تُعقد أو لا تُعقد؟، هذا ليس السؤال، السؤال لماذا تعقد القمة؟ وما القرارات التي تريد تنفيذها أو تستطيع تحمل تبعاتها في حال قررتها؟

ربما تكون الصدمة التي تلقتها القمة العربية في تونس ضرورية للتنبيه إلى خطورة الوضع الذي وصلت إليه مؤسسات الجامعة. رب ضارة نافعة. وما حصل في تونس كان يجب أن يقع منذ فترة أو على الأقل كان يجب أن يحصل لسبب بسيط، وهو التنبيه من خطر مقبل، إذا واصلت الدول العربية انزلاقها السياسي ولم تتدارك الموقف.

صدمة تونس على رغم سلبياتها وتداعياتها جاءت في الوقت المناسب لأنها ربما تكون ومن غير قصد جرس إنذار لسلسلة أمور تتراكم منذ تأسيس الجامعة. فالجامعة العربية كانت منذ الاتفاق على ميثاقها تتطور سلبا أي انها كانت عكس طبيعة التطور ومنطقه. فدائما كانت كل دورة أسوأ من قبلها وكانت الدول تعاود إنتاج ما اتفقت عليه وتكرر القرارات العامة من دون أن تشعر الدول بالحرج من شعوبها في حال أهملت ما وقعت عليه.

انطلقت جامعة الدول العربية في مارس/ آذار 1945 وتوافقت على ميثاق يتألف من 20 مادة، وأضافت عليه في مسيرتها الطويلة عشرات المواثيق والاتفاقات لم تنفذ حتى الآن. مثلا وقعت الدول العربية المستقلة حديثا (آنذاك) عن الاستعمار القديم «معاهدة الدفاع العربي المشترك» في ابريل/ نيسان 1950 ومضى على توقيع تلك المعاهدة أكثر من 54 عاما، وحتى الآن لم تنجح الدول العربية في ايجاد صيغة دفاعية تمنع المشاحنات العسكرية وحروب الحدود بين دولها. كذلك لم تتوصل الى الاتفاق على استراتيجية للتحرير أو خطة عمل تمنع «إسرائيل» من المزيد من الاجتياحات والاحتلالات. فالمعاهدة موجودة وموقعة ولكن حتى الآن لم تتفق على آليات تنفيذها أو تجربتها على محك الواقع وتحديدا حين تهدد دولة عربية أمن الأخرى.

والنتيجة بعد مرور 54 عاما على معاهدة الدفاع أن الدول العربية لاتزال تكرر ما قيل في قمم سابقة. في وقت نجح الاستعمار الجديد في العودة الى حيث ما كان عليه السابق وباتت الجيوش الأميركية تتمركز في الأمكنة التي يجب أن يكون فيها الجيش العربي الموحد.

إلى مثال معاهدة الدفاع، يمكن تكرار الكلام نفسه عن «ميثاق العمل الاقتصادي القومي» الذي وقع في نوفمبر/ تشرين الثاني 1980 وحتى الآن لايزال الميثاق ينتظر من يقرأ نصوصه ويضع آليات لتنفيذه في وقت نجحت أوروبا في تثبيت قراراتها المتعلقة بالسوق الأوروبية المشتركة والعملة الموحدة وغيرها من خطوات وقرارات.

المشكلة إذا ليست في مبادئ الميثاق فهي جيدة عموما وإنما في آليات التنفيذ وضعف الإرادات وعدم جدية الدول العربية في تعهداتها وترددها في الاستعداد للتضحية بخصوصياتها المحلية لمصلحة عمل مشترك يستوعب كل المشكلات المتعلقة بظروف «الدولة الوطنية» أو الكيان السياسي.

ميثاق جامعة الدول يتطرق مثلا في مادته الثانية لكل الشئون من اقتصاد ومال ومواصلات وثقافة وجوازات وتأشيرات وأمور صحية واجتماعية وغيرها من مسائل لها صلة بالهوية والجنسية. فالميثاق يشمل كل النواحي، ولكنه - وهنا المعضلة - لا يضع آليات واضحة للتنفيذ، وكذلك فإنه يساوي وبأسلوب عشائري بين الدول. فالدول في الميثاق متساوية تنظيميا ولكل دولة مهما كان حجمها ووزنها واقتصادها ودورها «صوت واحد».

هذا التوازن في الأصوات (المادة الثالثة) جعل من الجامعة العربية مجرد هيئة تلتقي عندها الدول للنقاش لا للتفاوض وأخذ القرارات. والمساواة العشائرية بين الدول أدت إلى تحول الجامعة إلى وعاء قبلي (مجلس قبائل) تنتظم الدول في داخله أفقيا ومن دون تراتب تنظيمي يرتب التوازنات وفق صيغة اتحادية ومعايير نسبية كما هي حال الاتحاد الأوروبي.

فالجامعة هي أقرب إلى الخيمة والاجتماع القبلي الذي ينظم المصالح على خط مستقيم وغير متراتب عموديا. هذه الصيغة الأفقية أدت إلى تحويل الجامعة إلى نوع من الحلف القبلي (يذكّر بحلف الفضول في أيام الجاهلية) بينما الواقع المعاصر يتطلب نقل العلاقات من مرتبة الحلف إلى مرتبة الاتحاد وجعل الصيغة التنظيمية إلزامية وتؤخذ القرارات بالغالبية النسبية لا بالاجماع، وتلغى الفقرة التي تقول «بحسب نظم كل دولة منها وأحوالها». فهذا الكلام يعطل القرارات.

صدمة تونس جاءت متأخرة ولكنها ضرورية للتنبيه إلى ضرورة معالجة هذا الخلل البنيوي حتى لو رأى البعض ان الأوان فات. الأوان لم يفت وعلى الدول العربية الجادة في وعيها لأهمية الاتحاد العربي أن تبادر إلى تعديل المادة الثالثة (صوت لكل دولة) وإعادة تأسيس جامعة على أسس هرمية (عمودية) لا على أسس قبلية (أفقية) كما هي حالها الآن