إنني أعتقد أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو أكبر عائق أمام إنهاء الكراهية بين المسلمين واليهود. ورغم أن هذا الخلاف يتعلق بشكل أساسي بتوزيع الأصول وقوة السيطرة على عملية اتخاذ القرار، إلا أنه يُطرح في الكثير من الأوقات على أنه نزاع ديني. واستخدمت الأطراف المتناحرة في أكثر الأحيان تفسيرات خاطئة أو خارجة عن مضمونها لدياناتهم لإضفاء الشيطانية على الآخر وتقديم تبرير لعدم سعيها لتحقيق سلام عادل.
يُعتبر ذلك أمرا غاية في التضليل من وجهة نظر إسلامية، إذ إن القرآن الكريم يعطينا عددا من المبادئ والطروحات القوية التي تدفعنا باتجاه العدالة والسلام والوئام المجتمعي. لذا فإنني أعتقد أنه رغم أن الدين لا يشكل المشكلة الرئيسية في «إسرائيل»/ فلسطين، إلا أنه جزء أساسي من الحل.
يتّحد المسلمون واليهود، حسب الكتب الدينية، عبر إرث النبي إبراهيم المتجسّد في «الأخلاقيات الإبراهيمية» والتي هي في جوهرها عقيدة توحيدية تؤكد الحرية والمساواة والأخوّة الإنسانية. يكرّر القرآن الكريم وبشكل متواصل أن مهمته هي إعادة ترسيخ هذه الأخلاقيات، وأن النبي محمد (ص) وجميع الأنبياء الذين سبقوه إنما جاؤوا ليفعلوا ذلك: «إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي (محمد) والذين آمنوا والله ولي المؤمنين» (68:3).
يعرّف الإسلام نفسه ليس كدين محمد وإنما دين الله تعالى، الذي أسّسه النبي إبراهيم أصلا. انطلاقا من هذا الإرث المشترك، يُشار إلى اليهود (وكذلك المسيحيين) بصفة خاصة في القرآن الكريم، وهي «أهل الكتاب». ويؤمن المسلمون أن الله تعالى أرسل للشعب اليهودي كتبا دينية تحتوي على تعاليم رسالته الإلهية من خلال أنبيائه. لذا فهم يملكون الديانة الحقيقية. يعني إنكار ذلك مناقضة القرآن الكريم، الذي لا يعترف بأوجه الشبه بين اليهود والمسلمين فحسب، وإنما يعرّف الإسلام من خلالهم. «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم، وقولوا آمنّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم إلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون» (46:29). يعني هذا التوحّد أنه رغم أن الخلافات موجودة بيننا بالتأكيد، إلا أنها ليست سوى خلافات بين أفراد الأسرة الواحدة.
ينتقد القرآن فعلا اليهود لفشلهم في التمسّك بالتوراة وللقانونية الزائدة والسلطوية المبالغ بها من قبل بعض الحاخامات. لقد جرى التلاعب بهذه النصوص وغيرها ببراعة لوصم اليهود واتهامهم عن غير وجه حق بالمشاكل المعاصرة. إلا أنه لا توجد هناك انتقادات وجهها القرآن الكريم لليهود لم يوجهها اليهود أصلا لأنفسهم أو لتقاليدهم. إضافة إلى ذلك، لا يستطيع مسلم إنكار أن العديد من هذه الأخطاء هي عالمية بطبيعتها، ونقاط ضعف موجودة في أي مجتمع ديني، بما فيه مجتمعنا المسلم. واقع الأمر هو أن القرآن الكريم لم يُدِن في يوم من الأيام شعبا معينا، إذ إن الآيات القرآنية تتواجد دائما إلى جانب تلك التي تبرئ المؤمنين الصالحين.
لذا فإن تكليفنا هو عدم التسبب بانقسام مجتمعاتنا إلى فصائل معادية بسبب الدين، تماما كما فعل البعض. مازال نداء الله تعالى في القرآن الكريم لليهود والمسيحيين، إضافة إلى المسلمين، صحيحا ووثيق العلاقة وضروريا اليوم كما كان عندما أُنزل للمرة الأولى قبل حوالي أربعة عشر قرنا من الزمان: «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله» (3:64). توفر هذه الآية وغيرها إلهاما معمّقا للحوار والتعاون، وفي نهاية المطاف السلام.
يقدّم الحوار، وهو الخطوة الأولى، الفرصة لكشف الأرضية المشتركة للقيم والأهداف المشتركة التي يرن صداها في كل من عقائدنا ويشكّل روابط شخصية وعلاقات من الثقة، والتي تحمل في طياتها إمكانات تفعيل جهود تعاونية. أدافع أنا شخصيا عن حوار كهذا يتوجه نحو العمل وينتقل إلى ما وراء الكلام.
يتوجب على المنظمات المسلمة واليهودية أن تبني التحالفات لتتشارك في السلام. ورغم أنه يجب أن يحصل ذلك ضمن قطاعات متعدّدة، إلا أنه من الحاسم بشكل خاص أن يحصل على مستوى القيادة الدينية - بين الحاخامات والأئمة وبين الناشطين على أسس دينية.
تستطيع هذه الصداقات والشراكات بالذات أن تساعد على تحقيق السلام العادل لـ «إسرائيل» وفلسطين والمنطقة على اتساعها، وتستطيع إضافة إلى ذلك أن تحوّل العلاقة بين المسلمين واليهود في كافة أنحاء العالم.
يمكن لعمل كهذا باتجاه التحوّل أن يستنبط إلهامه من الفترة المثيرة للإعجاب لخلافة قرطبة في ما يسمى بإسبانيا اليوم. كانت قرطبة في فترة قمّتها في القرنين العاشر والحادي عشر أكثر المجتمعات تنوّرا وتعدّدية وتسامحا على الأرض، تمتع فيها المسلمون واليهود بعلاقة خاصة. تستفيد منظمتي الخاصة، «مبادرة قرطبة»، من هذا الإرث لأن تحوّل مرة أخرى العلاقات اليهودية المسلمة نحو التعاون حول قيمنا ومصالحنا المشتركة. نحن نعمل على استغلال نموذج قوي لشراكة موجهة نحو العمل، ترتكز على العقيدة والإيمان، لإيجاد نقطة تحوّل في العلاقة بين العالم المسلم والغرب خلال العقد المقبل، بما في ذلك في مضمون «إسرائيل» وفلسطين. أعتقد أن هذا هو تكليفنا الإبراهيمي.
* رئيس «مبادرة قرطبة» التي تعمل على تحسين العلاقات بين المسلمين والغرب، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2743 - الأربعاء 10 مارس 2010م الموافق 24 ربيع الاول 1431هـ