في كل مرة أقرأ فيها ما حل بعائلة شاه إيران بعد سقوط نظامه القمعي في العام 1979... وأخص بالذكر مصير الابنة الصغرى لعائلة بهلوي الارستقراطية «ليلى»... اجدها نموذجا لشخصية مزقتها الحوادث بسبب والدها الشاه.
«ليلى» - التي قيل إنها أنهت حياتها منذ ثلاثة أعوام تقريبا بأخذ كميات كبيرة من الحبوب المهدئة لتسقط جثة هامدة في غرفة أحد الفنادق الراقية في العاصمة لندن - ما هي إلا ضحية لصراع مرير رفضته على الدوام ولحقيقة لم تتقبلها على الاطلاق، تلك الحقيقة التي كانت تعكس صورا قاسية الملامح لوالدها الذي وصف بالطاغية.
ليس هذا فحسب، فحرمانها من رؤيته في آخر لحظات منيته جعلها في حال غضب مع نفسها وفي تمرد مستمر مع أفراد عائلتها التي لم تدرك يوما حالتها إلا بعد فوات الأوان... وهو ما ظلت تردده والدتها فرح ديبا بهلوي في معظم مقابلاتها الصحافية. لقد ظلت هذه الحوادث عالقة في عقل «ليلى» منذ أن كانت في التاسعة... فقد كانت من أكثر أبناء الشاه تعلقا به ولم تتصور يوما أن صورة والدها المثالية التي رسمتها عنه كانت لها أوجه أخرى بيدين ملطختين بدماء شعبه.
إن كان هذا نموذج من نماذج مأساة عائلة بهلوي فإن مأساة أخرى مماثلة حدثت ومازالت تتكرر داخل المجتمع الإيراني وتحديدا في مدينة «لوس أنجليس» الاميركية ... هؤلاء من كانوا وربما مازالوا جماعات موالية لعائلة الشاه يترحمون على أيامه.
مأساة «مسعود أمير بحراني» هذه الشخصية التي أظهرتها السينما الهوليوودية أخيرا في فيلم «بيت الرمل والضباب»... إلا أن حوادث الفيلم المستمدة من رواية «بيت الرمل والضباب» هي رواية استمدت من واقع الحياة الذي عايشه نفر من العناصر الإيرانية التي هاجرت إلى أميركا ابان سقوط النظام الشاهنشاهي.
فمسعود سعى إلى أن يوفر الحياة الهانئة لعائلته من دون أن يخبرها بمعاناته النفسية والمادية إذ كان منخرطا في أعمال بعيدة عن منصبه كعقيد سابق في جيش الشاه... إلا أن هواجس الماضي لازمت عقله الباطن الذي ظل يرفض واقعه وظروفه التي فرضت عليه لحين أن يقرر أن يخفف وطأة هذا الشعور بشراء بيت يطل على البحر يشبه بيته السابق في ايران...هذا البيت كان متواضعا إلا أنه كان يذكره ببيته بالقرب من بحر قزوين... وعلى رغم المشاهد الكثيرة إلى المنازعات التي تطرأ على مجريات الفيلم فإن «مسعود» يسقط في النهاية صريعا لفشله وألمه لمقاومة واقعه الجديد. فبعد أن يرتمي ابنه الوحيد «إسماعيل» جثة هامدة بسبب حادثة اختلطت فيها الاوراق، يقرر مسعود امير بحراني أن يلغي ملف حياته وحياة زوجته التي تظل خافية عنها طوال هذه السنوات حقيقة معاناته التي تفاقمت بعد أن خسر ابنه... يقتل رفيقة دربه بالحبوب المهدئة ليخلصها من العذاب وبعد ذلك يقضي على انفاسه بكيس من البلاستيك... مبررا ذلك بأنه سيرجع إلى دياره في اصفهان وقم وطهران بعد أن تنتقل روحه وروح أحبابه إلى هناك من دون متاعب.
قد يسأل البعض عن الدوافع التي جعلتني أطرح هذين النموذجين في مثل هذا التوقيت بالذات... والحقيقة أن فيلم مأساة بحراني كانت سببا لكتابتي هذه السطور فقد أعطت صورة عن فرد مرتبط بنظام سابق وفر له كل شيء باعتباره جزءا من ذلك النظام الفردي الذي لا يعطي كل ذي حق حقه بل هناك عملية اختيار لأفراد ورموز يصنعهم ذلك النظام ويربيهم على الأنانية والموالاة لشخص ما، فيكون مخلصا للنظام ولحاشيته دون أن ينظر إلى الجانب الأسود من حياة ذلك الطاغية إذ الظلم والاضطهاد ضد الأكثرية الساحقة من الجماهير. فهذا الفرد يعيش حتى اليوم الاخير وذاكرته تختزن ذلك الكم الهائل من مفردات «الأنا» - إن صح التعبير - وتصبح تلك الذكريات جزءا من حياته اليومية مغلفة بغطاء التحدي للواقع الجديد ويكون مصرا على أنه أحد مفاخر الماضي. فأمثال هؤلاء لا يمكن أن يقروا بمساوئ العهد البائد مهما برزت شواهد وقرائن الإدانة كونهم يشعرون أن الماضي بكل ما فيه على صواب والحاضر على خطأ... وفي هذا تكمن مشكلة هؤلاء وأمثالهم..
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 567 - الخميس 25 مارس 2004م الموافق 03 صفر 1425هـ
ايام الشاه افضل
حرام راحت ايام الشاه