العدد 2357 - الثلثاء 17 فبراير 2009م الموافق 21 صفر 1430هـ

تقييم الأداء في ذكرى الميثاق

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يرى علماء الإدارة في تقييم الأداء «Performance Evaluation» ضرورة للتطوير والانتقال من أحسن إلى أحسن، فبدون الرصد والتقييم يحدث الجمود ويكون احتمال التراجع للوراء قائما وخاصة في بيئة محافظة يثير فيها مصطلح التطوير كثيرا من التوجس والريبة والحساسية، ويتربص البعض بخيار التغيير للعثور على ثغرة تنحرف المسيرة من خلالها. ففي علم الإدارة لا يمكن أن تحمل بعض التنفيذيين أو الموظفين على قبول التغيير. فالبيروقراطي الذي يعشق توقيعه على الورق لا يتقبل استبداله بالحاسوب. وصاحب السلطة الهيراركية لا يقبل بمبدأ تفويض السلطات، وبقانون يحددها وهيكل تنظيمي أفقي يوزعها. من هنا أصبح تقييم الأداء ضرورة ملحة في علم الأدارة لاستنباط الجوانب الإيجابية وتحفيزها للاستفادة من استخدام آلياتها، وكشف الجوانب السلبية الضارة لتقويمها، وتجنب تكرار ممارساتها. وإذ تمر بلادنا اليوم بالذكرى الثامنة لميثاق العمل الوطني، حري بنا لا نكتفي بالاحتفالات البروتوكولية، بل من مصلحتنا تشكيل جهاز لتقييم أداء هذه التجربة الوطنية الكبيرة التي تستحق منا أكثر من التعبير عن الفرحه بها. فأي تقييم فردى مهما بلغت دقته لن يكون بديلا لأي تقييم مؤسسي وموضوعي محايد. وفي هذا المقال سأكتفي باستعراض سريع لتجربة الميثاق مع الأمل أن تنشط الذاكرة وتحفز الهمم للعمل بمفهوم تقييم الأداء على المستوى الوطني.

إن التصويت على ميثاق العمل الوطني بنسبة 98.4 في المئة في فبراير/ شباط من العام 2001 لم يأت من فراغ. فهذا الإجماع الوطني الكبير الذي وحّد الشعب بجميع فئاته لم يكن له أن يتحقق لولا ما سبقته من إنجازات كبيرة على المستوى الوطني. هذه الإنجازات تمثلت أولا في قناعة سياسية بأن الوضع الذي كان قائما غير صحي، وعليه اتخذت القيادة السياسية مبادرات إصلاحية تمثلت في إعداد ميثاق للعمل الوطني وإطلاق سراح المعتقلين ورموز المعارضة الذين ساهموا في الحملة للتصويت على الميثاق والذي، للمفارقة، يقبع أحدهم الآن في السجن. كما قام جلالة الملك بزيارة بعض مدن وقرى البحرين للتعبير عن عهد جديد من الإخاء والوحدة الوطنية فكانت الاستجابة فوق التوقعات.

من هنا يمكن القول إن الميثاق إنما جاء بعد عملية تقييم لأداء الفترة التي سبقته تمخضت عنها قناعة بضرورة استبدال ذلك النهج الذي اعتمد الأسلوب الأمني لحل مشاكل سياسية متفاقمة بأسلوب سياسي. فكانت النتيجة هذا التغييرالذي شهدناه... فما الذي جاء به الميثاق الذي هيأت له مسبقا قرارات حفزت جموع الناس على قبوله؟ وكيف هو مستوى التفعيل بعد أن أصبح الميثاق والدستور حقيقة ماثلة؟ للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها بموضوعية غايتها حب الوطن وإيمان بشرعيتة السياسية، من اللازم الاسترشاد ببعض من بنود الميثاق وإسقاطها على واقعنا لتقييم مستوى التناسق بين ما نسترشد به من نصوص وما نلمسه من واقع معاش. وبهذا نتمكن من الوقوف على أوجه القصور لمعالجتها، حينها تصبح احتفالاتنا فرصة لانطلاقة متجددة منبثقة من روح الميثاق وأهدافه الأصيلة.

