العدد 566 - الأربعاء 24 مارس 2004م الموافق 02 صفر 1425هـ

اصطدام لا إصلاح

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كيف يمكن قراءة تطورات الموضوع الفلسطيني في ضوء اغتيال زعيم «حماس» الروحي الشيخ أحمد ياسين والتهديدات الإسرائيلية باغتيال الرئيس ياسر عرفات وزعيم حزب الله اللبناني حسن نصرالله؟

القراءة تفترض أحد الاحتمالين: إما أن «إسرائيل» استقلت عن الولايات المتحدة وشقت لنفسها طريقة جديدة مغايرة للاستراتيجية الأميركية، وإما أنها لاتزال خاضعة للمشروع الأميركي الكبير وتنسق معه وتخطط من أجل تزويده بعناصر متفجرة في الشهور المقبلة... وقبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني.

الاحتمال الأول غير واقعي. فـ «إسرائيل» لا تستطيع التصرف منفردة من دون غطاء دولي وتحديدا المظلة الأميركية. وكلام الرئيس جورج بوش عن أن تل أبيب تتحمل مسئولية أعمالها غير دقيق لأنه يحاول أن ينفض يده من «جريمة منظمة» في وقت تذهب كل المؤشرات إلى القول إن ارييل شارون ليس بعيدا عن المخطط التدميري الذي أعلنته حفنة من الأشرار الأيديولوجيين في «البنتاغون».

الاحتمال الثاني هو الأقرب إلى الواقع، وأساسه أن «إسرائيل» هي المستفيد الأول من كل الفوضى الإقليمية التي جرّتها واشنطن إلى المنطقة من أفغانستان إلى العراق وفلسطين والدول المجاورة لها أو الواقعة على حدود بلاد الرافدين.

سياسة «إسرائيل» وما تتفرع عنها من عمليات اغتيال واجتياح وتهديد ليست بعيدة عن مناخات التوجه العام الذي تقوده الولايات المتحدة منذ ثلاث سنوات ضد دول المنطقة وشعوبها. وشارون ليس غبيا ليرتكب حماقات تغضب صديقه الوحيد في العالم وتؤسس لمشكلات يمكن تجنبها مع الولايات المتحدة، كذلك «إسرائيل» ليست الآن في وضع يسمح لها التفريط بحليف قوي يقوم عنها بمهمات كبرى لا تستطيع وحدها أن تفعلها أو تتحمل نتائجها.

شارون بحاجة إلى بوش، وبوش بحاجة إلى شارون. وفي هذا المعنى يمكن قراءة الجديد في السياسة الأميركية في المنطقة التي تطلق عليها «الشرق الأوسط الكبير».

سابقا حين كان الاتحاد السوفياتي دولة قوية وموجودة اضطرت الولايات المتحدة إلى اتباع سياسة مزدوجة فهي تدعم «إسرائيل» ضد الدول العربية وتستغل مخاوف الدول العربية من الشيوعية فتدعمها لمنع السوفيات من التقدم في علاقاتهم مع العرب. وبسبب ظروف هذا الميزان الدولي الدقيق في معاييره اتجهت واشنطن إلى مسايرة الدول العربية حتى لا تفلت الأمور من رقابتها وتذهب بعض الدول إلى موسكو، وهذا ما حصل مع مصر وسورية والعراق والجزائر وغيرها. آنذاك اتبعت واشنطن سياسة دقيقة ومرنة وغلّبت الدبلوماسية والتجارة وتبادل المصالح على علاقات القوة والسيطرة المكشوفة. وبسبب هذه الحاجة لجأت إدارات البيت الأبيض إلى الضغط أحيانا على «إسرائيل» وضبطها ضمن مقاييس لها صلة بالتوازن الدولي.

الآن اختفى الاتحاد السوفياتي منذ أكثر من عقد من الزمن وروسيا لاتزال في بدايات صحوتها من صدمة الانهيار. ولأن الظروف الدولية تغيرت اختلف السلوك الأميركي مع الدول العربية نظرا إلى تقلص مخاوفها من إمكانات تمردها أو استفادة موسكو من خلافات العرب مع واشنطن. كذلك طرأت جملة تغيرات على السلوك الدولي للولايات المتحدة سواء على مستوى توازنها الداخلي ونمو كتلة عسكرية (الصناعات الحربية) وسيطرتها على قرار البيت الأبيض أو على مستوى توازنها الخارجي ومخاوفها من نمو كتل اقتصادية منافسة (الاتحاد الأوروبي) والصين.

هذه التعديلات في الموازين الدولية وما أنتجته من توازنات أميركية داخلية ومراكز اقتصادية منافسة تفسر إلى حد كبير الانقلاب السياسي الذي حدث في الاستراتيجية الأميركية بعد ضربة 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

الولايات المتحدة الآن تعيش فترة اضطراب دفاعا عن دورها المهدد بالتراجع في العقدين المقبلين ولذلك لجأت إلى تعديل استراتيجيتها من الدفاع إلى الهجوم. وبدأت تشجع على الحروب وتدفع القوى نحو الاصطدام وتشكيل حالات من اللااستقرار ظنا منها أن الفوضى تخدم أهدافها وتساعدها على إعادة تشكيل خريطة «الشرق الأوسط الجديد».

اللااستقرار العام والفوضى الإقليمية تخدم سياسة أميركا الآن. وهذا ظاهر كما يبدو من تصرفات حليفها الرئيسي في المنطقة. وكل تلك التفجيرات المشبوهة والمفتعلة في العراق وعواصم العالم ومدنه وصولا إلى الاغتيالات والتهديد بالمزيد منها يصب في النهاية في تكتيكات التوتير ودفع المنطقة نحو المزيد من الاضطراب وعدم الاستقرار.

قراءة الموقف الأميركي تبدأ من هذه الزوايا الجديدة. واغتيال الشيخ ياسين والتهديد باغتيال عرفات ونصرالله وغيره من أفعال مشبوهة... كلها تدل على أن توجه أميركا في الفترة المقبلة يتركز على دفع المنطقة نحو المزيد من أجواء التصعيد. فأميركا تريد الاصطدام لا الإصلاح

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 566 - الأربعاء 24 مارس 2004م الموافق 02 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً