فيما تذهب الحكومة الأسترالية إلى أبعد ما يمكنها في مسألة مكافحة الإرهاب، واستصدار القوانين والإجراءات التي تبيح لها الاحتجاز والتحقيق على الظنة، فإن المستشار الألماني غيرهارد شرويدر، يأتي ليعلن الدرس الألماني في هدوء وروية تعبران عن بعد النظر الذي حنكته به التجارب.

شرويدر - الذي تعد بلاده واحدة من معاقل الخلايا النائمة لـ «القاعدة»، وتدور الشكوك حول أن التخطيط لتفجيرات الحادي عشر من مارس/ آذار الجاري في مدريد قد جرى في برلين - لم يأخذ بالرأي الاسترالي المتساوق تماما مع الحدية الأميركية وبعض الدول الأخرى، بل قال إنه يجب علاج الإرهاب من جذوره المتمثلة في الفقر والجهل.

هذان الجذران اللذان يضع المستشار الألماني يده عليهما، هما اللذان يولدان الإرهاب والتطرف في أية بقعة في العالم، فالفقر يجعل الفقير يندفع إلى آخر الشوط إذ لا شيء لديه ليخسره، وخصوصا إذا استبد به اليأس، وأحاطه الجهل النسبي قياسا إلى المجتمع الذي يعيش فيه، فلا فرص تعليم عادلة، ولا ترقي وظيفيا، فيصبح طيعا لأية جهة تستقطبه وتنمي فيه العداء للمجتمع الذي دفعه إلى هذه النهاية.

سيظل من السهل على الدول الصارمة - إما بالقانون وإما بعصا القانون وقبضاته الحديد - أن تضرب أية بوادر تململ نحو العصيان أو العنف أو التطرف، ولكن هذا الضرب لا يفيد ولا «يقطع» المسألة من عروقها، بل سيخمدها لفترة، لتعود مطلة برأسها، فتزيد تلك الدول من أعداد جندها ومخابراتها، وهكذا تتناسل الأمور. بيد أن التوزيع العادل للثروات والاهتمام بتنمية الإنسان في كل البقاع، ورعاية الطبقات الضعيفة في المجتمع في مشروع «التمكين»، وخلق أمل جديد لها لترعاه وتخشى عليه من أن تذروه الرياح، سيجعل هذا الإنسان حريصا على الاستقرار والإنتاج، ورافضا لأي تطرف فكري قد يودي بحلمه