صدر مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يتناول سيرة المناضل البحريني أحمد الشملان بعنوان «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» من تأليف زوجة المناضل الشملان فوزية مطر. صدر الكتاب في 1024 صفحة من القطع الكبير، ويضم أحد عشر فصلا متبوعة بملحقي صور ووثائق.
دخل العام 1996 وتواصلت أحداث التسعينيات الماضية في البحرين، وتواصل النضال المطلبي من أجل الديمقراطية، وظل أحمد الشملان ناشطا على صعيد الكتابة السياسية على هامش الأحداث معبرا عن الحركة المطلبية في البحرين في صحف «الخليج» الإماراتية و»الوطن» الكويتية و»الرأي العام» القطرية.
على هامش انتخابات جمعية المحامين البحرينية نُشر مقال للشملان بعنوان «صندوق الاقتراع» امتدح فيه الأسلوب الديمقراطي المتبع في انتخابات الجمعية، وبين كيف أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية بين الأعضاء بعد انتهاء الانتخابات، وتطرق لقيمة التعبير عن الرأي من خلال صناديق الاقتراع أو الانتخابات قائلا: «إن هذا التعبير عن الرأي يقدم أفضل الضمانات لإشاعة الاستقرار والاطمئنان في نفس المواطن، فالمواطن يعتقد بأنه دائما على حق، فلندعه يعبر عن اعتقاده، ولندعه يقول كلمته التي قد لا يتفق معه فيها هذا المسئول أو ذاك، ولكن أن يقولها ويريح نفسه أفضل من أن لا يقولها وتنفجر في داخل نفسه سخطا وغضبا».
وفي مقال نُشر له تحت عنوان «الحساسية المفرطة» تحدث الشملان عن الدور السيئ الذي يلعبه المستشارون في تشويه العلاقة بين الشعوب وحكوماتها وخلص إلى نتائج بقوله: «تحولت المطالب البسيطة إلى جرائم خطيرة تقف وراءها دول ومصالح أجنبية غامضة. وأدت هذه السياسات الغريبة إلى حفر خندق يتعمق يوما بعد يوم بين بعض السلطات وشعوبها الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها عدد سكان أي قرية في دولة من الدول متوسطة الحجم... الواقع يؤكد أن الحوار والتداول في الشئون العامة وإشراك المواطن في اتخاذ القرارات التي تمسه وتمس وطنه هو الأسلوب الأمثل والأرقى لضمان الاستقرار وحماية المكتسبات الحضارية التي تحققت بفضل تضافر جهود القيادة والقاعدة».
لم تعد الحكومة في البحرين قادرة على تحمل نشاط أحمد الشملان المعارض وحراكه المطلبي المتواصل على كافة الأصعدة وكتاباته الصريحة والمباشرة، فتم اعتقاله في 7 فبراير/ شباط 1996، وبذلك توقف قلم الشملان عن الكتابة. وأطلق سراح أحمد في 21 أبريل/ نيسان 1996، لكنه لم يتمكن من العودة لقرائه إلا في شهر يونيو/ حزيران من العام ذاته بعد تبرئته وانتهاء إقامته الجبرية.
