العدد 566 - الأربعاء 24 مارس 2004م الموافق 02 صفر 1425هـ

قاسم حداد وأشعار من كتاب الأمل

في أمسيته الأخيرة مساء أمس الأول الثلثاء 23 مارس/ آذار آذار الجاري في مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة للبحوث والدراسات كانت عين الشاعر قاسم حداد تتأمل المقاطع الشعرية تالية شيئا منها للجمهور الغفير الذي حضر أمسيته، وعينه الأخرى تراود كتابه الجديد الموضوع بنسخه الكثيرة على الطاولة في احدى زوايا القاعة.

تلا الشاعر مقطوعاته الشعرية والاحساس الذي ينطبع على وجوه المستمعين إحساس يمازج بين كتابه الجديد وشعره الجديد، تلك العلاقة الشفافة التي جمعت بين نص شاعري وبين نص أدبي يحكي سيرة شخصية للشاعر إذ نشأته في مدينة المحرق المدينة العريقة التي يجدها ورشة الأمل، وهو الاسم الذي اختاره عنوانا للكتاب، وبحسب التقديم الذي قام به حسن كمال فان الشاعر أحب أن يتحدث عن المحرق التي يراها تتقاطع بالدروب الانسانية فيأخذنا في رحلة الى الماضي ليطوف بمدينة المحرق كنورس شعري وكأنه يقترب بنصه الشعري الى بيته الأول، ليقول لنا في النهاية إنه لم يكتب كل شيء لأنه لا يعرف كل شيء.

بدأ قاسم كلماته الأولى وعلى يمينه الموسيقي الشاب محمد قاسم حداد في عزف على آلة العود، وكم كان الأب موفقا حين اختار الابن في حوار مع الشعر والموسيقى وحين قدمه على أنه عازف يتلبس صورة الابن، فقد كانت المقاطع الموسيقية الأولى لمحمد قاسم حداد في عزف شفيف سحري حالم يحملنا في تموجاته على أجنحة من الشعر والنغم يدخل عليها قاسم قائلا في مقاطع مختارة من شعره: مثلما يفعل الله، كان ذلك في مستحيل من الضوء، لم يكن يعرف الوقت، وليس لدينا دليل يضيع بنا في المجرات. جثة النوم فينا، كان ذلك في مستحيل يناسبنا. آه من الليل مما اعتراني، من الولع المرتعش، كان ذلك ليل انتبهت، وفيما تبقى من الوقت تذهب من دون قصد، وكيف أصدق أخبارنا.

ليدخل بمقاطع من قصيدة صوفية أخرى يعنونها باسم الحب، يقول فيها: قل هو الحب، زجاج يفضح الروح وترتيل الحمام، قل لهم بين كتاب الله، قل لهم فيما ينامون، قل هو الحب، تاج الرمل مخدوعا على أقدامنا، والذي لا ينتهي لا ينتهي، قل هو الحب طريق ملك نبني عليه كلما أفضى لنا سرا، لكأن الله لا يحنو على غيرك، قل هو الحب الذي أسرى بليلى وهدى قيسا الى بحر الهلاك، قل هو الحب يراك.

ليقول في قصيدة «انتحارات»: سنقرأ شعرا يؤلفه الأصدقاء وينتحرون، لدينا لهم ما تبقى لنا من بلاد، لدينا لهم جوقة من بقايا الحروب، جنودا يؤدون كل النهايات، لماذا يشكّون أنّا وحيدون من بعدهم، أيها الأصدقاء الوحيدون في بيتهم لدينا لكم لو تريثتموا، فكل انتحاراتكم عبث عارم أيها الأصدقاء الحميمون.

وهنا تداعبنا النغمات الشجية المسترسلة من عود محمد قاسم حداد في كؤوس مترعة حتى الثمالة، ينتشي بها الشاعر فيقرأ من قصيدته الأقداح المعقودة في الثمالات: منحتك ما خصني الله، منحتك كل هذا لأن الله خصني به، بالغت لك في الحب، سألت عنك الأوجه، سألت ملوكا يجرون لك الحدود، تعالي أدعك لك حبة العشب، هاتي كلما أرخيت أسمائي، هل لنا مستقبل يمضي بلا عنوان، هاتي هنا أقداحنا معقودة حتى الثمالة.

