نامت الشعوب العربية مساء أمس الأحد آمنة مطمئنة لأنها سلمت أمورها لأيد أمينة حريصة على مستقبل الشعوب العربية الأبية، فلما استيقظت صباح أمس الأحد سمعت خبر تأجيل قمة القمم! ما حدا مما بدا، وعسى المانع خيرا أيها السادة القادة.
ونبحث عن السبب فيقال إن أميركا كانت غاضبة من عقدها، لأن الموضوع العراقي كان من المقرر أن يتداوله هؤلاء القادة، ما أثار حفيظتها فطلبت تأجيلها، فكيف يتجرأون على الحديث عن بلد بات في ذهنية الأميركيين «ألاسكا جديدة»!
ويقولون بل السبب أن الولايات المتحدة طلبت من العرب أن يحدّدوا مصيرهم: «مع الاصلاح أم ضده»، وفي رواية اخرى: «مع مشروع الشرق الأوسط الأميركي الجديد أم لا»، ولأن منطقتنا العربية مازالت تتمنع وتقاوم السياسات الامبريالية التي ما انفكت تطوق اعناقنا، فإن القمة كان من المقرر أن تقول «لا» للمشروع الامبريالي الجديد. ولأن أميركا في عهدها الكولونيالي الجديد لا تقبل إلا الانصياع والطاعة التامة، «معنا او ضدنا»، فإنها أرادت أن «تفلش» ما يحيكه العرب من «مؤتمرات» مضادة!
ويذهب بعض آخر في سياق تحليله العميق للوضع إلى القول إن الولايات المتحدة الأميركية - وقد باتت حاملة شعلة الديمقراطية وحقوق الانسان - أرادت أن تعلّم أبناء هذه المنطقة البدوية أصول الحضارة وقواعد التمدن بعد قرون من الاستبداد السياسي الذي تحولت فيه هذه الشعوب عند حكامها إلى قطعان من البقر والغنم، لم تبلغ ولن تبلغ مستوى يؤهلها لممارسة الديمقراطية يوما ما، ولكي لا تترك هذه القطعان المسكينة نهبا للمستبدين والطغاة فإن قلبها أخذ ينبض بالحب والحنان، فاعتمدت 28 مليونا لتنفقها على برامجها «التحضيرية» للشعوب والحكام ليقبلوا الديمقراطية مثل غيرهم من البشر، وأنشأت قنوات فضائية وإذاعات تشكل أغنيات «أحبك آه» غالبية مادتها، لتزيد ثقافتها وترتفع بمستواها العقلي عن حياة البهائم والأغنام.
البعض ابتعد أكثر في تحليله حين اتهم شارون بإفساد الحفلة العربية الكبرى بعد طول غياب. فنحن في زمن بات فيه مجرد اجتماع السادة القادة في قاعة واحدة يعتبر انتصارا كبيرا للأمة العربية العظمى، فهو الذي أفسد قمة بيروت التي احتفوا فيها بتقديم مشروع السلام العربي الشامل الكامل، وفيما كنا في غاية النشوة والاحساس بالتفوق «السلمي» على العدو الاسرائيلي الماكر جاء رده اللئيم بمحاصرة الرئيس الفلسطيني المجاهد ياسر عرفات ليمنعه من إجراء مكالمة هاتفية، بل وتبلغ به الوقاحة حد التهديد بتصفيته، من دون حياء ولا خوف ولا وجل!
وبحسب هذا التحليل كرّر شارون فعلته مرة أخرى بصورة استباقية وقبل أن تنعقد القمة المرتقبة، ليفسد علينا حفلتنا ويذهب عنا نشوتنا، فلم نصدق أن يلتئم الشمل العربي حتى يبادرنا بجريمة أخرى، فماذا عسانا نقول؟!
أحلقوا رؤوسكم
على أن هناك من يقول: اجتمعوا أم لم يجتمعوا، التأم شملهم في تونس أم لم يلتئم، تأجل اجتماعهم ام تعجل، «...»، فقرار عقد الاجتماع لم يعد بأيديهم، فخيول روما تحيطهم، والجماعة مازالوا يتفلسفون ويتأملون ويفكّرون: نصلح أوضاعنا أم لا نصلحها؟ نحلق رؤوسنا على طريقة «البانجز» كما نصحنا الرئيس اليمني الذكي علي عبدالله صالح أم نتركها لغيرنا ليحلقها «صلعاء» كما حدث مع الرئيس العراقي الغبي صدام حسين؟ وبعد ستة اجتماعات على مدار يومين لوزراء الخارجية العرب، وفيما قال الإعلام إنهم اتفقوا على «كل شيء تقريبا» ولم يبق غير رتوش بسيطة، وما لم يتم الاتفاق عليه أجّل إلى قمة الجزائر، فـ «هنا في تونس سيتم الاتفاق على تحرير الضفة والقطاع»، وهناك لابد أن يتفقوا على تحرير باقي الاراضي المحتلة في العام 1948م! ليعود اللاجئون الفلسطينيون المشتتون تحت كل سماء، ولننتقم لكل الضحايا والشهداء. فيا أيتها الشعوب العربية... ناموا ولا تستيقظوا... ما فاز إلا النوّمُ
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 570 - الأحد 28 مارس 2004م الموافق 06 صفر 1425هـ