العدد 2747 - الأحد 14 مارس 2010م الموافق 28 ربيع الاول 1431هـ

التكنوقراط وأحضان المنافي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

التقيته لأول مرةٍ في منتدى «الإعلاميين الديمقراطيين» الذي احتضنته «الوسط» قبل عامين، سألته سؤالا عابرا فأشار في تبرمٍ إلى منعه عن الكتابة وما يلاقيه من إهمال. لم أكن أدرك يومها عمق جراحه التي نكأتها دون قصد.

المرة الثانية التقيته في إحدى قاعات الفندق، أثناء انعقاد مؤتمر القمة الخليجي الثلاثين بالكويت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. كان من ضمن الكتّاب الذين وقّعوا على رسالةٍ مرفوعةٍ باسم المجتمع المدني إلى قادة الخليج، يطالبون فيها بتوسعة هامش الحريات والمشاركة الشعبية في القرار واحترام حقوق الإنسان. أهداني يومها آخر رواية له، وحصلت على روايته القديمة «أحضان المنافي» في القسم القطري من المعرض الثقافي المقام على هامش القمة.

كثيرون كتبوا عن دور الطبقة الوسطى الخليجية وتطلعاتها وآمالها وإخفاقاتها، لكن هذه الرواية تقدّم سيرة للشريحة المتعلمة منها تعليما عاليا، وما ينالها من تهميشٍ وإهمالٍ، في المجتمعات القبلية التي تعلي من شأن الروابط العائلية والقبلية، على حساب الكفاءات والمصلحة العامة.

أحمد عبدالملك يرمز إلى بلده بـ «وردة»، التي تغرّب عنها من أجل الدراسة سنواتٍ في بلد عربي، ثم عاد للاغتراب ثانية للدراسة في بريطانيا، ثم عاد ثالثة للاغتراب في الولايات المتحدة مع تشتت شمل العائلة من أجل الحصول على أعلى شهادة علمية. ولمّا عاد، رُكن على الرف لعدم وجود شاغر، لأن الشواغر تذهب لأبناء الذوات الذين لا يحتاجون إلى شهادات.

يبقى البطل (ميهود) عاطلا، حتى يتم ترتيب عملية نفي جديد إلى بلدٍ خليجي تُحرم فيه المرأة من سياقة السيارة، حيث يُلحق للعمل بإحدى المؤسسات الخليجية المشتركة. هناك يعيش غربة جديدة، فلا متنفس رجاليا لمن هم في مثل وضعه غير لعبة كرة التنس الأرضي. ما يخفّف وطأة الوضع هذه المرة استقراره العائلي وقربه جغرافيا من «وردة». بعد ثلاث سنوات يجري التمديد له ثلاث سنوات أخرى، ولما انقضت وحزم حقائبه للعودة، كان الرفّ ينتظره مرة أخرى. يزور الوزير فيحوّل أمره إلى السكرتير، ليقبع ثلاث سنوات في منزله ينتظر مكالمة أو رنّة هاتفٍ لا تأتي.

على الكورنيش، تجتمع شلة منفيي الداخل، المحالين مبكرا على التقاعد قبل أن يصلوا السنّ القانوني، فهؤلاء التكنوقراط الذين صُرفت على تعليمهم مئات الآلاف من الميزانية العامة، وبعد كلّ هذا التأهيل الأكاديمي، لم يعودوا قادرين على الانخراط في الأوضاع البيروقراطية الجامدة حيث تعشعش المحسوبية والواسطة والفساد.

المنفى الأخير كان اختياريا، في القطاع الخاص، فبعد سنواتٍ من التعطّل ومحاولة شغل نفسه بزراعة حديقة منزلية صغيرة، يتصل به رب عمل ليعرض عليه منصبا إداريا في شركته، فيجرّب حظّه في هذا البحر الذي تتجاذبه مصالح اللوبيات المتصارعة من الوافدين. صراعٌ تتكسّر فيه العظام والمبادئ ويسقط الكثيرون، فما أشرس الصراع على لقمة العيش بين الوافدين الذين هاجروا هربا من الفقر والبؤس والشقاء في أوطانهم الأصلية.

ربما تكون الطبقة الوسطى في «وردة» ذات الكثافة السكانية الضئيلة أشد حساسية منها في بلادنا، وإن كانت طبقتنا الوسطى لا تقل عنها معاناة وغربة واستهدافا.