عاد الشملان لقرائه بمقال مؤثر يحمل العنوان «أهلا..»، جاء نصا أدبيا شاعريا عبر فيه الشملان عن عظيم امتنانه لما ناله من محبة ودعم خلال فترة اعتقاله، يقول: «لم أتوقع كل هذا الحب ولم أحسب له الحساب: فكيف سأستقبل أحبتي؟ كان الغياب العسير... وليس لي في الغياب يد! لكنه الغياب الامتحان... والحر تكفيه الإشارة! والحب تشعله العبارة! وأنا الهديل الموزع بين الغياب والحضور المحتضر! كانت أكثر من مجرد سيمفونية يصدح بها الكون ذلك الحب الذي غمرني وذلك الإيمان الذي انتشلني من بطن الحوت إلى شاطئ اليقطين مرتجفا من برد الغياب عاريا إلا من أوراق الحب التي انهالت من جهات الكون الشاسع... كانت الأجراس تقرع وصداها يملأ المكان حتى كأن الغياب لم يكن والأحبة ما افترقوا والأيام نست سيرتها فلم يكبر شيء في تتاليها عدا الحب وحده، ولم تزهر على ضفاف الغياب إلا ورود الوصل وحدها... والطفولة! كيف لإنسان فرد أن يرد الجميل لآلاف الأصدقاء والأحبة؟ أي وليمة أو حفلة يمكن إقامتها لعالم بهذا الاتساع والرحابة؟ أهناك أجمل وأحلى من الكلمة النابعة من القلب؟ نعجز غالبا عن رد الجميل الذي يأتي في لحظته ويؤدي مهمته ولكن هل نعجز عن الوفاء لكل تلك الجمائل؟ نأمل ونأمل أن نظل على عهد الوفاء للكلمة الصادقة المغموسة في نهر الحب، وحتى تكون «أهلا» في مكانها ويغمرنا ذلك النهر في تدفقه الخالد أشد على أياديكم... أشد على أياديكم».
ومنذ يوليو/ تموز 1996 بدأ أحمد الشملان يكتب في جريدة «الراية» القطرية، وخلال صيف العام 1996 ركز الشملان في عموده الصحافي «أجراس» تسليط الضوء على الانتخابات البرلمانية الكويتية، وكان نشر قبل ذلك العديد من المقالات حول تجربة الكويت الديمقراطية يمتدحها ويرى فيها واحة الديمقراطية التي يفترض أن تحتذي دول المنطقة مسيرتها الديمقراطية.
حول الكويت نُشر للشملان مقال بعنوان «حضن الحب» جاء فيه: «أثمن ما امتلكته الكويت عبر تاريخها الخصب الطري هو الديمقراطية الكويتية... وأجمل ما في هذا الشيء الثمين الذي امتلكته الكويت وعاش شعبها عبر مبادئه وأسسه وهو الديمقراطية، أجمل ما في الديمقراطية وأروعه أنها تحولت إلى خصوصية تميز الشعب الكويتي بطابعها... فيتحاور الكويتيون ويختلفوا ويتصارعوا - بالرأي- حكاما ومحكومين دون أن يدخل في هذا الاختلاف والصراع الفكري شرطة أو سجون أو تخوين أو تكفير».
في شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام 1996 ونتيجة للعديد من الضغوط التي كان يتعرض لها، أصيب أحمد الشملان بجلطة في القلب أوقفته فترة قصيرة عن الكتابة التي عاد إليها من جديد مع دخول العام 1997.
دخل العام 1997 وواصل أحمد الشملان طرح موضوعه الأهم وهو الدفاع عن مطلب الديمقراطية محليا وإقليميا وعربيا. في مقال بعنوان «من يصنع أزمة الثقافة؟» كتب يقول: «العبارة المفضلة لدى المثقف العربي «الرسمي» هي دائما: شعوبنا لم تنضج للديمقراطية!! وتحت هذه العبارة يختفي آلاف المتحذلقين والمتشدقين «بالحضارة» العربية الأصيلة التي لا علاقة لها بالحضارة الغربية وما تطلق عليه «الديمقراطية الغربية»، البعض الآخر من المثقفين العرب يتفنن في إظهار الموانع التي لا تجيز دخولنا التجربة الديمقراطية ويقف على رأس هذه الموانع كوننا كعرب غير ديمقراطيين فكيف نطالب بهذه الديمقراطية؟؟، والمهم في نهاية المطاف تكريس الواقع القائم وعدم محاولة تحليله أو تحليل مؤسساته الناقصة، أي أن المهم لدى المثقف الرسمي أن يبقى الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر أن يغلق فمه»... وينهي مقاله بالقول: «تُرى من الذي يصنع أزمة الثقافة العربية؟؟ هل بإمكاننا ذكر أحد غير هذا النوع من المثقفين كصانع أزمات ثقافية؟؟».
