 ص

      غير ايجابي

      عدم دعوة او حضور المراة يعكس شيئا غير ايجابي

اقرأ ايضاً