لا أخفي شعوري بالاعتزاز عندما أرى الشيخ المجاهد الشهيد أحمد ياسين واقفا أمام كل العالم وهو يتحدى «إسرائيل»... يصرخ، يهدد ويتوعد... يقول فيفعل. أتسمر لحظات أمام شاشة التلفزيون وأنا أقول في نفسي: سبحان الله، تلك هي القيادة وهذه هي صدقيتها، كل شيء فيه مقعد إلا قلبه وعقله... وعلى رغم ذلك لم يسمعوا منه كلمة انكسار أو لفظة هزيمة... إنه يوم عظيم على الله أن يتمزق هذا الجسد الأصم، وهذا الكبرياء اللامحدود من العزة والكرامة.
يا شيخ ياسين، لقد أعدت إلينا صورة العظماء القادة كيف يضحون بأغلى ما عندهم وهي الروح فداء للإسلام والوطن والقدس! في ساعة فجرٍ وأنت تقترب من الصلاة كنت تتمتم والملائكة تحيطك من كل مكان... وعينك ترقب فجر الشهادة تكللها بعبق الصلاة... أنت تقترب من المحراب وفي الهزيع الأخير من الليل وأعداؤك يقتربون منك خطوات ليغتالوا جسدك بعد أن أعجزهم الإيمان. لن نبكيك يا شيخ شهداء فلسطين لأن اليوم يوم ولادتك الخالدة في عمق الزمن.
لا تبكهِ فاليوم بدءُ حياتهِ
إن الشهيد يعيش يوم وفاته
طالما تمنيت منذ أن كنت صغيرا أن تكتحل عيني برؤية هذا الرجل العظيم الذي هزم «إسرائيل» وهو إنسان مقعد، فقد قال فيه أحد الإسرائيليين ذات يوم: «لقد قتلنا فيه كل شيء فأخذ يحاربنا بعقله وذلك أمر لا قدرة لنا عليه». أقول: طالما تمنيت لقاءه وتحقق الحلم ذات يوم عندما كنت أدرس الفقه في إيران وصل خبر في الحوزة أن الشيخ ياسين - وذلك بعد إطلاق سراحه بأشهر - سيأتي إلى الحوزة. هرولنا نحو الحوزة، تكدسنا نحن الطلبة من شتى البلدان ننتظر طلعة الزعيم ورجل فلسطين الأول الذي أعجز المرض والبندقية وخوذة «إسرائيل»... دخلنا القاعة، رفعنا أصواتنا بالصلاة... ألقى كلمته الجهادية... وحاولنا الوصول إليه وكان الحلم أن أقبله وتحقق الحلم فكان يوما من أسعد الأيام، لكني بكيت عندما رأيت الجسد ممزقا أشلاء. إلا أن الحقيقة التي لا مفرّ منها هي أن الرجل لا يمكن أن يناسبه تكريم غير تكريم الشهادة، لهذا جاءت إليه وهو ذهب إليها.
الانتفاضة لن تنتهي، ودم الشهيد سيزيد من أوارها وسيفجر فيها عزائم أخرى، و«إسرائيل» وضعت نفسها في مأزق، المستقبل هو الذي سيثبت ذلك.
إنه يوم حداد ويوم فاجعة، ومن حق الشهيد علينا أن نؤبنه وأن نعلن الحداد عليه، فهو قائد الجميع وأب لكل المجاهدين.
أتذكر من بعض كلمته التي ألقاها علينا أنه قال: «لقد جاء الضابط الإسرائيلي بابني يريد أن يكسر نفسيتي... ألقى السجان ابني على الأرض ووضع رجله بحذائه الثقيل على رأسه... أخذ ابني يصرخ وأنا أنظر إليه... تأملت، لكني صبرت فلم أسمعهم كلمة انكسار واحدة... وهذا هو طريق الجهاد... مكلف لكنه يأتي بالنصر».
يا أبانا... إنك لم ترحل وستبقى أنشودة كفاح ترتل عبر الأجيال، وستبقى الزعيم الذي لم يهادن، ولم يبع دماء الشهداء، ستبقى الملهم لكل الأمة. فسلام عليك يوم وُلدت ويوم استشهدت ويوم تُبعث حيا
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 564 - الإثنين 22 مارس 2004م الموافق 30 محرم 1425هـ