العدد 2746 - السبت 13 مارس 2010م الموافق 27 ربيع الاول 1431هـ

الحوار الياباني الإسلامي: الأهداف والتطلعات

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

منذ أواخر القرن العشرين برزت ظاهرة الحوارات الدولية، وارتبطت تلك الظاهرة بعوامل ثلاثة، أولها: الثورة النفطية الهائلة لدى دول الخليج وحاجة الدول الأخرى للنفط كمصدر رئيس للطاقة وللأموال التي يدرها للاستثمار، ولأسواق الخليج لتصريف المنتجات.

ثانيها: تعثر حل القضايا الخاصة بالشرق الأوسط لتعقيداتها ولضعف إرادة دول المنطقة وتشتت مواقفها بل وتعارضها.

ثالثها: بروز العمليات الإرهابية والتي بلغت ذروتها في أحداث 11 سبتمبر 2001، وما أدت إليه من تشويه صورة العرب والمسلمين، بل والإسلام على نطاق عالمي.

إزاء ما سبق استخدمت القوى الغربية والقوى الآسيوية والقوى العربية ظاهرة الحوار، كل يسعى لتحقيق أهدافه وتنوعت السبل والمسميات حسب الإطار الجغرافي والثقافي.

في هذا السياق كله، جاءت مبادرة وزير خارجية اليابان الأسبق كونو بطرح مفهوم الحوار الياباني الإسلامي أثناء جولة له بدول الخليج في العام 2001، وساند الدعوة على الفور وزير خارجية البحرين آنذاك الشيخ محمد بن مبارك ومن ثم انطلقت المبادرة المشتركة من اليابان والبحرين لتعقد أول دورة لها في المنامة عاصمة مملكة البحرين في العام 2002، ومنذ ذلك الحين عقدت المبادرة الحوارية ثماني جولات في العواصم التالية وهي المنامة، طوكيو، طهران، تونس، طوكيو، الرياض، الكويت، طوكيو سنويا على التوالي.

اتسمت جولات الحوار هذه بعدد من السمات، أولاها: انها محدودة العدد بالنسبة للمشاركين من الدول الإسلامية وثانيها: انها اقتصرت في معظم تلك الجولات على نخبة من الأكاديميين والمثقفين، وثالثها: انها بصفة عامة ركزت على المفاهيم الثقافية والأطر العامة ذات المبادئ المشتركة، ورابعها: انها في معظم الحالات كانت تنتهي بدون بيان مشترك وبدون خطة عمل محددة، وإن كانت بعض الجولات مثل جولة الرياض ثم الكويت صدر عنها بيان مشترك، كما انها ركزت على مسألة حوار الثقافات في جولة الرياض، وعلى قضية البيئة في جولة الكويت، وخامسها: ان الدولة المستضيفة في معظم الحالات كانت تسعى لاستخدام المؤتمر لخدمة أهدافها الدعائية، في حين أن الدولتين صاحبتا المبادرة سعتا للحد من ذلك، والتركيز على القواسم المشتركة، والبعد عن الجانب الدعائي بقدر الإمكان. وسادسها: ان صيحات من بعض المثقفين كانت تظهر عبر جولات الحوار السبع الماضية تطالب ببلورة خطة عمل، وبالتركيز على التعاون الاقتصادي والتكنولوجي، وبفتح جولات الحوار بدرجة أكبر للإعلام والمجتمع المدني، ولكن مثل تلك الدعوات كانت تتوارى تحت الاتجاه العام بالاحتفاظ بالطابع النخبوي للحوار، وسابعها: ان جولات الحوار كانت بمثابة شراكة فعلية بين ممثلي وزارات الخارجية في عدد من الدول المشاركة وبخاصة الدولتين صاحبتي المبادرة والدولة المضيفة، وبين النخبة الأكاديمية والفكرية في هذه الدول الثلاث.

