اتهم الكثير من الدنماركيين، صحيفة «بوليتكن» اليومية الواسعة الانتشار في البلاد، التي أبدت «أسفها الشديد» لجرح مشاعر المسلمين حول العالم، بسبب نشرها رسوما مسيئة للنبي محمد (ص) في العام 2008، تسببت في غضب العالم الإسلامي برمته على الدنمارك، بالخضوع «لتهديدات - الإرهاب - والتضحية بحريات التعبير»، التي تعتبر ركنا أساسيا من ركائز الحريات الديمقراطية في البلاد.
وأكد رئيس نقابة الصحف الدنماركية، للصحافيين: «إن قرار الاعتذار الذي صدر عن صحيفة بوليتكن، في 26 فبراير/ شباط 2010، بعد التسوية التي توصلت إليها مع المحامي السعودي فيصل زكي يماني، الذي يتولى الدفاع عن ثماني جمعيات إسلامية تمثل 94 ألفا من أحفاد النبي محمد، في ثماني دول إسلامية، هو قرار منفرد، ولا يمثل جميع الصحف الدنماركية المنضوية تحت راية الجمعية».
وجاء في رسالة الاعتذار، التي نشرتها الصحيفة: «إن صحيفة بوليتكن، تأسف للإساءة البالغة التي لحقت بالمسلمين حول العالم، بسبب قرارها بنشر 12 رسما كاريكاتيريا للنبي محمد، لكنها في الوقت نفسه تحتفظ لنفسها بحق إعادة نشر الرسوم عندما تتطلب الضرورة ذلك».
وعلى رغم اعتذار الصحيفة الذي وصفته بعض الأوساط الاجتماعية والسياسية الدنماركية، بأنه كان بمثابة «مدخل لكسر مشاعر كراهية غالبية المسلمين إلى الدنمارك» بسبب الرسوم المسيئة، التي استمرت على مدى خمس سنوات، وأشعلت لهيب التنافر والتباعد الثقافي والاقتصادي مع العالم الإسلامي، والذي استطاع أن يُضعف بحسب المحللين، بعض الشيء من النقمة الإسلامية التي تصاعدت، بعد إصرار أكثر من صحيفة دنماركية واسكندنافية على إعادة نشر الرسوم، بعد كشف السلطات الدنماركية عن مخطط محاولة الاغتيال الأخيرة، التي كانت تستهدف حياة رسام الكاريكاتير في صحيفة «يولاند بوستن - أول صحيفة نشرت الرسوم المسيئة» كورت فيستر غورد، الذي لا يزال يعيش متخفيا تحت حماية الأجهزة الأمنية، من قبل أحد المتشددين الإسلاميين في الدنمارك، وأن خطوة كهذه يمكن أن تمهد الطريق لمصالحة حقيقية بين الدنمارك والعالم الإسلامي، فإن إصرار الصحيفة على أنها «ليست نادمة على نشر الرسوم في وقت سابق»، واحتفاظها لنفسها بقرار «إعادة النشر كلما اقتضت الضرورة ذلك»، قد يعقد الأزمة بدلا من معالجتها، وقد يعطيها صفة «الوضع المؤقت» الذي يمكن أن ينفجر في المستقبل.
فمن دون «مداخل حقيقية» تفضي لمصالحة جوهرية - بحسب محللين دنماركيين - بين الدنمارك والعالم الإسلامي، تضع النقاط المشتركة على حروف التفاهم التام والبناء بين طرفي الخلاف، فإن هذه الأزمة ستتخذ مسارات جديدة وخطيرة على مستوى العلاقات الثقافية والاقتصادية المتوترة أصلا منذ سنوات، لا يمكن أن تعترض طريقها أية حلول تجميلية، على شاكلة رسالة «الاعتذار السلبي» التي وجهتها صحيفة «بوليتكن» إلى المسلمين، من دون أن تدرك مكامن الخطر الذي قد تسببه مقولة «حقها بإعادة نشر الرسوم مرة ثانية عندما تقتضي الظروف ذلك»، وخاصة بعد ما وجدنا أن نص هذه الرسالة قد أثار زوبعة سياسية وإعلامية، ليس في الساحة الدنماركية فحسب إنما أيضا طالت الإعلام الاسكندنافي برمته، وخاصة في النرويج التي انتقدت معظم صحفها خطوة «اعتذار» الصحيفة الدنماركية وتجاهلها شأنا أساسيا من أسس الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وكرد فعل على «اعتذار» الصحيفة للمسلمين عن الإساءة بحقهم، أعاد حزب الشعب الدنماركي اليميني والأكثر تشددا تجاه الأجانب والمسلمين، نشر الرسوم المسيئة، على موقعه الالكتروني، في اليوم التالي مباشرة، في خطوة تبدو أنها تحدٍّ صارخ لكل المحاولات، التي بُذلت من أجل المصالحة بين الدنمارك والعالم الإسلامي.
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 2745 - الجمعة 12 مارس 2010م الموافق 26 ربيع الاول 1431هـ