يقال إن اعرابيا أراد أن ينتقل من مضارب قبيلته إلى قبيلة أخرى، وكانت معه كمية من البلح، وكانت ناقته هزيلة ووضع في «مرحلة» كل كمية البلح التي معه وفي المرحلة الأخرى كمية من الحصى وصار يقود الناقة خوفا من أن ينكسر ظهرها لو ركبها هو الآخر بسبب الحمل الذي عليها.
وفي الطريق التقاه اعرابي آخر وسأله: ماذا معك؟ ولماذا لا تركب الناقة وتسير الى جانبها؟ قال الأعرابي: معي في هذه المرحلة بلحا وفي المرحلة الثانية وضعت أحجارا لأوازن بين المرحلتين ولهذا أصبحت مضطرا أن أمشي حتى لا يزيد الوزن على الناقة. فقال الأعرابي الآخر مستنكرا لماذا لا ترمي الحجارة خارجا وتأخذ نصف ما في المرحلة الأولى وتضعه مكان الحجارة وبذلك يتم حفظ التوازن ويخف الوزن ويمكنك بعدها ركوب الناقة من دون خوف من كسر ظهرها؟
هذا الاقتراح ذكرني بما قررته الحكومة وهو أن تقوم بتعويض صندوقي التعويضات والتأمينات الاجتماعية من خلال أراض حكومية، أي فعلت كما اقترح الاعرابي الذكي عندما أفهم الآخر أن «يشيل من هالمرحلة وايحط في المرحلة الثانية» وتنحل المشكلة. ويبدو أن النائب عبدالنبي سلمان تنبه للعبة بأن الحكومة تود أن تأخذ من أموال الشعب أصلا لتعوض ما سحب من أمواله ولهذا سجل تحفظه. بينما سجل الباقون تحفظهم في نفوسهم على طريقة حين يقول أحدهم: حلفت. من دون أن يسمعه الآخر، فيسأله: لم أسمعك تحلف... ويجيبه: «بلى حلفت في قلبي».
وهي لعبة ظريفة إذ إن المسحوب من أموال الشعب بل أموال أولئك الذين يعتمدون في بقية حياتهم على المبلغ الذي يحصلونه في المرحلة الباقية من عمرهم من الصندوق بعد تعب وشقاء استمر أكثر من 40 سنة. وتأتي الحكومة اليوم لتعوض تلك الخسائر بأراض من أملاك الدولة. وكما يبدو أنها تعتبر أملاك الدولة ملكا خاصا للمسئولين الذين تسببوا في خسارة المواطنين في الصندوقين «الأبيضين»، وبتعويضهم تلك الأراضي برأوا ذممهم، وهي من دون شك حكمة بليغة لا يفهمها إلا لقمان الحكيم وبعض الفلاسفة والمفكرين. ومن يعش في هذا الوطن يرى..
العدد 566 - الأربعاء 24 مارس 2004م الموافق 02 صفر 1425هـ