ومع التغير الجذري الذي حدث في اليابان بتولي حكومة جديدة من الحزب الديمقراطي الذي فاز في انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة كعادة اليابان، وهزيمة الحزب الديمقراطي الليبرالي الذي ظل يحكم اليابان منذ نهاية الحرب العالمية، نقول مع هذا التغير ومع بروز نخب من دول إسلامية جديدة تشارك بفاعلية في الحوار، ومن منظور مختلف عن ذلك الذي بلوره المشاركون الأوائل في الحوار، نقول إن ذلك أعطى جرعة قوية لدعاة أحداث تغيير في فلسفة الحوار، وأهدافه ومنهجه وأطره. وبرز ذلك بوضوح في لقاءات واتصالات ومداخلات وزارة خارجية اليابان أثناء إعدادها للدورة الثامنة في طوكيو التي عقدت من 22 - 24 فبراير على أساس جديد وهو يومي اجتماعات رسمية ويوم اجتماعات ولقاءات تمهيدية، ركزت على مشاركة شباب وشابات من الدول الإسلامية واليابان، ثم شارك هؤلاء جميعا في جلسات الحوار الرسمية بفاعلية أكبر مما حدث في الدورات السابقة.

وتمخض الحوار لأول مرة عن ثلاثة تطورات جديدة، الأول: مشاركة أكبر للمجتمع المدني سواء من الشباب أو الإعلام أو منظمات غير حكومية، الثاني: تخصيص جلسة للبحث المعمق في القضايا الاقتصادية والاجتماعية، الثالث: انفتاح بدرجة أكبر في عملية الحوار والنقاش وفي البروز الإعلامي.

وكان الموقف الياباني مؤثرا في التطور الجديد، وواجهت اليابان أو بالأحرى وزارة الخارجية اليابانية موقفا مختلفا في نظرة حكومتها للحوار الياباني الإسلامي بنوع من التساؤل عن جدوى الحوار وأهدافه ونتائجه، وأثر ذلك في الميزانية المخصصة لاستضافة الوفود، وفي إحداث نوع من التساؤل هل جولة طوكيو هي الأخيرة في هذا الحوار الذي استمر تسعة أعوام ومن الذي يستضيف الجولات القادمة إذا تقرر عقد مثل تلك الجولات؟ وكيف يمكن وضع برنامجها؟ ومن ثم ضرورة التوقف لإعادة التقييم حول كل تلك الموضوعات. ولكن فوجئت اليابان بأمرين ربما كانت تأمل في حدوثهما وربما لم تكن تتوقعهما. الأول: تقدم ثلاث دول لاستضافة الجولات القادمة، وهي الإمارات ماليزيا ومصر، وهي دول معظمها لم يكن يشارك منها خبراء وباحثون ومفكرون في معظم جولات الحوار السابقة. أما الأمر الثاني: فهو إصرار معظم الوفود المشاركة على أن هذه الجولات الحوارية نجحت بالفعل في التقريب بين اليابان والدول الإسلامية، وإن معظم المشاركين شعر بأنه أصبح يفهم الطرف الآخر بدرجة أكبر أي أنها عززت وعمقت فهم اليابان للحضارة الإسلامية، كما عمقت فهم المشاركين من الدول الإسلامية للحضارة اليابانية. ومن ثم اتفق الجميع على ضرورة استمرار هذا الحوار في المستقبل، مع أهمية إعادة تقييم أسلوبه وأطره وآلياته، بما يتماشى مع التوجه نحو مزيد من الانفتاح على المجتمع المدني، ومزيد من الشفافية الإعلامية، والتركيز بدرجة أكبر على القضايا الملموسة في علاقات الطرفين مثل الاقتصاد والتجارة والتبادل الطلابي والعلمي والثقافي والتكنولوجي، والإقلال من جرعة المفاهيم العامة مثل كرامة الإنسان، والقيم الإنسانية ونحو ذلك وهي مفاهيم يتفق عليها الجميع، ولكنها لا تقدم ردا حقيقيا للشعوب، ولصانع القرار الذي يتساءل بمنظور ومقياس حديث عن حجم التبادل التجاري، وحجم التعاون التكنولوجي، ومدى مساهمة اليابان في مساعدة الدول الإسلامية على الحد من حالة الفقر، أو من مخاطر البيئة أو العمل على نقل التكنولوجيا أو المساهمة في تسوية النزاعات المزمنة التي تهدد أمن وسلام البشرية. وهكذا يمكن اعتبار جولة طوكيو الثامنة للحوار الياباني الإسلامي انطلاقة جديدة لمبادرة الحوار.

