حين تنظر بين دَفّتَي سِفرٍ تاريخي، ترى حجم الاقتران بينهما. عُمان بالبحرين والعكس. وعندما تشرب رأسا من كتابٍ آخر تُدرك أن ما يجمعهما، لم يكُن أقلّ من وصلٍ بالهوية، يليه الوصل من فروض السياسة، والدين، وظروف الإقليم منذ أمدٍ سحيق ولغاية الآن.
حتى كتب السِّيَر، تتحدّث عن مراسيل الإسلام إلى هاتين المنطقتين. بل إن ما تلا ذلك من أزمنة، أصبح شديد الارتباط بظروف البلدين، سواء في مرحلة الاحتراب أو السّلم الذي عاشتهما الجزيرة العربية بعد انتشار الدعوة الإسلامية، وحتى عصور لاحقة.
وفي التاريخ الحديث حين جاء عقد الثمانينيات بانطلاقة مجلس التعاون الخليجي تحوّلت تلك العلاقة بين البحرين وعُمان من ثنائية بحتة إلى إقليمية مفتوحة، تتشارك فيها مصالح أربع دول أخرى. ورغم أن العلاقة بالمجموع تنسج مصالح أوسع، إلاّ أنها تضيق أحيانا لدرجة الانحسار، حين تفيض وتتفاضل بين هذا وذاك.
في الثاني والعشرين من الشهر الماضي، بدأت اجتماعات اللجنة المشتركة للتعاون بين مملكة البحرين وسلطنة عمان. وبعيدا عن التثمير الرسمي، بالاستغراق في العموميات، فإن القول باستثنائيّة هذه العلاقات لا يُصبح ضربا من التهويل إذا ما احتُسِبت أشكال الدول المتعاقدة، وظروف تموضعها داخل المنطقة وخارجها.
ضمن هذه المعادلة، تتبيّن الحاجة لكل طرف من الآخر. عُمان في كلّ الأحوال، تملك امتيازا جغرافيا حدّده موقعها في «أقصى جنوب شرق شبه الجزيرة العربية في جنوب غرب آسيا» وشاطئها المُتّصل بـ 3165 كم «على خليج عُمان وبحر العرب والخليج العربي». وهو ما يعني ازدواج وتعدد القيم الاستراتيجية والتجارية لهذا البلد، واستفادة الآخرين له أيضا.
كما تمتاز السياسة الخارجية لسلطنة عُمان بعلاقات غير عادية مع الجار العملاق الواقع في الضفّة الشرقية وهو إيران، الأمر الذي يعني تحوّلها لنقطة التفات لبعض الدول في الإقليم والتي ربما تتضارب مصالحها بين الفينة والأخرى مع ذلك الجار، وخصوصا خلال استعار الأزمات الدولية بشأن قضايا شبه مصيرية.
وقد وجدنا أن مسقط لم تعد كذلك بالنسبة لدول المنطقة وحسب، بل إن الأميركيين استعانوا بها بين عامي 2002 و2004 لإيصال بعض الرسائل السياسية للإيرانيين فيما يتعلق بالموضوع النووي الإيراني. فالغرب يُدرك أن طهران تعتبر سلطنة عُمان ليس شريكا استراتيجيا لها فقط، وإنما موثوق الصّلة أيضا خلال الأزمات مثلما تنظر إليها بقيّة الدول.
في موضوع البحرين وأهميتها لعُمان، فإن هذا البلد يُشكّل بالنسبة للعمانيين نقطة ارتكاز مهمّة في منطقة الخليج. وقد تُشكّل البحرين ثاني أهم قوّة اقتصادية وسياسية بعد دولة الإمارات العربية المتحدّة التي ظلّت الشريك الرئيس بالنسبة للسلطنة، خصوصا باتساقها التجاري بعد الشراكة الأميركية معها ومع السلطنة في آن.
فالبحرين بمقاييس المنطقة الخليجية والعربية، تمتلك أفضل العلاقات مع الدول الست المشتركة في إطار خليجي موحّد (إلاّ في بعض الظروف)، ومع الدول الواقعة ضمن الحزام الآسيوي الإفريقي (العربي) الناشط بالاستتار والجهر حيث الأردن ومصر والمغرب. وهو ما يشكّل مجموعة من الضمانات على مستوى العلاقات الخارجية لأي شريك مباشر أو غير مباشر خلال الأوقات الهادئة أو المتوتّرة.
في الموضوع المشترك وخصوصا في المجال التجاري، فإن المنامة ومسقط من أوائل الدول التي خصّاهما مكتب مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية بوزارة الخارجية الأميركية، بالتوقيع معهما على مذكرتي تفاهم «لتشجيع المبادرات التجارية الخاصة في الشرق الأوسط، وتوسيع الفرص التجارية أمام الشركات التجارية الأميركية الصغيرة».
والمعروف أن مثل هذا النوع من المذكرات التجارية، يستهدف موضوع التنمية الاقتصادية، عبر تثمير العلاقات بين الأعمال الصغيرة والدول المعنية، بالإضافة إلى تصدير التقنية المعلوماتية المُحسّنة للبيروقراطية الإدارية الاقتصادية. وهي بالأساس تستهدف منطقة الشرق الأوسط والشمال الإفريقي، لتعزيز مشاريع اقتصادية تتناوب ما بين الصغيرة والمتوسطة.
وللعلم فإن أهم القطاعات التي ستستفيد من هذه الاتفاقية، هي قطاعات الألمنيوم والبلاستيك والرخام والبتروكيماويات، وهو ما يعني تماثل الاستفادة الصناعية بين البحرين وسلطنة عُمان، وبالتحديد في موضوعي الألمنيوم والبتروكيماويات اللذين يُشكّلان أهم المناشط الاقتصادية البحرينية والعُمانية أيضا.
وطبقا لتصريحات وزير التجارة والصناعة العماني مقبول بن علي سلطان فإن «مدخلات الإنتاج لأي منتج إمّا من البحرين أو المغرب أو الأردن (باعتبارها دولا موقّعة على الاتفاقية)، فهي سُتعتبر سلعا عمانية يشملها الإعفاء الجمركي» (راجع تصريحات الوزير العُماني في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في 9 يناير/ كانون الثاني 2009).
وقد ورد في تقرير وكالة ضمان ائتمان الصادرات العُمانية Export Credit Guarantee Agency of Oman فإن هذه الوكالة قدّمت سقوف ائتمان مصدرة تجاه البحرين بنحو 6739500 إلى 197 مشترٍ من جميع أنحاء العالم، وهي تعتَبِر البحرين أنها تشكّل ما نسبته 4 و5 في المئة من إجمالي سقوف الائتمان المصدرة. (راجع إصدار للوكالة رقم 2003/3).
في المحصّلة، فإن الرؤية لهكذا علاقة، ومن هذا المنظور الخاص لا يُشكّل سوى حقيقة سياسية تجمع هذين البلدين. وربما اخترت تناول هذا الموضوع لذلك السبب، ولأسباب أخرى تتعلّق بتشجيع العلاقات الهادئة لبلدي، مع الدول التي تلتزم بعلاقات خارجية مسئولة وجديرة بأن تُقرأ كما يجب.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2747 - الأحد 14 مارس 2010م الموافق 28 ربيع الاول 1431هـ