عندما يعلن الصحافي على رؤوس الأشهاد قائلا: «اللهم إني بلغت» فهو بذلك يؤكد براءة ذمته، لأن الكتاب ورجال الصحافة مسئولون عن تنوير الرأي العام وكشف أخطاء كل الجهات لا الحكومة فحسب، بل أيضا المجتمع المدني لأن كلا الخطأين قد يهز استقرار الوطن، ودور الشرفاء من الكتاب يفوق دور أعضاء جمعيات الشفافية لأنه رقيب على مصالح المواطن والوطن وإلا يكون خان أمانة القلم والفكر.
صحيح أن هناك أقلاما وجهتها كوبونات نفط «فخامة» الرئيس صدام في وطننا العربي وخارجه، غير أن هناك شرفاء لم يشموا رائحة النفط إلا من سياراتهم (إذا صارت «إتليّك») أو في محطات البنزين. وما حدث في الأيام الأخيرة في هذا الوطن وفي مرحلة حساسة تمر بها المنطقة، والحديث الذي يدور من قبل الإدارة الأميركية عن مؤامرتهم الجديدة عن المشروع الإصلاحي لـ «الشرق الأوسط الكبير» كلها تجعل أبناء هذه المنطقة القريبة من العراق المحتل من قبل المارينز الأميركي والمخترق من الصهيونية العالمية يشعرون أن أية هزة للاستقرار السياسي لأي بلد منها قد يجره إلى ويلات لا يستفيد منها إلا الذين تعميهم العملية الإصلاحية وتسحب البساط من تحت أقدامهم، ممن من مصلحتهم أن يدوسوا الشعب من خلال منطق بعضهم «إن الشعب الخليجي كالسجاد الإيراني كلما دسته أكثر صار أفضل» ومن تكون هذه فلسفته فهو لا يتمنى للهيب الاختلاف بين الأطياف المختلفة وجمعيات المجتمع المدني أن ينطفئ ويدعو في صلاته - إن كان يصلي حقيقة - «اللهم اجعل بأسهم بينهم»، وربما يضيف «واجعل المعارك تحتدم بينهم حتى يستعينوا بنا ويطلبوا الأمن والأمان مهما كان ثمنه بما فيه المطالبة بإعلان حالة الطوارئ».
وحين قال منصور الجمري «اللهم إني بلغت» كان يؤكد وبإصرار أن الذين رفضوا إدانة عمليات التخريب وخرجوا على الأخلاقيات التقليدية للبحرينيين وتخطوا القوانين والمنطق يعني أنهم موافقون، ولأول مرة أعرف أن هذا المثل جاء في مكانه الصحيح، فالسكوت ليس مجرد علامة الرضا، بل دليل إدانة للطيف الذي ينتمي إليه المتجاوزون.
وفي ظني لا أحد من أي طيف كان يستطيع أن يزايد على وطنية منصور الجمري ولا على منهجه، فهو وطني حتى النخاع ونضاله المرير عندما كان في الخارج والذي كان له دوره في التغيرات التي حصلت في الداخل أمر لا يختلف عليه شخصان، أما منهجه فلا يحتاج إلى إثبات، لكنه أثبت شيئا آخر عندما عاد وأصدر صحيفة «الوسط» هو أنه ينتمي إلى الوطن ويبحث عن مصلحته (الوطن)، فلا الطيف الذي ينتمي إليه يمنعه من ممارسة دور المعارض، ولا توجهاته الفكرية والسياسية، لأنه عاد ليكون مواطنا ينتمي إلى الوطن فقط ويعمل بكل إخلاص من أجل الغد الأجمل من دون مزايدة أو مناقصة
العدد 564 - الإثنين 22 مارس 2004م الموافق 30 محرم 1425هـ