طرح رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض بصراحة ووضوح قضيته لبناء دولة فلسطينية أمام الزعماء الإسرائيليين السياسيين والعسكريين، فهتفوا له.
جرى عرض الموقف الفلسطيني الجديد حيال كيفية إنهاء الاحتلال الذي بدأ في العام 1967، بشكل كامل وواسع خلال خطاب الرئيس فياض في مؤتمر هرتزيليا في «إسرائيل» مطلع الشهر الماضي، وكان له وقع كبير على جمهوره الإسرائيلي.
بوجود تقارير حول «محادثات تقارب» بين الإسرائيليين والفلسطينيين سوف تبدأ قريبا، يجب الانتباه إلى ملاحظات الرئيس فياض والطريقة التي استقبلت بها.
لم يخفِ الرئيس فياض شيئا عند طرحه وجهات النظر الفلسطينية أمام الزعماء الإسرائيليين. نادى وبحزم بتجميد الاستيطان، وأصرّ على وجوب كون الدولة الفلسطينية ذات سيادة كاملة وقابلة للبقاء، عاصمتها القدس الشرقية، مؤكدا أن هدف الحركة الوطنية إيجاد دولة كهذه تعيش إلى جانب «إسرائيل» بسلام وأمن. ورغم أن بعض الفلسطينيين والعرب انتقدوا فياض لمشاركته في مؤتمر إسرائيلي حول الأمن، إلا أنه حصل على دعم كبير جدا من العديد من الفلسطينيين بناء على مضمون ملاحظاته.
اقترح فياض، مرتكزا على سجل من الأداء والمصداقية، وعلم بتغيرات السياسة الإسرائيلية مثل التزام أعيد تأكيده بحل الدولتين وتخفيض عدد نقاط التفتيش وتعاون أمني، اقترح في خطابه الإنشاء الفعلي لدولة رغم الاحتلال، مع تفاهم بأنه إذا أصبحت تلك الدولة حقيقة لا يمكن إنكارها فإن الاعتراف الرسمي بوجودها ونهاية الاحتلال سوف يكونان أمرين يصعب مقاومتهما.
ظن فياض أنه ذاهب إلى حلقة حوار، فوصل إلى المؤتمر دون نص معدٍ مسبقا. عكست ملاحظاته المرتجلة المنطق النهجي للسياسات الجادة التي يقصد بها إنهاء النزاع وعدم الحديث عن إنهائه.
كان فياض منذ أغسطس/ آب الماضي عندما تبنت وزارته خطة رسمية لبناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال بهدف إنهاء الاحتلال، كان نقطة التركيز في عملية التحوّل داخل الحركة الوطنية الفلسطينية. قام وبدعم من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وزملائه في الوزارة بإعادة توجيه الطاقات الفلسطينية باتجاه برنامج حكومي واجتماعي بنّاء يهدف إلى إرساء قواعد إنشاء الدولة الفلسطينية.
يبدو العديد من الإسرائيليين غير متأكدين كيف يتوجب الردّ على هذا التطور غير المتوقع. أعرب أقصى اليمين الإسرائيلي وحركة المستوطنين عن معارضتهم الغاضبة بشكل واضح وضوح الشمس، وشجبوا الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز لمقارنته بين الرئيس فياض وديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي.
كان الجمهور الذي هدف إليه الرئيس فياض في الواقع هو مؤسسة الأمن الوطني الإسرائيلية، التي تفهم أن اتفاقية سلام مع الفلسطينيين تشكل ضرورة استراتيجية لـ «إسرائيل»، ولكنه لم يرَ أسلوبا ممكنا لتحقيقها. يوفر توجهه أسلوبا لكلا الشعبين لاستبدال صدام قبلي يهدف إلى الأخذ بالثأر بنموذج جديد يحترم حقوق الطرف الآخر الوطنية وطروحاته.
كانت رسالة فياض واضحة: نستطيع وسوف نعمل على بناء دولتنا إعدادا لإنهاء الاحتلال، دون أن نطلب إذنا بذلك. أصَرَّ فياض في رده على انتقادات بأن برنامجه أحادي الجانب، على أنه يجب أن يكون كذلك، لأنه إذا لم يبنِ الفلسطينيون دولتهم بيدهم، «فمن الذي سيفعل ذلك لنا؟»
استشهد رئيس الوزراء بعدد من الأمثلة عما يعنيه ذلك على أرض الواقع، بما في ذلك أكثر من ألف مشروع تطوير مجتمعي تم إنجازها حتى الآن، وإيجاد نواة بنك مركزي فلسطيني وأداء الخدمات الأمنية الفلسطينية الجديدة.
كان لرئيس الوزراء فياض وللرئيس عباس وزملائه من الوزراء الرؤية والشجاعة لدفع الحركة الوطنية الفلسطينية نحو مرحلة جديدة تحتضن مسئوليات الحكم الذاتي بينما تستمر في الإصرار على حق تقرير المصير. في هرتزيليا أصغت «إسرائيل».
إلا أن الفلسطينيين لن يتمكنوا من تحقيق هذا البرنامج الطموح والذي يحمل في طياته إمكانات التغيير وحدهم. سوف يتطلب ذلك جهدا عالميا مستداما لتوفير الدعم المالي والفني للسلطة الفلسطينية، والحماية السياسية التي ستكون مطلوبة حتى يتحقق النجاح. لدى إدارة الرئيس أوباما واللجنة الرباعية والحكومات العربية والحكومة الإسرائيلية خطة بناء دولة في فلسطين. هذا هو وقت العمل أمامهم.
يقوم الفلسطينيون الذين يقدرون المسئولية، من خلال تحويل انتباههم نحو إنشاء الإطار الإداري والهيكلي الأساسي لهذه الدولة، بالقيام بدورهم لبناء الهيكل الأساسي للسلام. وهم يقومون بتمهيد طريقهم أمام شعوب الشرق الأوسط ليعيشوا بسلام وأمن وكرامة للجميع.
* رئيس فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين، وهو أيضا عضو في المجلس الاستشاري لمنظمة البحث عن أرضية مشتركة، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2744 - الخميس 11 مارس 2010م الموافق 25 ربيع الاول 1431هـ
