الجميع بانتظار ما ستُفرزه النتيجة الانتخابية العراقية النهائية. فهي المُحدّد الجديد لمستقبل العراق. وبِغَضّ النظر عن مساعٍ سابقة هَندَسَتْ من شكل الانتخابات، أو أنها جرت كفُروض الديمقراطية الصحيحة، فإن الأهم الآن هو الحديث بصوت مرتفع للتحذير من آفة مريعة، هي عادة ما تضرب هياكل الدول كالدُّمَّل، حين تتبدّل الأنظمة بالتغيير السريع. الحديث هو عن آفة الفساد بالتأكيد.
عندما انهارت الدولة العراقية وجيشها وقواها الأمنية بموجب القرار رقم (2) في 23 مايو/ أيار من العام 2003 والذي أصدره الحاكم السياسي الأميركي بول بريمر، أصبحت المرافق والخدمات المدنية والعسكرية للعراق تُدار عن طريق شخص بريمر حصرا. وكانت التكليفات الصادرة عنه، تذهب باتجاه أفراد المعارضة العراقية بشتّى أطيافها الإسلامية والعلمانية، والتي تسنّمت مقاليد الحكم الأوّلي بعد السقوط.
وكانت تلك الآلية (البريمريّة) ذات القناة الواحدة وغير المزدوجة وغير المتعددة، والتي لا تخضع لبيروقراطية إدارية شفافة كفيلة بأن يفقد العراق حينها أكثر من ثمانية مليارات من الدولارات في فترة زمنية قياسية. ذهبت بعضها على شكل رشا شخصية، وبعضها على شكل عطاءات تعيد تمركز بعض القوى الجديدة في قوس السلطة الناشئة، وتُقزّم أكثر من قوى منافسة أخرى.
ضرَب الفساد حينها في أعلى قمّة الهرم وقاعه. وأصبح موظّفون عامّون من رتب وزراء وحتى صغار الموظفين والمأمورين، والميليشيات المُسلّحة (وبعض الجهات التي لا يُمكن تسميتها) يملكون ما لا يملكه أحد في جوارهم القريب أو البعيد. لك أن تتخيّل أن مُقدّرات بلد تتجاوز مساحته 438.318 كم، ويمتلك أهم آبار النفط في العالم، ولديه أصول وأموال في الخارج يُصبح بين عشيّة وضحاها في وسط نظام إداري يُديره مُحتل ومعارضة سياسية موتورة.
لقد بدأت الأموال تُجبَى لأصحاب النفوذ والقوّة، في الجيش والداخلية، وتمكّن أفراد عديمو الوعي بالعمل الأمني والعسكري، ونيلهم رتبا عالية لا ينالها إلاّ من اجتاز دورات مُكثّفة في الجامعات العريقة، وتمرّس بما يكفي في الجبهات، وخاض جزءا لا بأس به من المعارك الحربية الحامية. كانت تلك الرّتب كفيلة بأن يُقرّر أصحابها من القرارات ما يمنحهم امتيازات هائلة.
ثم أتبِعَ ذلك في مسار آخر بولاية الأحزاب العراقية على شئون السياسة والاقتصاد. وأصبحت شخصيات تابعة لتيارات وأحزاب وحركات تتنفّذ رويدا رويدا على شئون البلد. ولأن العراق كان يمرّ بمخاض عسير بعد التغيير، فقد كان ضبط الأحزاب لمنتسبيها متراخيا، يساعده في ذلك سطوة المجتمع الانتقالي الذي أعقب السقوط، والذي عادة ما يُفضي إلى سياسة غير مُتّزنة وغير ملتزمة في آن.
لذا فإنه ومن غير المُستغرب أن يُرشَّح العراق كثاني أكثر الدول فسادا بعد الصومال من بين 180 دولة طبقا لمقرّرات منظمة الشفافية الدولية. فهيئة النزاهة العراقية ومنذ إنشائها في العام 2008 نَظَرَت في 17610 حالة فساد. و1295 قضيّة من هذا النوع عُرِضت على قضاة تحقيق، الذين بدورهم باشروا 937 منها. وحُوكِم زهاء الـ 400 منتسب للدولة من أعلى وأدنى المستويات (بينهم خمسة وزراء).
ورغم ذلك صَدَرَ عفو في 2772 قضية فساد في العراق بعد اقتصاره على الاختلاس، بعض منها (أي القضايا) تجاوزت قيمتها الأربعة مليارات دولار في وزارة الدفاع العراقية وحدها! هذه مصيبة (راجع تصريحات رحيم حسن العكيلي في ذلك). بالتأكيد لا يُمكن القول بأن هيئة النزاهة في العراق لا تعمل، لكنها أنْجَت أفرادا كانوا محلّ إدانة واضحة، وكان يُمكن محاكمتهم.
في مثل هذه الظروف وهذه الأرقام، تصبح الرقابة على هذا الملف من أوكد الواجبات. ما شاهدناه بعد سقوط بغداد، أن هذا البلد يضمّ جوقة قوية ومتماسكة من القضاة والحقوقيين، سواء في الداخل أو الخارج. وبالتالي فإن الاستعانة بهذا المجموع سيُعطي العراق حصانة ضد عمليات الفساد. ويُعطي مزيدا من الاطمئنان لعمليات الاستثمار فيه.
الحكومة العراقية التي ستتشكّل بعد أشهر أو أسابيع قد لا تكون أولويتها الأولى إلاّ قضية الفساد والفاسدين. لأن هذا الملف إن لم تتم معالجته، فإن الثقة لا يُمكنها أن تُبنَى ولا تستقر في شعور وأذهان العراقيين تجاه نظامهم. هذه هي القضية الأهم بعد الأمن إن لم تكن قبله حتى.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2745 - الجمعة 12 مارس 2010م الموافق 26 ربيع الاول 1431هـ
ما فيه أمل
العراقيون ما يقعدون راحة
بهلول
لقد سبقناهم والبحرين دائماً سباقة !
فنحن الآن "بحرين بلا بحر" و قريباً جداً "بحرينيون بلا بحارة"
والسبب في ذلك " ما أكثر السراق حين تعدهم و لكنهم في النيابات قليل "