عبدالملك أسمى رحلاته المتفرّقة لطلب العلم في أرقى دول العالم منافٍ، فماذا كان سيسمّي روايته لو تغرّب حبّا في وطنه... أو دخل أحد سجون القرون الوسطى مناهضة للمظالم وطلبا للمساواة والإصلاح؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2747 - الأحد 14 مارس 2010م الموافق 28 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 12:55 م

      السجين

      سيد سجون القرون الوسطى محد يخرج منها صاحي إذا خرج عساك مادخلتها؟

    • زائر 9 | 10:22 ص

      رساله من مواطنه مهمومه

      ياريت تكتبون عن مشاكلنا ويا وزاره الاسكان طلبنا قديم 97 وللحين مافي خبر ولمتى بنحارس

    • زائر 8 | 3:35 ص

      14 نور

      همشوا البلد بأصحابها يا سيدنه وصار يطلق علينا هنود الخليج لا أعتقد بأن هناك تهميش أكبر من ذلك والله يا سيدنه يحترق القلب ألف مرة ولكن نعتمد على الرجال من أمثال الشيخ على سلمان وأمثالك فأنتم من تعيدون الحياة وأنتم الشمعه التي تحرق نفسها لتضيء للآخرين وقولي في ذلك, يرونه بعيداً ونراه قريب, فإمضي في أنت ماضٍ ولا يغرنك الغرور يا سيدنه فأنتم القاده ونحن التابعون فبئساً لمجتمع ماتت فيه الكلمات الصحيحة
      فإعتبروا يا ألوا الألباب.

    • زائر 7 | 3:21 ص

      سيدنا شنو هالانتقائية والمزاجية عندكم

      تركزون على شىء ولا تملون منه وعندما نكتب تعليقاتنا تحذفونها فلماذا خصصتم هذه البروشيه للدعاية انكم حرين بتعبيراتكم لكنكم لاتتمالكون سماع وجهة نظر مغايرة لكم ليس لديكم جميعا رحابة وسعة صدر لتقبل الاخر مطلقا جميعكم دون استثناء ممن تدعون -والامر الاخر اليس انكم مسلمون والا اصبحتم كفارا يهود اليست قضية الاقصى الان وفلسطين وتهويد بيت المقدس وفتح كنيس صهيونى بقبة بيضاء متضادة مع قبة الخرة لاتهمكم بشىء عجبى على امة ماتت من سباتها ولم تفقه شيئا كلامكم طلامس بفلوس فلا تنطقوا عربي

    • زائر 6 | 3:08 ص

      لو كان الفقر رجلا لقتلته

      لو كان الفقر رجلا لقتلته هذه مقولة امام المتقين كما يقول الشرقاوي ، وهناك مقولة لابي ذر الغفاري : اعجب من لايجد قوت يومه خارجا شاهرا سيفه كذلك كلام لملك المنبر د. الوائلي رحمة الله عليه : لاتطلب من معده خاوية صلاة او صوم يعني كما قال امامه الفقر = الكفر . واتعجب من الحكام كيف يتفنون من اخراج الناس من الاسلام الى الكفر بأساليب ماانزل الشيطان بها من سلطان .

    • زائر 5 | 12:48 ص

      ما أشرس الصراع على لقمة العيش

      ما أشرس الصراع على لقمة العيش

    • زائر 4 | 12:46 ص

      الجهد الضائع في بلادنا

      أحي فيك هذه الروح المعطاءة وأقول لك انظر أمامك يا سيد وعلى كل جوانب وستراني أنا واحداً من هؤلاء الناس ( الطبقة الوسطى) الذين الكثير من وقتهم وأموالهم للتطوير في وزارة الأشغال ولم أحصل لحد الأن على الترقي كما يحصل لمن هم لا يستطيعون أن يجارونا في تنفيذ الكثير من مشاريع الدولة!!!
      طبعاً هذا يأتي كما يقال في وزارة وزير من الدرجة الأولى كما تقول الصحافة في عطاءته وإذا أردة فأنا على أتم الإستعداد أن أوافيك بالكثير فقد رد على هذا الرد

    • زائر 3 | 12:43 ص

      تدمير الوطن

      """الشريحة المتعلمة تعليما عاليا، وما ينالها من تهميشٍ وإهمالٍ، في المجتمعات القبلية التي تعلي من شأن الروابط العائلية والقبلية، على حساب الكفاءات والمصلحة العامة""".ماذا نقول نحن؟ إهمال وتهميش وتمييز وتجنيس.....وتحكم الروابط العائلية والقبائلية كل ذلك ضد مصلحة الوطن وتعمل على تدميره ونخره من الداخل.

    • زائر 2 | 12:39 ص

      الزود عندنا

      عندنا الزود يا سيد. ليس فقط تهميش اصحاب الشهادات العليا بل اصبحوا يحاربون كل من هو بحريني. حتى خريجي الجامعات الذين نحتاج لهم يبقون عاطلين ويتم جلب اجانب للتدريس في نفس التخصصات.

    • زائر 1 | 9:48 م

      وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

      شكراً سيدنا على المقال، ولكن هو أحيل على التقاعد مبكراً، بلادنا لا تقاعد فيها بل إهمال وعدم اهتمام وعدم مبالاة لأمثاله من حملة الشهادات العليا وأقرب مثال الأستاذ الدكتور ياسر علي طاهر الذي جاء من الصين بشهادة الدكتوراه وهو يدرس في إحدى جامعاتها ليجعلوه مدرساً على الدرجة الثالثة حتى يموت كمداً ويستقيل؟ ها هي المفارقات بين الأوطان.

اقرأ ايضاً