عملية استجواب الوزراء سُنّة حسنة يجب ترسيخها عبر ديمقراطيتنا البحرينية، فما بعد استجواب وزير الصحة نتمنى استجواب بقية الوزراء والذين منهم الوزراء الثلاثة، وهكذا حتى نصل إلى استجواب أي وزير ثبت تورط وزارته في قضايا فساد أو تجاوزات، وهذا ما نتمناه بعد إكمال ملف التأمينات والتقاعد والأوقاف الجعفرية وغيرها. وبدوري إذ أمتلك وثائق لوزارات قادمة ولحقائق جديدة سأقوم بتقديمها إلى النائب عيسى المطوع وأتمنى ألا تنطلق كلمة الوزير محمد المطوع لتردد «الانشغال والاشتغال»، ولكن هذه المرة في قضايا الاستجواب، فهل سنلقى استجوابا من قبل عيسى المطوع للوزير محمد المطوع لأسئلة مقبلة؟ هذا ما نتمناه حتى نرسخ الديمقراطية الحقيقية بعيدا عن استعراض العضلات.
قناعتي والتي تعززت بسبب متابعتي لملف الصحة سابقا عبر مقالات طالبت عبر أحدها باستجواب وزير الصحة كما ركزت على استجواب بعض زملائه والذين منهم الوزراء الثلاثة، قناعتي أختصرها في عبارة تختزل طبيعة الصراع ما بين الوزير وبعض المستشارين - وليس جميعهم - في مثل يقول: «عندما يتصارع الفيلة يموت العشب». ما حدث طيلة هذين العامين من صراع وصدام ما بين الوزير وبعض المستشارين ليس للناس ولا للمرضى ولا للطبقة المسحوقة من موظفين وأطباء جدد من أطباء أسنان وغيرهم أو من موظفين في الصيانة أو غيرهم، أقول ليس لكل هؤلاء في ما يحدث من خلاف لا ناقة ولا جمل. خُلطت الأوراق وأصبح الضرب تحت الحزام لخيوط تتحرك هنا وهناك، والضحية في كل ما يجري هم المواطنون.
فالوزير كلما طالبناه بتغيير طفيف أشهر في وجهنا نظرية المؤامرة والبكاء على الأطلال، وإذا جئنا إلى غالبية الاستشاريين ممن دخلوا في الصراع وقرأنا تاريخ بعضهم لا نرى فيه تلك الحميّة المدافعة عن آلام موظفي الصحة وما يعانونه من كادر قديم ومن ضعف في الرواتب ومن إهمال في التشجيع، عكس ما نراه اليوم فالكل يتكلم عن الإنسانية وأهمية وزارة الصحة، وما بين هذا الصراع مات العشب.
رجاؤنا للجميع ألا يُدخل المواطن في صراع مثل هذا، فالإعلام - سامحه الله - راح يضفي مسحات الملائكة فخلنا أن بعض هؤلاء المتصارعين ومن كلا الطرفين، أرسلوا من السماء كعيسى يبرئ الآلام ويشفي المرضى، لكنا لو فتشنا في الصراع ذاته ورحنا نبحث عن مضمراته لعرفنا أن القضية في مجملها صراعات شخصية، وقديما قيل: «المرء عدو من يعمل عمله»، رحم الله المسيح إذ قال: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر». فلا داعي لفلان أن يتكلم عن «الإصلاح» ولا داعي للآخر أن يتكلم عن «هجرة العقول والأدمغة»، فلطالما هاجر مواطنون إلى الأردن وغيره بلا أطراف وبأمراض لا حصر لها، وما بين هؤلاء وهؤلاء يبقى أطباء كبار حملوا روح الإنسانية وهموم المواطن، فلم يدخلوا في اللعبة لأنهم يعرفون أبعادها. ما يجب أن يعرفه الشارع البحريني ويركز عليه في سؤاله للوزير أو للنائب المستَجوِب أو بعض الاستشاريين هي قضايا في غاية الأهمية لطالما تُعمِّد إغفالها وهم الطبقة المسحوقة في داخل الوزارة والذين لم يسمعوا إلا الوعود الجميلة وأُهملوا طيلة هذه الأعوام، فمن هذه القضايا الكادر الوظيفي لجميع العاملين في المستشفى، وهذا ما يجب أن يركز عليه النائب أيضا، فهذه الطبقة تمثل 90 في المئة من الوزارة، فمن سأل عنهم؟ لماذا لا ترتفع الأصوات عالية عنهم؟ فإن كان بعض الاستشاريين يأكلون خبزا مذهبا فهؤلاء ليس عندهم خبز يأكلونه، فراتب الوزير يغنيه عن كل شيء وكذلك غالبية الاستشاريين، ولكن الكلام: من لهؤلاء من موظفي الصيانة ومن أطباء الأسنان غير المثبتين وكذلك من أسرّةٍ غير متوافرة للعناية القصوى.
يا سعادة النائب: لماذا لا تسأل السلطة التنفيذية عن شحة الموازنة، أليست هي التي ينبغي أن توفر ذلك؟ لماذا لا تقوم بمساءلة وزير المالية أو الوزير محمد المطوع عن ذلك أيضا لتكمل الجميل؟ أليس من الظلم أن ترصد الموازنات لاحتفالات الفنانين وتوزيع الأوسمة في المهرجانات كما حدث لوزارة الإعلام أو توزيع الكؤوس والأموال الطائلة على الرياضة، ووزارة كوزارة الصحة تبقى بموازنة شحيحة على رغم زيادة المراكز وزيادة الموظفين وتوسع الخدمات وزيادة التجنيس؟ لماذا لا تقوم باستجواب الحكومة عن زيادة الموازنة لـ «الدفاع» و«الداخلية» وشحة الموازنة تجاه «الصحة» و«التعليم»؟
في الحقيقة، لا يسع المرء إلا أن يكبر روحية موظفي الصحة وخصوصا قسم الصيانة على موقفهم الجريء في نقدهم الواضح لكل أطراف القضية، وخيرا فعلوا عندما لم يورطوا أنفسهم في الدفاع عن أي طرف، وعليهم أن يطالبوا النائب والبرلمان مادام فتح الباب لحقوقهم، فالقضية ليست فيها ملائكة ويجب ألا تُحجب عيوننا عن استجواب بقية الوزراء الثلاثة، فليُستجوب وزير الصحة وبقية الوزراء الثلاثة ومَنْ بعدهم
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 571 - الإثنين 29 مارس 2004م الموافق 07 صفر 1425هـ