قبل أن تنعقد القمة العربية في تونس بدأ الكلام يتسرب إلى الإعلام عن ضرورة تأجيلها وإعادة إعدادها بطريقة أفضل. التسريبات ليست دقيقة، والقمة ستنعقد كما ذكر الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى.
والسؤال: ما الفائدة من انعقاد القمة إذا كان المشاركون بها غير مهتمين بجدوى قراراتها؟ وحين يبدأ الملل يدخل نفوس المشاركين قبل انعقادها، فكيف سيصبح الحال بعد صدور البيان الختامي؟ وما أهمية البيان الختامي إذا كان الموقعون غير مقتنعين بضرورة وجود قمة أصلا؟
مثل هذه الأسئلة كان على قادة حركة «حماس» أخذها في الاعتبار حين استشهد الشيخ أحمد ياسين، إذ ظن قادة حماس ان الاغتيال سيشعل نار القضية من جديد وستعود فلسطين قبلة العرب السياسية بعد ان ضاعت في قضية العراق واختلطت بتداعيات احتلال أفغانستان واختلط «حابل» تنظيم القاعدة بـ «نابل» المقاومة.
اغتيال الشيخ أثار الغضب ولكنه لم يحرك من ساكن الوضع العربي، فالدول العربية الآن تعيش حالات من التخبط الداخلي والفوضى الإقليمية، وكل دولة تبحث لنفسها عن ملاذ آمن وسط تهديدات بالمزيد من الاغتيالات والاجتياحات والغزوات.
هذا الوضع «الزفت» كان على قادة «حماس» أن يدركوه جيدا قبل إطلاق تلك الكلمات الحماسية التي توعدت بالويل والثبور وهددت بفتح «أبواب الجحيم» و«زلزلة الأرض» وغيرها من تعبيرات سياسية لم تعد تغني ولا تسمن في زمن قررت فيه أمة استضعاف نفسها والسكوت على العدوان. وحين يصل القادة إلى هذا النوع من الظن أو التفكير فكيف يا ترى حال الأمة نفسها التي أخذت تتبرم من كثرة القمم وتخمة البيانات الختامية؟
المسألة لا علاقة لها بالقرارات بقدر ما لها صلة بالإرادات، وحين تصبح الإرادة مشلولة أو مقعدة أو ممزقة على أهواء متفرقة، يصبح من الصعب البحث عن دواء للشفاء ما دام المصاب (أو المريض) فقد قابلية الحياة ولم تعد عنده رغبة في مواصلة المشوار.
قبل انعقاد القمة وصلت إلى مسامع الدول العربية أصداء إشارات متناقضة، أبرزها كانت تلك التي غدرت بالشيخ المقعد، وتلتها زيارة رئيس الحكومة البريطانية للعقيد في خيمته وتوقيع اتفاقات نفطية بين «شل» وطرابلس الغرب.
الرسالة واضحة حتى لتلك الفئة التي قررت عدم الفهم أو ترفض القراءة. فالاغتيال يعني أن من يريد الصمود في مواقعه سيكون مصيره ليس بعيدا عن مصير الشيخ. وزيارة طوني بلير تعني نحن على استعداد للذهاب إلى أية خيمة وفي أي مكان إذا قرر صاحبها الاستقالة والقعود.
الإشارة الأولى واضحة وهدفها التخويف وإسكات الأصوات المطالبة بالحقوق وتحقيق العدالة. والإشارة الثانية هي مضادة للأولى، لأنها تقول افعلوا ما فعله هذا ونحن على استعداد للسكوت عن النظام والإصلاح من الداخل والخارج وإغلاق ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان وسحب كل الاتهامات السابقة وضمان الكرسي الذي يجلس عليه.
كان على قادة «حماس» قبل إطلاق صيحاتهم أن يطلعوا جيدا على ما يدور حولهم ويفهموا المدارات العربية والدولية التي تشد الدول الى عدد من الاختيارات السياسية بعيدا عن «أبواب الجحيم» و«زلزلة الأرض». فالدول التي ينتظر أن تعقد قمتها في تونس عليها ان تختار بين مقعد الشيخ وكرسي السياسة، ويرجح أن تميل في غالبيتها إلى الكرسي وتشيح عن المقعد.
كان على قادة «حماس» أن يخففوا حماسهم بعد استشهاد الشيخ ويقولوا الكلام البسيط والقليل وألا يبالغوا في تضخيم المهمات حتى تأتي أقوالهم متناسبة بين الطموح والواقع.
«إسرائيل» حين ارتكبت جريمتها المنظمة حسبت كل الحسابات بما فيها الغطاء الأميركي واستخدام واشنطن (الفيتو) لنقض بيان الإدانة. فشارون ليس غبيا وما ارتكبه بمقاييسه ليست حماقة وإنما ينسجم كثيرا مع واقع دولي متردد تقوده الولايات المتحدة نحو هاوية حددت نطاقها الجغرافي من الهند إلى المغرب. والقمة التي ستنعقد في تونس ليست بعيدة عن الهاوية.
كان على قادة «حماس» أن يطلقوا الكلام القليل والمعقول والمدروس حتى تأتي الأفعال على المستوى نفسه أو أقل. فالكلام الكبير لا يقدم ولا يؤخر، وأحيانا يعطي نتائج سلبية ومعكوسة ويسهم في تحويل المعتدي الى ضحية ويغطي كل سلوكه العدواني. الكلام القليل والمتواضع هو الأفضل في مثل هذا الوضع وفي ظروف عربية مشحونة ومذعورة من المستقبل القريب.
قمة تونس ستنعقد وستصدر قرارات في «البيان الختامي»، هذا مؤكد. أما الشيء غير المؤكد ان «أبواب الجحيم» ستفتح وأن الأرض «ستتزلزل»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 569 - السبت 27 مارس 2004م الموافق 05 صفر 1425هـ