العدد 572 - الثلثاء 30 مارس 2004م الموافق 08 صفر 1425هـ

عروبة الجامعة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تمر الجامعة العربية في مشكلة علاقات بين دولها، وأساس تلك المشكلة لها صلة بالقواعد التنظيمية (تبادل المنافع) التي اعتمدتها طوال تاريخها الممتد على أكثر من 50 سنة. والسؤال كيف السبيل إلى معالجة هذه الأزمة حتى لا تتكرر دوريا؟

أمام الجامعة أمثلة عينية فلماذا لا يستفاد منها لإعادة إنتاج جامعة عصرية تلبي تطور الوقائع العربية التي تشير إلى نمو تعارضات في المصالح القطرية (الكيانية). والتعارضات الموجودة ليست بسيطة فهي تطاول الكثير من القطاعات والمستويات، وهي تعارضات بين أنظمة سياسية مختلفة، وأنظمة اقتصادية، واختلافات في أنماط الإنتاج، وهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة نتيجة التفاوت في النمو بين دولة عربية وأخرى. وهناك اختلافات في المداخيل السنوية للفرد، والموازنات العامة للدول، وكذلك في مصادر ثروة كل دولة عربية.

فالدول العربية غير متجانسة في مصادر ثروتها، فهناك من يعتمد على الخامات وبالتالي يحتاج إلى الشركات الأجنبية لاستخراج ثروته الطبيعية وتكريرها وإعادة تصديرها. وهناك من تراجع اعتماده على القطاعات الإنتاجية (التحويلية) ولجأ إلى الخدمات لتعويض النقص في مصادر دخله. وهناك دول عربية تعتمد أساسا على الزراعة وثروتها الحيوانية، بينما هناك من يعاني الضعف في موارده الزراعية وبالتالي يعتمد على الاستيراد لتلبية حاجاته الداخلية والاستهلاكية والعيش اليومي.

هذا التنوع كان يجب أن يتحول إلى نقاط قوة للدول العربية لو نجحت الجامعة في تنفيذ الخطط والاتفاقات المتعلقة بالتجارة والتبادل وفتح الأسواق. فالتنوع يعني التبادل والتكامل والتجانس. إلا أن الدول العربية في وضعها الراهن حوّلت التنوع إلى نقطة ضعف حين تحوّلت إلى الأسواق الدولية لسد حاجاتها ومتطلباتها. وبسبب عدم التنسيق (التنظيم) تحول التنوع إلى ذريعة لتبرير عدم التجانس في تبادل المنتوجات بين الدول وسد حاجات هذا البلد بالفائض من ذاك.

هذا النوع من عدم الانتظام يفسر اضطراب العلاقات العربية وفشل الدول في التوصل إلى حد أدنى من الصيغ التنظيمية التي تضبط المصالح ضمن إطار التوازن العربي المطلوب. وتكرار هذا النمط من السلبيات في العلاقات أسهم في خضوع الأسواق العربية لشروط الأسواق الدولية وباتت دول الجامعة أقرب في صلاتها مع الدول الأوروبية والآسيوية والأميركية منها إلى بعضها بعضا. وبسبب علاقات التجارة أنتجت المصالح المتبادلة بين الدول العربية المستهلكة والدول الاجنبية المنتجة سلسلة علاقات واتفاقات على حساب المواثيق التي وقعتها الدول في إطار مظلة (خيمة) الجامعة العربية.

ضعف التجارة العربية - العربية أسهم مع السنوات في إضعاف العلاقات السياسية العربية. فالسياسة في النهاية مصالح وحين تكون المصالح مرتبطة بالشركات الأجنبية المنتجة أو المستهلكة تصبح العلاقات مع مصادر تلك الشركات أقوى مع الأيام من تلك العلاقات العاطفية والأخوية. فالعصبية الموروثة تَضَعف في حال لم تتعزز بالمصاهرة وتوسيع قاعدة العلاقات وإدماجها بالحاجات المباشرة التي تلبي المطامح والمطالب. وعلاقات التبادل (المنافع المشتركة) ترفد العصبية السياسية وتقويها وإذا جُففت تلك الروافد تبور العصبية وتضمحل مع السنوات بسبب الملل من تكرار تجربة غير مفيدة.

ضعف التجارة العربية أساسه ليس فقر دول الجامعة بل إهمال أهمية هذه المسألة الحساسة في تطوير علاقات الأخوة والعاطفة والعصبية السياسية. فالدول العربية غنية في إمكاناتها ومساحاتها وهي تحتاج إلى تعاون في الاستثمار ضمن خطة تلبي حاجات السوق العربية. ولكن ما حصل خلال نصف قرن أن الدول أضعفت تجارتها الداخلية وتوسعت كل دولة في علاقات التبادل مع الخارج. وبات الوضع الآن يشير بوضوح إلى أن تبادل كل دولة عربية مع الشركات الأجنبية أعلى بكثير من تجارات الدول العربية التي وصلت إلى درجات متدنية.

إلى التجارة يُضاف ضعف الاستثمارات العربية في البلدان العربية على رغم وجود كتلة نقدية ضخمة (1400 مليار دولار) موزعة على عشرات ومئات الصناديق في المصارف الأجنبية في الخارج. كذلك أخذت المساعدات العربية من الدول الغنية إلى الدول العربية المحتاجة تتراجع منذ حرب الخليج الثانية (1990 - 1991) وهي منذ تلك الفترة في حال تراجع مستمر.

الجامعة العربية تمر في مشكلة علاقات بين دولها، وكل هذه العناصر والعوامل التي ذُكرت تسهم في إضعاف «الحماس» العربي وتعطل إمكانات التفاهم بين دول الجامعة. فالعروبة ليست مشاعر وعواطف تتأجج في المناسبات ثم تهبط بعد ذهاب الفعاليات والذكريات. العروبة حاجة أيضا وإذا لم تُرفد بالمزيد من عناصر القوة القائمة على التبادل والمنافع فإنها ستصاب مع السنوات بالجفاف... والتصحر

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 572 - الثلثاء 30 مارس 2004م الموافق 08 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً