اعتبر الكثير من الأوساط الإعلامية والسياسية إجراءات التغيير الوزاري التي أقدم عليها العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز خطوة جريئة على أكثر من صعيد، وخصوصا أن من بينها كان تولي نورة الفايز منصب نائب وزير التربية والتعليم لشئون البنات، نظرا إلى كون ذلك أعلى منصب حكومي تتولاه، حتى اليوم، امرأة سعودية.
ومن دون الحاجة إلى الخوض في مدلولات تلك التغييرات، التي مست أيضا جهازالقضاء و»هيئة كبار العلماء»، والتغطية الإعلامية الكبيرة التي حظيت بها، لابد من الاعتراف بأن توزير امرأة في السعودية، حتى وإن كانت في وزارة التعليم، و»لشئون البنات»، يعتبر مكسبا كبيرا للمرأة السعودية، التي ناضلت كثيرا على امتداد السنوات الأربعين الماضية على الأقل، وماتزال، من أجل نيل أبسط الحقوق الإنسانية، مثل الحق في قيادة السيارة، وحقها في السفر، من دون استجداء ذلك من «ولي أمرها» أبا كان أم زوجا، وفي بعض الأحيان من أخ يصغرها سنا ودونها علما.
هذه الخطوة السعودية،على أهميتها، تلفت النظر إلى مسائل كثيرة تتعلق بحقوق المرأة، ليست السعودية فحسب، وإنما العربية أيضا. فكثيرا، ما يؤدي التركيز على أوضاع المرأة في السعودية، إلى القفز على أوضاعها المتردية في المنطقة العربية على نحو شامل. والحديث هنا لا يقتصر على القراءة السطحية التي قد يقوم بها البعض في قوانين بعض البلدان العربية، والاكتفاء بوجود بعض النصوص المتناثرة بشأن إنصاف المرأة كي يصل إلى نتائج مغلوطة، فهناك شتان بين توافر النص وتطبيقه.
لكننا، حتى لو اكتفينا بالحكم على مدى إنصاف المرأة العربية بالعودة للنصوص، فسنكتشف أن المرأة العربية، ماتزال، على رغم أنها قطعت شوطا كبيرا على طريق انتزاع الكثير من حقوقها المسلوبة، ماتزال، وبموجب السمة الطاغية على تلك القوانين، مواطنا من الدرجة الثانية، مجردة من الكثير من الحقوق التي يستأثر بها «الذَكَر» العربي.
على المستوى الاقتصادي، ماتزال هناك بعض المهن -وبحكم القانون، في بعض البلدان العربية- حكرا على الرجل، نظرا للمقولة السائدة إن المرأة غير «مؤهلة» ذهنيا أو عاطفيا كي تتبوأ مثل هذه المناصب. بعبارة بسيطة أن التركيب البيولوجي للمرأة، بغض النظر، عن كفاءتها الذهنية، أو مؤهلاتها العلمية، يحرمها من القدرة على، ومن ثم الحق في، شغل تلك المناصب. لن نعيد اجترار مقولات من نمط أن «ذلك يجرد المجتمع من نصف قوته الإنتاجية»، فهذه المسألة تبقى ثانوية، بل وهامشية، عندما تقارن بتجريد إنسان من حقه الطبيعي في ممارسة مهنة، أهل نفسه، ذهنيا، وعلميا، وربما بدنيا، كي يشغلها.
على المستوى الاجتماعي، ماتزال المرأة العربية، غير قادرة، بحكم القانون، في إعطاء جنسيتها لأبنائها، وهو حق يتمتع به الرجل. ويصعب استحضار أي منطق يفسر -ناهيك عن أن يبرر- مثل هذه القوانين الجائرة، في عالم أصبح في وسع الإنسان أن يكتسب جنسية بعض البلدان الغنية والمتقدمة، في حال الإقامة فيها عددا معينا من السنوات. لن نتشعب هنا لطرق موضوعات أخرى مثل الحق في تعدد الزوجات وقضايا أخرى، تحاشيا للدخول في متاهات تحرف القارئ عن جوهر الموضوع والذي هو أن المرأة في بلداننا العربية، ماتزال على رغم كل المكاسب التي حققتها بنضالاتها وتضحياتها اللامحدودة، لم تصل إلى نيل حقوق المواطنة التي تستحقها.
على المستوى الحضاري، وهو الأهم، لم تنجح المرأة حتى الآن في زرع حقها المشروع في المساواة في ذهنية الفرد العربي، ذكرا كان أم أنثى. فمازلنا حتى يومنا هذا، رجالا ونساء، وباستثناء نسبة ضئيلة، تصعب الإشارة إليها، نعتقد ونمارس سلوكيات غير عادلة تجاه المرأة العربية. تغيير هذه الذهنية، لا يمكن أن يتم ببعض التغييرات الشكلية في واقع المراة، كإسناد وزارة لها هنا، أو إعطاء منصب عال لها، نشتري به سكوتها عن حقوقها، هناك، نقطة الانطلاقة.
المقصود هنا ثورة حضارية تعصف بالذهنية المتحكمة في تفكير وسلوك الفرد العربي تجاه المرأة العربية، إن كنا جادين فعلا في تغيير حضاري جذري وشامل. الخطوة الجريئة المطلوبة هنا تبدأ بالمناهج التعليمية، وفي المراحل المبكرة من المراحل التعليمية، كي نغرس في أذهان أطفالنا، وبشكل صادق، المساواة التي تستحقها المرأة مقارنة بالرجل. لا يكفينا اجترار مقولات من نمط «الأم مدرسة أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق» فالمسألة أعمق من ذلك بكثير.
بوسع القارئ هنا أن يعود إلى الكتب المدرسية، ومعها الكتب المساعدة التي تقوم بنشرها الكثير من دور النشر العربية الخاصة، كي يكتشف أن أطفالنا، فتيانا وفتيات، يرضعون التمييز غير العادل بين المرأة والرجل، والإجحاف غير المنطقي وغير المبرر الذي يلحق بالمرأة، من خلال مطالعتهم لتلك الكتب، والتمعن في محتوياتها.
فما لم تتحقق الثورة الحضارية المطلوبة لإنصاف المرأة، تبقى كل الإنجازات، بما فيها التوزير، إجراءات تجميلية غير كافية، بل وعرضة للتراجع عنها في مراحل لاحقة، فالأمر لا يتطلب أكثر من قرار. فذات القرار الذي أهدى المرأة الحقيبة الوزارية اليوم، بوسعه أن يجردها منها في مرحلة لاحقة. فالأمر لا يحتاج إلى أكثر من قرار في كلتا الحالتين.
لكن الأمر يختلف عندما تتحول تلك المكاسب إلى حقوق مكتسبة راسخة في أذهاننا، كاملة، وليس كأفراد، حينها تتحول القرارات إلى ثوابت يصعب التراجع عنها إلا بثورة حضارية مضادة.
حقوق المرأة قضية حضارية لا يمكن نيلها إلا بثورة حضارية من ذات المستوى. وما دون ذلك تبقى مكاسب صغيرة وآنية لا يمكن التقليل منها لكنها لا تشفي غليل الرجل المتحضر قبل المرأة. فمتى نكون متحضرين كأمة؟ دون التقليل من أهمية الفرد ودوره
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2356 - الإثنين 16 فبراير 2009م الموافق 20 صفر 1430هـ