ولنا مجموعة من الملاحظات العامة بخصوص تلك الجولة:

الأولى: ان اليابان تأثرت بوجه عام بفلسفة وسلوكيات الحضارة الغربية بالنسبة لاستقبال الوفود واستضافتهم فهي تحسب كل شيء بمقدار، ولا تعطي مسائل الضيافة والعلاقات العامة أولوية حقيقية، وهذا ما يحدث في معظم الدول الغربية، ولكن الدول الإسلامية غير معتادة على ذلك، فهي تعطي مسائل الضيافة والعلاقات العامة أولوية لأنها تعبر عن حضارتها، ورغم جولات الحوار الثماني فإن هذا الحاجز الحضاري لم يتم التغلب عليه وبقي الطرفان كل في موقعه التقليدي.

الثانية: مساهمة مصر في الحوار، فرغم أنها لم تمثل في عدد من جولات الحوار رسميا ولا أكاديميا، فإنها كانت حاضرة من خلال شخصيات مفكرة وأكاديمية مصرية تعمل في دول عديدة.

الثالثة: ان جولة طوكيو وضح فيها بشكل بارز دور السفير المصري وليد عبدالناصر في ترؤسه لإحدى جلسات المؤتمر، وفي مداخلاته في الجلسات الأخرى، وفي متابعته شخصيا، وبعض أعضاء السفارة لأعمال المؤتمر، سواء على المستوى الرسمي أي يومي المؤتمر، أو في يوم إعداد الشاب أي اليوم السابق على المؤتمر، وهكذا عبر السفير المصري عن التقاليد الدبلوماسية العريقة التي تتلاشى حاليا بكل أسف.

الرابعة: ان بعض المشاركين في المؤتمر كان يعكس رؤية ضيقة في النظرة لمفهوم الإسلام فأثار البعض مسائل الحجاب والنقاب في بعض البلاد الإسلامية أو الغربية وقارن بين ذلك وبين اليابان، متهما الحكام المسلمين وبخاصة في بعض الدول العربية بالدكتاتورية والاستبداد. ولكن معظم المشاركين عبروا عن فكر حضاري متوازن يعكس فلسفة الحوار ومبادئ الإسلام الأصيلة، واحترام الآخر المختلف دينيا وثقافيا واجتماعيا وعرقيا، ويدعو لتخليص العقل الإسلامي مما ران عليه من ظلمات في عصور التخلف حتى يتسنى للمسلمين أن يلحقوا بركب التقدم ولا يهمشون أنفسهم في القرن الحادي والعشرين.

الخامسة: دور وفد مملكة البحرين الرسمي (من وزارة الخارجية أو سفاراتها) وغير الرسمي من مركز البحرين للدراسات والبحوث. وربما كان ذلك أكثر بروزا في المداخلات وفي توزيع إصدارات المركز والمؤلفات التي تعبر عن هموم المسلمين الفكرية والثقافية وعن الاقتصاد الإسلامي والبنوك الإسلامية والرؤى الاستراتيجية والدراسات الاستراتيجية.

والواقع ان الحوار الياباني الإسلامي يمثل أداة مهمة من أدوات الدبلوماسية اليابانية والبحرينية، وينبغي من هذا المنطلق الحفاظ عليه وتطويره وتعزيز التنسيق بين الدبلوماسيين من وزارات الخارجية والمفكرين والباحثين والأكاديميين في تناغم يحقق الأهداف المرجوة من الحوار لمصلحة اليابان والعالم الإسلامي في تعميق التفاهم وبناء العلاقات على ركائز ملموسة ومتينة

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2746 - السبت 13 مارس 2010م الموافق 27 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً