ربما يعتقد الكثير، والكاتب يشاركهم هذا الرأي، أن أفضل الحلول لإنقاذ شركة طيران الخليج هو خصخصتها، أي نقل ملكيتها بالكامل إلى القطاع الخاص. ولكن قبل مناقشة هذا السيناريو، لابد من الإشارة إلى وجود خيارين آخرين لابد من قراءة جدواهما:
الأول، والحديث هنا عن الملكية، هو أن تستمر ملكية الشركة في يد الحكومة على النحو الذي هي عليه الآن، دون التوقف عن إجراء العمليات الجراحية الضرورية الناجحة لوقف تدهور الشركة أولا، والانتقال إلى تحسين أدائها ثانيا، وتطويرها كي تتمكن من الاستمرار في الأسواق المحلية والعالمية، وبقدرة تنافسية مقبولة.
الثاني، وهو تحويلها إلى ملكية مشتركة بين القطاع العام والخاص، بعد الوصول إلى المعادلة المالية والإدارية الصحيحة والمجدية، على المستوى المالي، والتي تمكن الشركة، من الوقوف على قدميها، وتحقيق حضورها التجاري الناجح في الأسواق التي تلائمها.
وفي حال أخذ الحكومة بأيٍّ منهما، فلن يكون المطلوب هنا مجرد عمليات تجميلية سطحية مثل التي قامت بها مؤخرا الشركة عندما أقدمت، كما أعلن رئيسها التنفيذي سامر المجالي على شراء «15 طائرة جديدة، من طراز إمبراير (E170 AR)، لتطوير أسطولها خلال السنوات المقبلة»، لما ستحققه تلك الخطوة من أهداف، كما يقول المجالي «بفضل الحجم والاعتمادية والراحة والتشغيل الاقتصادي الذي يقدمه هذا النوع من الطائرات». إن مثل هذا التحول في نوع الطائرات سيضع على كاهل الشركة أعباء فنية وتقنية جديدة ذات علاقة بمتطلبات التشغيل والصيانة وقطع الغيار، ليس هنا مجال الخوض في تفاصيلها، لكنها بالتأكيد ليست الخيار الذي بوسعه أن يحقق النقلة المطلوبة التي نتحدث عنها.
على صعيد آخر، تواجه أيا من هذين الخيارين عقبة أساسية أخرى، يمكن أن تقود إلى فشلهما، وهي محصلة تداخل الجوانب السياسية مع الاقتصادية، أو بالأحرى المالية، التي تحول دون بناء البيئة السليمة التي يمكنها مدّ الشركة بعناصر الطاقة التي تحتاجها كي تنتقل من الحالة التي هي فيها، إلى تلك التي نطمح جميعا إلى أن نراها وقد وصلت إليها. وعلى الرغم من معارضة البعض هذا الرأي، لكن مسار الشركة منذ تأسيسها يؤكد هذه الحقيقة. فالوصول إلى معادلة التكامل السياسي – الاقتصادي – الإداري الناجحة والقادرة على تعويم الشركة، يحتاج إلى جهود مكثفة، وفترة زمنية طويلة لا تستطيع الشركة الصمود إلى أن يحين أوان تحقيقها.
يبقى أمام طيران الخليج، خيار واحد يصعب البحث عن آخر مجد سواه، والذي هو اللجوء إلى خصخصتها بالكامل. وليس المقصود بالخصخصة هنا التخلص منها ورميها بالصورة التي هي عليه الآن على القطاع الخاص، كي يرث، كما ورثت حكومة البحرين، شركة تنوء بأثقال مشكلاتها المالية والإدارية.
من هنا ينبغي العمل، وفي لحظة اتخاذ قرار الخصخصة، على إصلاح الأوضاع في الشركة كي تصبح فرصة استثمار مغرية في أعين القطاع الخاص. على هذا الأساس، وفي حال نجاح الحكومة في تحقيق ذلك، فمن الطبيعي أن يسبق أخذ الشركة إلى السوق لخصخصتها الإقدام على الخطوات التالية:
1. الاقتناع بوعي، وفي ضوء رؤية متكاملة، بجدوى الخصخصة، فأي شكل من أشكال التردد بين خياري الخصخصة والاستمرار في تملكها من قبل الحكومة، يجبر الشركة على المراوحة في المكان الذي هي فيه اليوم، معززا بما تفرزه سياسة التردد من سلبيات، قد تقود إلى تدمير الشركة، وفي وقت أقصر مما هو متوقع.
2. فهم الفروقات الدقيقة بين الخصخصة، بمعناها الاقتصادي والمالي الإيجابي الشامل، وبين مجرد التخلص من شركة تعاني من أوضاع غير صحية، ومن ثم فأفضل السبل للتخلص من تبعاتها المالية والسياسية، هو نقل ملكيتها إلى القطاع الخاص. بين المدخلين، خيط رفيع، لابد من فهمه، كي تتم عملية النقل والانتقال بسلاسة، ودون تضحيات غير مطلوبة.
