فور ورود نبأ اغتيال مؤسس حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) الشيخ أحمد ياسين سارعت خدمة شبيغل أونلاين لعرض مقابلة أجريت في العام الماضي مع الشيخ الراحل عقب الإعلان عن مبادرة جنيف التي تبنى الشيخ ياسين موقفا معارضا لها. في هذه المقابلة سألته مراسلة مجلة «دير شبيغل» في فلسطين أنيتي غروسبراندت عن رأيه بأعمال التصفية المركزة ضد الكوادر الفلسطينية وما إذا يشعر أنه على القائمة كانت إجابة الشيخ: كلما قضى الإسرائيليون على قائد واحد منا ظهر عشرة مكانه.
كان الأجدر برئيس الوزراء الإسرائيلي والجنرال السابق ارييل شارون أن يقرأ عبارات الشيخ ياسين جيدا وفهم أبعادها. وقد اختار الوقت المناسب للتعبير عن موقفه تجاه السلام إذ أمر باغتيال الشيخ ياسين بعد يومين فقط من اجتماعه في مزرعته مع ملك الأردن عبدالله الثاني وقبل أيام قليلة على انعقاد القمة العربية في تونس. لكن شارون الذي يبغض وصفه بالبلدوزر، ارتكب خطأ فادحا وصب الزيت على النار حين أمر بالقضاء على الشيخ ياسين. ليست الجريمة مفاجأة لأحد حتى الشيخ ياسين نفسه كان يعرف أن يد الغدر طويلة وقد تناله في أي وقت.
إن اغتيال مؤسس حركة «حماس» لن يسهم بأي حال في توفير الأمن للإسرائيليين ويرجح أن هذه الجريمة طبعت «قبلة الموت» على جهود السلام كافة، لأن شارون قدم الدليل القاطع على أنه ليس رجل سلام فقد تلطخت يداه بما فيه الكفاية من دماء الفلسطينيين، ووضع «إسرائيل» في موقف خطير لأن السؤال ليس إذا بوسع «حماس» الانتقام لمقتل زعيمها الروحي أو نوعية الهدف المقبل، وإنما كيف ومتى تبدأ سلسلة العمليات الانتقامية وهل تقتصر على «إسرائيل» فقط؟ حملت قيادة «حماس» الولايات المتحدة جزءا من المسئولية وقال متحدث باسم الحركة إن شارون لم يتجرأ على إصدار أمر لارتكاب هذه الجريمة البشعة لولا أنه حصل على موافقة من واشنطن، منذ أن زار شارون البيت الأبيض بعد وقت قصير على فوز الرئيس بوش نشأ تحالف ثنائي بين الرجلين وقد وصف بوش رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه «رجل سلام». وكان هجوم 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على الولايات المتحدة فرصة استغلها شارون لإعلان ما وصفه بالحرب المناهضة للإرهاب مستخدما الأسلوب نفسه الذي اتبعه الرئيس الأميركي بوش ضد طالبان و«القاعدة» في أفغانستان، وشرعت «إسرائيل» بممارسة التصفية الجسدية لكوادر فلسطينية بداعي الحرب الوقائية التي من شأنها ردع خصوم الدولة العبرية. ولم تصدر عن المجتمع الدولي إدانة واضحة لعمليات الاغتيال والاجتياح التي تمارسها «إسرائيل» ضاربة بعرض الحائط ميثاق حقوق الإنسان وحق الشعوب العيش في أمان. وحافظت «إسرائيل» على سمعتها ككيان يرفض الإذعان لقرارات مجلس الأمن الدولي وتبقى قوتها الوحيدة أنها مسلحة بـ 200 رأس نووي وبتعاضد الولايات المتحدة. إن اغتيال الشيخ ياسين لن يوفر الأمن للإسرائيليين، بل على العكس، متى وأين ستنفجر أجساد الفلسطينيين الشبان داخل الحافلات والمطاعم والمراقص وأماكن تجمع الإسرائيليين؟ وحين يحصل نزيف دم جديد، لمن ستوجه أصابع الاتهام؟ إن شارون الذي نشأ وهو يقاتل الفلسطينيين ولا يعرف غير لغة العنف، لا يملك تصورات سياسية. وبعد هذه الجريمة البشعة أصبح من الصعب على رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع الحديث قريبا مع رئيس وزراء جعل قتل الفلسطينيين من أولويات سياسته الدنيئة. إن هذا لم يكن ليحصل لو أن العالم وخصوصا الغرب اهتم فعلا بالبحث عن حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي وضغط على شارون كي يأخذ الفلسطينيين على محمل الجد ويتفاوض معهم، لأنه سيان عند الفلسطينيين من هو الإسرائيلي الذي يوقع معهم على اتفاق سلام. جريمة يوم الاثنين عرت شارون ولن يكون بعد اليوم جديرا بالحديث أو التفاوض معه حتى ينتخب الإسرائيليون بديلا له. والسؤال متى يأتي دور ياسر عرفات إذ ليس هناك محرمات في سياسة التصفية الإسرائيلية التي ينبغي محاسبة المسئولين عنها أمام محكمة جرائم الحرب في لاهاي. لقد ارتكب الناخبون في «إسرائيل» خطأ فادحا حين اقترعوا لشارون وحين أعادوا انتخابه والذين أيدوه ينبغي أن يسألوا أنفسهم اليوم إذا الوضع الأمني بعد اغتيال الشيخ ياسين تحسن أم أن العرق يتصبب من جباههم؟
العدد 564 - الإثنين 22 مارس 2004م الموافق 30 محرم 1425هـ