الميثاق مرجع للمسيرة الوطنية:

هذا ما نصت عليه مقدمة الميثاق الصادرة عن جلالة الملك، التي اعتبرته المرجع الذي سيشكل على أساسه تحديث مؤسسات الدولة وسلطاتها التشريعيه، فالميثاق هو دليل عمل المستقبل والأساس الملزم للدولة في تطوير نظمها القانونية التي تكفل تقدمها. وحسب المذكره التفسيرية للدستور فالميثاق ذو قيمة قانونية ملزمة لواضعي الدستور ومن ثم وجب التقيد به من قبل المشرع الدستوري والمشرع العادي على حد سواء.

من هذا المنطلق وجب علينا في هذه المناسبة أن نقرأ الميثاق ونتمعن في مضمون نصوصه لنسترشد بها في صياغة حاضرنا ورسم مستقبلنا لكونه وثيقة تاريخية توافق الجميع على محتواها حكومة وشعباَ.

إن نظرة سريعة لواقعنا المعاش تكشف لنا عن فجوة آخذة في الاتساع بين الأهداف التي تضمنها الميثاق وممارسات تدفعنا في اتجاه الفترة التي سبقت تدشينه. وهذه الممارسات التي من الواجب تقويمها يمكن إيجازها فيما يلي:

الهوية الوطنية:

نص الفصل السابع من ميثاق العمل الوطني على أن دولة البحرين تعتز بحقيقة انتمائها العربي، وأن إقليمها جزء من الوطن العربي الكبير، وقد تجسد هذا الانتماء ليس فقط في وحدة اللغة والدين والثقافة ولكن أيضا في الآمال والآلام والتاريخ المشترك.

إذاُ فهوية البحرين وانتمائها العربي الإسلامي من المسلّمات التي لا يجب العبث بها بأي شكل من الأشكال. والحال هكذا يحق لنا التساؤل عن هوية البحرين عندما يعتبرها البعض مجتمعا كوزموبوليتينيا، أي لا هوية له؟ وأين نحن من معادلة التوطين التي زادت عدد السكان البحرينيين إلى ما يزيد على المليون نسمة، وبنسبة 15.34 في فترة وجيزة، بعد أن كانت لا تتجاوز 4 في المئة خلال الستين سنة الماضية؟

وإذا ما علمنا أن هذا التوطين قد شمل أفرادا من جنسيات عربية وغير عربية تضاف إلى زيادة لغير البحرينيين بلغت 82.46 في المئة جلها عمالة وافدة من دول كبرى، وتحميها قوانين دولية ستفرض عاجلا أو آجلا على الدول الصغيرة ومن بينها اتفاقية الأمم المتحدة لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، والتي ترسي حقوقاَ وطنية للعمالة الأجنبية وأفراد أسرهم كحق التنظيم وممارسة الحقوق السياسية، وحق التعليم بلغة وثقافة الوافد الذي على الدولة المضيفة أن تقدمه مجانا كما تقدمه لمواطنيها، فإننا إزاء وضع كهذا بدأنا نسير في اتجاه معاكس لاتجاه الميثاق الذي توافقنا عليه لأننا نعرض أغلى ما نملك وهو الوطن وهويته ومستقبل أجياله لأخطار محدقة. في مثل هذا الوضع ألا يحق لنا أن نربط بين مسيرات التأييد الضخمة لمشروع جلالة الملك الإصلاحي التي خرجت في 10 و11 فبراير/ شباط من العام 2001 في المحرق وسترة، والمسيرة الحاشدة التي انطلقت في الثلاثين من يناير/ كانون الثاني 2009، والتي طالبت بوقف التجنيس السياسي؟ فما الذي غيّر الأحوال والآمال الجميلة إلى نقيض؟ ألا يجدر بنا في هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا التوقف قليلا وإجراء تقييم لمسيرتنا، أم علينا الاكتفاء بالاحتفالات الإعلامية ونغض الطرف عن المضمون والجوهر.