3. تعيين شركة استشارية قديرة وتمتلك الكفاءات المهنية والخبرة الصناعية/ السوقية التي تحتاجها عمليات التخصيص بعد الانتقال. ولابد من توخي الحيطة والحذر عند اختيار مثل هذه الشركة، وسياسات التعامل معها، إذ ينبغي التمسك بجوهر قيم الشفافية، وليس بشكلياتها. وهذا يشمل إجراءات اختيار الشركة الاستشارية أولا، ومدها بالمعلومات الصحيحة، والبيانات الدقيقة عن الشركة ثانيا، والتعاون معها لحل المشكلات وتجاوز السلبيات ثالثا وليس أخيرا.
4. البدء العملي في خطوات التحضير لتهيئة شركة طيران الخليج للخصخصة، على المستويات كافة، الإدارية والمالية، وخاصة لشركة تنشط في قطاع الطيران. فأخذ الشركة إلى السوق المالية، ليس، كما قد يتوهم البعض، كمن يصطحبها في نزهة، إنها عملية معقدة وشاقة ومضنية، وتحتاج، بالإضافة إلى المهارات والخبرة، الكثير من التأني والصبر وطول البال. وبالتالي فلابد من لفت النظر هنا إلى ضرورة الوصول إلى المعادلة الصحيحة بين التهيئة الصحيحة، والوقت المستغرق. ولربما يكون أحد أشكال التهيئة، تحويلها إلى واحدة من الشركات القابضة لتمارس أنشطة تكاملية معها، فتستطيع في مرحلة أولى تحمل خسائرها، وفي مرحلة لاحقة توليد قنوات ربحية تساعدها على النهوض من كبوتها. ولعل أقرب الصناعات المتوائمة مع خدمات الطيران، خدمات مطار البحرين، بما يشمل شركة المطار، وشركة خدماته، إلى جانب، خدمات الضيافة ، ومن أهمها الخدمات الفندقية التي تحتاج البحرين إلى إعادة النظر فيها، وخاصة تلك المتعلقة بالفنادق الفاخرة من فئة «الخمس نجوم»، وما هو أعلى من ذلك.
ولابد لمن يريد أن يفتح ملف علاج «طيران الخليج»، أن يراعي ثلاث مسائل في غاية الأهمية، وذات علاقة مباشرة بما ستؤول إليه الشركة، وتنعكس على الأداء الاقتصادي المحلي:
1. مستقبل مطار البحرين، الذي سيفقد بالضرورة أكبر الزبائن من الناحيتين المالية والتشغيلية. فلن يكون هناك شركة طيران محلية، بما فيها تلك المرخصة بحرينيا، قادرة على سد الثغرة التي سيفتحها غياب طيران الخليج، ناهيك عن تراجع اتصال البحرين بدول العالم الأخرى، مما سينعكس سلبا على الاقتصاد الوطني وحركة التجارة التي تمده بالقدرة على الاستمرار دع عنك النمو.
2. القيمة المضافة التي تولدها الشركة في السوق المحلية، والتي تشكل دخلا غير مباشر للاقتصاد الوطني بشكل عام، أو للقطاع الخاص أفرادا ومؤسسات، بشكل خاص. هذا الدخل من الطبيعي أن يتأثر سلبا، في حال تحول ملكية الشركة إلى أيدٍ غير بحرينية.
3. أوضاع العائلات البحرينية التي تعيش بشكل مباشر أو غير مباشر من وجود الشركة، سواء من خلال العمل فيها، أو العمل في المؤسسات ذات العلاقة بها. والحديث هنا يتناول مستقبل عشرات إن لم يكن مئات العائلات.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2742 - الثلثاء 09 مارس 2010م الموافق 23 ربيع الاول 1431هـ
ونعم المستشار والمحلل الفني
اشكر الاستاذ العبيدلي ، فقد نور عقولنا بالكثير بمقالاته الشيقة الوافية ، فكل مقالاتة تعتبر ورقة عمل لو أخذ بها لكان واجد أحسن فهناك مجالات عديدة اثارها تستهض هموم الوطن وتعالج بعض اوجه القصور او التردي المتهالك فيه . فلما لا يأخذ رأية كمستشار فني في بعض الامور التى تحتاج لمثله كفاءات نيرة حيادية تضع يدها على الجرح وتحلل وتوصف الدواء الناجع . ياريب يا العبيدلي تشوف موضوع الجسور اللي في المدينة بعد تعثره مع الشركة المنفذة . فدهاليز القضاء تطول والمشروع يمكن يوقف ألف عام !