في بداية يونيو 1997 انتقل الشملان من جريدة «الوطن» الكويتية إلى النشر في جريدة «الرأي العام» الكويتية وظل يكتب بها حتى داهمه المرض في نهاية شهر يوليو 1997. وكان وقوعه فريسة المرض خاتمة المطاف في الطريق النضالي الذي اختطه الشملان لنفسه عبر الكتابة الصحافية وفي الكتابة عموما. فقد واجه أحمد ضغوطا على أكثر من صعيد سياسي ونفسي وجسدي أدت به لمرض عضال بإصابته يوم 30 يوليو 1997 بجلطة دماغية سببت له إعاقة عن الكلام والكتابة.
وكان الشملان كتب عددا من المقالات قبل أن يمرض تم إرسالها ونشرت في الأيام التالية لمرضه بعنوان «المقالة اليومية المحاصرة» و»لماذا معاناة المرأة؟» و»لماذا إبعاد المرأة؟». بتلك المقالات، أسدل الستار على مسيرة عقد من الكتابة الصحافية (1987 - 1997) غلب عليها المقال السياسي، صال فيها الشملان وجال دفاعا عن قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وبالتوقف القسري لكتابات الشملان فقدت الساحة البحرينية قلما شجاعا ندر وجود مثيل له في فترة هيمنة قانون أمن الدولة ومصادرة الحريات التي سبقت دخول الألفية الثالثة واتساع هامش حرية الرأي في عهد الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
***
نالت مقالات أحمد الشملان متابعة واهتمام المعارضة البحرينية في الخارج، في 19 سبتمبر/ أيلول 1994 بعث المهندس عبدالرحمن النعيمي برسالة إلى الشملان بتوقيع «أبو أمل» قال فيها: «نتابع باستمرار عملك الصحافي في «أخبار الخليج» والذي تؤكد فيه على الكثير من القضايا المتفق عليها وبالتالي تدفعنا إلى التأكيد على ضرورة العمل المشترك...».
ونالت المقالات التي ناقشت القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية وقضايا اليمن والسودان والجزائر اهتماما عربيا واسعا بين مؤيد ومعارض، ويحوي أرشيف رسائل أحمد الشملان عشرات الرسائل التي تجاوبت مع طروحات الشملان في مقالاته وأثنت عليها.
كما استحوذت كتابات أحمد الشملان على اهتمام أوساط سياسية عالمية بمن فيها مجموعات اتخاذ القرار الأميركي، وتحدث أحمد عن ذلك في واحد من آخر مقالاته قبل المرض «المقالة اليومية المحاصرة» إذ يقول: «في مطلع العام 1995 اتصلت بي إحدى المسئولات عن الدوريات العالمية معبرة عن اهتمامها بعمود «أجراس» اليومي الذي أحرره لأكثر من صحيفة خليجية، وقالت حرفيا: نحن نتابع كتاباتك ونضعها مع غيرها من الكتابات الهامة في نشرة خاصة توزع على صناع القرار في الكونغرس الأميركي وفي الخارجية الأميركية لقياس الرأي العام في المنطقة العربية. وقد لاحظتُ فعلا في عدة أعداد من مجلة «ميدل ايست ميرور» ترجمات لعدة مقالات ومقاطع من مقالات نشرت في الصحف الخليجية...».
من جانب آخر، كان أحمد الشملان يتلقى العديد من الرسائل ويتابع العديد من الرؤى التي تنشر وتتضمن وجهات نظر مخالفة لآرائه ويتحاور معها بتبادل الرسائل أو عبر الكتابة الصحافية. إلا أن هناك أقلاما تولت كتابات الشملان في أعمدة صحافية بهجوم قاس خارج عن أدب المناقشة داخل في المس بشخصه وكرامته الإنسانية، وتلك تجاهلها أحمد ولم يعرها أدنى اهتمام.
العدد 2743 - الأربعاء 10 مارس 2010م الموافق 24 ربيع الاول 1431هـ