سأقول عن ليلى، كان مطلع القصيدة التالية التي غناها محمد قاسم حداد: سأقول عن ليلى عن العصر الذي يرتاح، عن البدوية العينين والنارين، «ألا يا صبا نجد متى غبت عن نجد»، عن النوم الشفيف يشي بنا.

ويغني العازف مرة أخرى: ربيناهم فهدا فهدا.

ليقف الغناء فيهدي قاسم قصيدة جديدة لأمين صالح: يا سديم الفلك، ما الذي يجعل الناس مرتابة القلب، قالت لي الشمس ما الذي أجلك سبحان من أولك من خصني بالجواشن، تبجلت بالحب عيناك مأخوذتان، سوف ينتابك الوقت أرجوحة.

وفي صلاة حارة متوسلة لله، آثر أن ينهي بها أمسيتة، قال قاسم: الهي المس هذا القلب بقلبك، الهي دلني على طريق لا مملوكة ولا باب لها. ولكن الشاعر ليلتها دل جمهوره على طريق مملوكة ولها باب، ولجوا منها الى زوايا وحارات في قلب المحرق فكان هناك الانصات الى الشاعر والتأمل في ورشته التي جعلت منه قاسم حداد إذ كانت أصداء شعره تبلغ بالحاضرين أقصى الأماكن لترسم صورة عن حياته وشعره.


قاسم حداد... قلقنا الجدير

الوسط - المحرر الثقافي

أجريت عددا من المكالمات الهاتفية لأكون قريبا من أجواء رد الفعل اتجاه أمسية «كبيرنا الذي علمنا السحر»، كلها كانت تؤكد ما لايحتاج الى تأكيد من أن هذا الرجل علامة مضيئة في تاريخنا وحاضرنا الشعري.

هاتفته ولم يرد، عاود الإتصال وبدماثته المعهودة لم يتح لجهاز هاتفه أن يسترسل في اشارته حرصا على حال يريدني الإستغراق فيها، حال خاصة، أعدت الإتصال به، اعتذرت بخجل بيّن لعدم تمكني من حضور الأمسية، وببداهته العميقة رد: أنا حاقد عليك حين تفتعل الإنشغال وتكون بعيدا عن أحبتك. أجبت: لا أحسن الا الإنشغال، عليّ أن اسهر على رعية المهنة، رد: من الأفضل لك أن تعمل «ناطورا» ما دمت في العمق من هذه الورطة. أجبت: ومن يأمن لناطور في الأرذل من العمر؟. رد: هذا آخر قبول لاعتذاراتك المتراكمة. أجبت: أرجو أن يكون آخرها.

قامتك تحرج كثيرين، تثير حفيظة قامات بطول التراب!. يحسدك كثيرون حتى أولئك الذين يضمرون لك شيئا من الحب، ولكنهم حين يأوون الى النوم تبدو لهم مثل كابوس لم يستفرد بنائم وجل منذ زمن!

علامة مضيئة تظل ومنعطفا مهما في أبجديتنا القلقة. هنا في البحرين قبل جرائرك المخلّصة... المخلّصة من الإيقاع العبثي والبليد، المخلّصة من ركام كلمات لا تختلف كثيرا عن ركام أسوار المقابر وهي في طريقها الى الترميم ! وأي ترميم هذا؟ ما الذي يضيفه الترميم الى المقبرة؟ هل يمنح العظام النخرة وسامة تدفعها الى نفخ روح استثنائية فيها؟

قاسم حداد، يضعنا أمام حقيقة ما ننتجه من ثرثرة، شاء من شاء وأبى من أبى، و«ليتحسس البطحة فوق رأسه» ذاك الذي يعمد بمناسبة أو غير مناسبة الى التقليل من بهاء هذا الحضور الذي يقلقنا بعض الشيء صمته ويحرضنا على اجتراح كرنفالات صوته العميق ونبوءته الفريدة ورؤياه الجديرة بأن يُنحنى لها لا لشيء فقط لنسجل اعتزازنا وقوتنا بهذا الصوت الفريد والإستثنائي





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً