كانت فضيحة «كوبونات النفط» التي تقدمها حكومة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين عبر برنامج «النفط مقابل الغذاء»، الذي أقرته الأمم المتحدة لإعانة الشعب العراقي الذي كان يعاني الأمرين، ويعيش بين سندان النظام ومطرقة العقوبات الدولية التي فرضتها المنظمة الدولية على العراق منذ سنوات التسعين من القرن الماضي، والتي كانت تمنح لبعض المنتفعين من النظام، كانت «تلك الكوبونات» مجرد قطرة في بحر الفساد الذي غمر العراق العامر بالخيرات طوال أكثر من ثلاثين عاما من حكم البعث.

وبُعيد سقوط نظام الرئيس المخلوع في ابريل/ نيسان من العام الماضي تجلت يوما إثر يوم تفاصيل عمليات الفساد المالي والإداري التي عرفها العراق في حقبة النظام الشمولي الذي لم يكن يتيح مجالا للرأي الآخر ولا يعترف بالشفافية والتعدد والاختلاف، وكانت كوبونات النفط من أكثر تجليات الفساد التي كشفت عنها الأيام التي تلت سقوط الطاغية وكانت «الكوبونات» التي منحت أساسا للمدافعين عن النظام وزبانيته في مختلف أرجاء الوطن العربي طالت قائمتها أسماء عربية وأجنبية بارزة في حقول السياسة والإعلام والأعمال ولا يمكن لوم الطاغية ووصمه وحده بجرم الفساد، على رغم فساده البارز، ذلك لأن الطاغية كان ينظر إلى متلقيي «الكوبونات» كسلع تباع وتشترى في عالم السياسة والإعلام والأعمال، وتلك قضية أخلاقية أخرى لكنها جديرة بالتأمل، والطاغية شأنه هنا شأن أي تاجر يسعى إلى شراء السلعة فيدفع أكثر من غيره وينال ما يبحث عنه، وهنا... هنا فقط، تتكشف ذهنية الفساد الشمولية التي تعمل من وراء حجاب القهر والتنكيل، التي لا يمكن في ظل سيادتها لأي نظام مهما توافرت لديه القدرات والإمكانات من تحقيق شيء ذي بال في حقول التنمية والتقدم، ذلك لأن الفساد يحول دون إدارة شفافة للموارد والمنتجات ويخنق أية محاولة لتنمية الاقتصاد وتقدم البلاد لاسيما وانه كان الطاغية هو وحده الذي يقرر مصير الاقتصاد والسياسة والتخطيط.

ومن العراق تأتي الكثير من الدروس لمن أراد أن يتعلم شيئا في عالم شديد الاضطراب والتغيير