الوحدة الوطنية وسيادة القانون

نص البند الأول من الفصل الأول على أن العدل أساس الحكم، والمساواة وسيادة القانون، والحرية والأمن والطمأنينة، والعلم والتضامن الاجتماعي، وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة. وهذا ما عكسه خطاب جلالة الملك مؤخرا الذي أكد على أن ألشرعية والوحدة الوطنية هي ركائز رئيسية لا يمكن التفريط بها.

على هذه الخلفية يحق لنا التساؤل عنى مدى التقدم الذي أحرزناه في موضوع العدل والمساواة وتكافؤ الفرص لضمان عدم المساس بركائز ودعامات المجتمع، وليس بالإمكان الإجابة على هذا التساؤل من دون التمعن وتقييم الآلية المتبعة في توزيع المنافع والحصص على مختلف الأصعدة. فإذا كنا نعمل وفقا لمبدأ الكوتا فإن النسبة والتناسب يجب أن تكون حاضرة في نهج عملنا، أما إذا كنا نعمل وفق منهج الجدارة فإن آلياته المعروفة لا يمكن تغييبها عن أعين أي مراقب حصيف، فحصيلة مبدأ الجدارة لن تكون إقصاء شبه كامل لأي مكون من مكونات المجتمع مهما صغر حجمه أو كبر. أما إذا استبعدنا هذا المبدأ أو ذاك واخترنا مقولة الولاء التي يحلو للبعض اجترارها، فإن التصويت على الميثاق من قبل الجميع وبنسبة ساحقة كفيل بأن يحسم هذه الحجج ويلغي مبرر الإقصاء. أما إذا وقفنا عاجزين عن التجاوب مع متطلبات الميثاق فيمكن القول بأننا اخترنا وبمحض إرادتنا تجاوز الشرعية والوحدة الوطنية وفرّطنا في ركائز نصّ عليها الميثاق في أول فصل من فصوله.

وإذا استعرضنا الفصل الرابع من الميثاق فنراه ينص على أن الانتماء إلى أجهزة الأمن الوطني واجب وشرف لكل مواطن لكون قوة دفاع البحرين هي رمز للوحدة الوطنية. ولكونها كذلك كيف لنا أن نصون رمز وحدتنا الوطنية من دون إتاحة شرف الخدمة هذه لكل مواطن من دون استثناء وعلى قدر المساواة؟ ألا يعتبر تجريد غالبية المواطنين من هذا الشرف - في حين يسبغ على الغرباء - عيبا لا يرتضيه الميثاق؟ وما هي المبررات التي سنقدمها على سلوكنا هذا عندما نقف أمام الميثاق كحكم أرتضيناه بيننا؟

في دولة القانون يفعل القانون ويسود، وإذا ما استعرضنا بعضا من حزمة القوانين التي أصدرناها في مجالات عدة كالبيئة مثلا وذلك تفعيلا للمادة الخامسة من الميثاق، أو في مجال حماية الثروات الطبيعية كالسواحل والأراضي والثروة النفطية التي هي جميعها ملك للدولة بنص المادة السادسة من الميثاق، ألا يحق لنا التساؤل عن التقدم الذي أحرزناه في هذا المجال؟ فكم هي سواحلنا؟ وكم منها تلاشى؟ وما هي الحدود الفاصلة بين أراضي الدولة وأراضي الغير التي تحوّل جلها لمشاريع خاصة يسكنها الغرباء بعد أن كانت حلما موعودا يراود أهلها؟ فهل مصادرة كهذه للثروة الطبيعية سلوك منبثق من روح الميثاق الذي توافقنا جميعا عليه؟

إن هذه المناسبة العزيزة علينا يجب أن تكون فرصة لتقييم أدائنا على ضوء ما حققناه من إنجازات وما واجهناه من إخفاقات لكي لا يخبو الأمل في داخلنا، وتنحسر الصورة الجميلة التي رسمناها على مستوى الخارج. فالحذر الحذر من الردة، وكل عام وأنت يا وطن بخير

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2357 - الثلثاء 17 فبراير 2009م الموافق 21 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً