فوجئنا ونحن نحتفل بمناسبة اليوم العالمي للمرأة هذا العام وتحديدا في يوم الأربعاء الموافق 10 مارس/ آذار الجاري بإصدار وزارة العمل والشئون الاجتماعية نسخة معدلة للمرة الثانية للنظام الأساسي للاتحاد النسائي.
وكانت في الاتجاه المعاكس لتوقعات الجمعيات والعضوات. وبعد القراءة المتأنية ومقارنة البنود بين هذا النظام والنظام الذي رفعته اللجنة التحضيرية للمرة الثانية للوزارة، اتضح أن تغييرات أساسية مست الأهداف والأدوار وحتى الهيكل التنظيمي للاتحاد
كنا قبل ذلك متفائلات، ففيما عدا بعض التحفظات لجمعيتين حديثتي التأسيس، فيما يتعلق بآلية الحوار ودوريهما الحالي، ووفق تصوراتهما الخاصة، لم تتبد من قبل وزارة العمل أية بوادر سلبية تعترض طريق الإشهار، وخصوصا بعد أن قدمت اللجنة التحضيرية النظام الأساسي منقحا من عضوية الأفراد واللجان النسائية عملا بقانون الجمعيات الحالي وبناء على سلسلة اللقاءات في الجمعيات وداخل اللجنة التحضيرية. لم يكن اتخاذ القرار سهلا فالجميع مازال يرغب في إقامة اتحاد يشمل نساء البحرين كافة ويمثلهن تمثيلا حقيقيا، ولكن توافقت الرؤى والرغبات في الدفع بولادة هذا الاتحاد، ليتولى الدفاع عن عضوية الآخرين بنفسه بعد أن يتجاوز مرحلة الحلم إلى الحقيقة وتصبح له الشخصية الاعتبارية. ولنلقي الضوء هنا على «التعديلات» وفق المجالات الواردة في النظام الأساسي.
الجمعية العمومية بدل المؤتمر العام... ومجلس الإدارة بدل المكتب التنفيذي
يبدأ النظام المعدل بأحكام عامة تحت الباب الأول في سبعة بنود تتعلق بالتأسيس والتسجيل والعضوية، وهي أحكام من وجهة نظري عامة فعلا وتعريفية، غير ذات تأثير على النظام، فيما عدا المادة (7) التي تورد مصطلح مجلس الإدارة للمرة الأولى إذ تتحدث المادة عن التمثيل القانوني لرئيسة «مجلس الإدارة» للاتحاد، نعم «مجلس إدارة الاتحاد» وليس المكتب التنفيذي.
لقد تم استبدال المكتب التنفيذي للاتحاد بمجلس إدارة، حاله حال أية جمعية، في حركة ربما تستكبر على كيان قيادي نسائي لمجموع الجمعيات النسائية مصطلح المكتب التنفيذي، على رغم أن المصطلح أصبح متداولا في الكثير من المؤسسات في القطاعين، الخاص والعام في كل مكان.
ألا يعمل الاتحاد العام لنقابات العمال بقيادة أمانة عامة يديرها أمناء، من دون المساس بالقانون واللوائح الاسترشادية للوزارة، لماذا إذا هذه التفرقة؟ ولماذا التحجيم؟ هناك فرق أيضا في المدد الزمنية لسلطة المكتب التنفيذي في نظام الاتحاد ولمجلس الإدارة في نظام الوزارة، إذ إن العضوة في المكتب التنفيذي تفسح المجال لغيرها بعد دورتين متتاليتين بينما وفق نظام الوزارة يحق لها أن تستمر لمدد غير محددة كذلك استبدل نظام الوزارة «المؤتمر العام» بـ «الجمعية العمومية» التي قرر لها وفق وجهة نظر الوزارة أن تتألف من رؤساء وأعضاء مجالس إدارات الجمعيات القائمة المكونة لها (المادة 20)، ومعنى هذا أن الرئيسة الدائمة أو عضوة مجلس الإدارة الدائمة في أية جمعية، تكون عضوة دائمة في الجمعية العمومية للاتحاد، في حين كان المؤتمر العام في مشروع التحضيرية مؤلفا من عضوات منتخبات من قبل الجمعية العمومية لكل جمعية، في ممارسة ديمقراطية تتيح مجالا لمشاركة عدد أكبر من الناشطات في إدارة شئون الاتحاد... أي الممارستين أصح ديمقراطيا؟ أترك الحكم لكم.
ومن حيث اختصاصات «الجمعية العمومية» للاتحاد فقد حذفت ثلاث مواد على الأقل، أما اختصاصات «مجلس الإدارة» ففيما عدا ثلاث مواد أخذت من مشروع التحضيرية، نسخت اختصاصات مجلس الإدارة المعتادة في النظام الأساسي للجمعيات نسخا شبه مطابق مع بعض الاختصار و استبدال كلمة «جمعية» بكلمة «اتحاد» وإجراء التغييرات اللغوية المترتبة عليها من تأنيث إلى تذكير.
إن بنود النظام المعدل تدفعنا للسؤال إن كنا بصدد تشكيل هيئة تنسيق جماعية تضم الجمعيات لتكرس الأدوار المعهودة نفسها في الجمعيات، مع بعض التطوير لذر الرماد في العيون، أم بصدد إنشاء كيان أعلى مرتبة، برؤية أعمق، وبمنهجية وجدول أعمال وأدوار أرقى؟ إن كانت الوزارة تفكر بمنظور التنسيق القديم فكان من الأولى اطلاعنا على ذلك المنظور صراحة حتى نوفر علينا كل هذه الجهود المبذولة على مدى السنوات الثلاث الماضية، ولعلنا كنا توجهنا بنجاح لتشكيل «لجنة تنسيق عليا للعمل النسائي» تضم اللجان النسائية والأفراد من دون الحاجة إلى موافقة الوزارة. أفلا تعتقد الوزارة أن العمل النسائي منذ الخمسينات قدم جهدا ما يستحق معه شيئا من الاحترام والتقدير، شيئا يسيرا فقط؟
ماذا حدث للأهداف؟
فيما يخص الأهداف فقد حذفت الأهداف الآتية:
- العمل على إشراك المرأة بصورة فاعلة في الحياة السياسية «رقم 3 من مشروع التحضيرية».
- السعي إلى إلغاء أشكال التمييز ضد المرأة كافة «رقم 5 من مشروع التحضيرية».
- السعي إلى إشراك المرأة بصورة فاعلة في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية «رقم 7 من مشروع التحضيرية».
- حماية المكتسبات التي حصلت عليها المرأة البحرينية والسعي إلى الحصول على المزيد من الحقوق والمكتسبات التي تحقق لها المواطنة الكاملة «رقم 10 من مشروع التحضيرية».
- العمل مع الجهات المختصة لصوغ القوانين والتشريعات التي تحمي المرأة وتمكنها من ممارسة حقوقها وواجباتها «رقم 11 من مشروع التحضيرية».
- العمل على تعزيز العلاقات مع الاتحادات والمنظمات النسائية والعربية والدولية «رقم 12 من مشروع التحضيرية».
وأضيف الهدفان:
- التنسيق مع المجلس الأعلى للمرأة في البحرين في كل ما يتعلق بقضايا وشئون المرأة «ورد ضمن الوسائل في مشروع التحضيرية - الوسيلة رقم 9».
- دعم المشروعات التنموية للجمعيات الأعضاء بالاتحاد فنيا وماديا «ورد ضمن الوسائل في مشروع التحضيرية الوسيلة رقم 2».
وعندما نتمعن في البنود التي تم حذفها، نجد أن غالبيتها تتعلق بحقوق المرأة كمواطنة، وصوغ التشريعات وحماية المكتسبات، ومحاربة التمييز، والمشاركة السياسية وكلها بنود من وجهة نظرنا بالغة الأهمية ومتواكبة مع جو الانفتاح السياسي ودعم المشاركة النسائية في مختلف الميادين، بل حتى مع الاتفاقات الدولية التي وقعتها المملكة كاتفاق إلغاء أشكال التمييز كافة ضد المرأة.
ماذا نقول للمترشحات في الانتخابات المقبلة، وللنساء المظلومات المطالبات بحقوقهن الاجتماعية والاقتصادية المتأملات خيرا من هذا الاتحاد في دعمهن؟ أنستشهد بالأهداف الموضوعة لنا في مجالات محددة، تلك الأهداف التي تكشف عن ذهنية نمطية ماضوية، غير متفهمة للأدوار الجديدة للعمل النسائي من منظور عربي وعالمي بل وحتى محلي.
لقد تغيرت طرق التفكير في غالبية الجمعيات النسائية إلى مستويات أكثر وعيا وفهما لطبيعة الاحتياجات، وهي تحاول ترتيب شئونها للتقدم للأمام لا إلى الخلف، وهذا حق من حقوقها ليس لأحد أن ينكره عنها أو يسلبه إياها.
... والوسائل أيضا
وفي مجال الوسائل قسمت الوسائل الواردة في مشروع التحضيرية إلى مادتين في النظام المعدل من قبل الوزارة، مادة (9) الاختصاصات والمادة (10) الوسائل. ومن دون الدخول في تفاصيل نورد أنه حذفت الوسائل الآتية من مشروع التحضيرية:
- إقامة برامج التدريب والتوعية الصحية والقانونية والإنجابية والبيئية وغيرها الموجهة للمرأة في جميع مناطق البحرين «الوسيلة رقم 4».
- إقامة برامج موجهة للفئات المختلفة من النساء في البحرين (العاملات، المسنات، الشابات وربات البيوت... إلخ) «الوسيلة 5 رقم».
- إصدار مجلة ونشرات متخصصة تعبر عن صوت وطموحات المرأة البحرينية «الوسيلة رقم 6».
- مراجعة جميع القوانين المحلية المتعلقة بالمرأة والسعي إلى تعديلها بما يتماشى مع الاتفاقات الدولية للقضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة. «الوسيلة رقم 7».
- إقامة الدورات الخاصة بإعداد المرأة البحرينية للمشاركة السياسية في المجالس البلدية والنيابية «الوسيلة رقم 8».
- تدشين موقع على شبكة الانترنت يعبر عن صوت الاتحاد النسائي «الوسيلة رقم 10».
- التنسيق والتعاون المستمر بين الاتحاد والجمعيات والمنظمات والاتحادات النسائية العربية والدولية. «الوسيلة رقم 12».
لقد أبقى النظام المعدل من قبل وزارة العمل على خمس وسائل، أحدها جاء منسوخا من الأهداف وهو الوسيلة رقم (3) المتعلقة بالتنسيق مع المجلس الأعلى للمرأة في البحرين، بمعنى أنها أتت مكررة كوسيلة وكهدف في صفحتين متتاليتين، واشترط النظام المعدل أيضا أخذ موافقة وزارة العمل في الوسيلة الأولى عن «تنظيم والمشاركة في ورش العمل وحلقات النقاش والدورات التدريبية والمؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية فيما يخص قضايا وشئون المرأة...».
لاحظوا أخذ الموافقة في التنظيم والمشاركة، وهذا يذكرنا بأيام قانون أمن الدولة والفرمانات والتصريحات في أيام حالية يدور فيها الحديث حول حرية التعبير عن الرأي والديمقراطية والإصلاح.
لقد عانت الجمعيات النسائية في السابق وبدرجات متفاوتة من مسألة الرقابة الأبوية القاتلة هذه، التي حرمتها من أنشطة متقدمة ومن مساهمات خارجية واعية تحت مبررات أمنية غير مبررة، من دون أن تقدم لها أية بدائل ومساهمات تطويرية تذكر، ولا أعتقد أن الجمعيات اليوم سترضى بمثل هذا الإخضاع وقد بلغت درجات متقدمة من النضج، تستطيع معه التمييز بين الصالح والطالح والقانوني وغير القانوني.
المواد الباقية
إن من يشاء مقارنة باقي مواد النظام المعدل بالمواد في النظام الأساسي في الجمعيات، نعم النظام الأساسي للجمعيات، لن يتعب كثيرا، لأنها في غالبيتها منقولة مع تغيير كلمة جمعية باتحاد، مع ترك بعض الفراغات والأخطاء في الترقيم والطباعة. وبشكل عام سيتوصل الباحث الدقيق بنفسه إلى حكم عن مستوى الحرفنة والجدية في النظامين، نظام الوزارة ونظام التحضيرية، ما يفترض معه تقديم توصية لوزارة العمل والشئون الاجتماعية لإجراء مراجعة دقيقة وجادة.
إننا في دراستنا وعرضنا بعض بنود النظام الأساسي المعدل للاتحاد، ننطلق من إيماننا العميق باستحقاق العمل النسائي انطلاقة لائقة على مستوى التجارب التي نراها خارج المملكة، ومن تقديرنا لجهود اللجنة التحضيرية المدعومة بجهود عضوات الجمعيات النسائية واللجان النسائية والأفراد في الفترة الطويلة الماضية، حتى يرى الاتحاد النور شامخا، بالطريقة التي تصورناها، غير المتعارضة مع القانون، لا مسخا مشوها مركبا بالقص واللصق.
وكلنا أمل في أن نجد التفهم من قبل وزارة العمل الموقرة لنؤسس معا دولة المؤسسات والقانون والحريات، نحو ديمقراطية ممارسة على أرض الواقع
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 564 - الإثنين 22 مارس 2004م الموافق 30 محرم 1425هـ