اغتيال مؤسس حركة «حماس» وزعيمها الروحي الشيخ أحمد ياسين فجر 22 مارس/ آذار 2004 في غزة يفتح باب العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وقياداته على مداخل جديدة. فالضربة ليست بسيطة، وحين قرر رئيس حكومة «إسرائيل» تنفيذها كان يعرف سلفا مردودها. فارييل شارون خطط للاغتيال وكذلك خطط للآفاق الجديدة التي يمكن ان تندفع نحوها حلقات العنف كذلك موجات الرد الفلسطيني على الاحتلال الصهيوني. فالاغتيال تم توقيته في لحظة يعلن فيها شارون استعداده للانسحاب من غزة، وقصد منه إرسال الكثير من الاشارات إلى مختلف القيادات الفلسطينية السياسية. فشارون يريد القول إن إعلان الاستعداد للانسحاب لا يعني أن «إسرائيل» انسحبت من ممارسة دورها السابق. وبالتالي فإن التراجع هو بداية لهجوم مضاد من نوع آخر يطاول هذه المرة القيادات التاريخية للمقاومة الفلسطينية.
اغتيال ياسين إشارة سياسية إلى كل القيادات الفلسطينية وعلى رأسها ياسر عرفات وغيره من الوجوه والشخصيات البارزة في صف المواجهة اليومية مع العدوان الإسرائيلي.
الاغتيال هو رسالة تهديد لكل الزعامات الفلسطينية المعتبرة التي تتمتع بالاحترام والصدقية وتمارس تأثيرها المباشر على قطاعات الشعب في مختلف توجهاته السياسية. فالشيخ ياسين ليس مجرد مؤسس روحي لحركة «حماس» بل هو قائد فلسطيني ومن رموزه الأصيلة. وتأثيره لا يقتصر على قواعد حماس وأنصارها بل يشمل مختلف الانتماءات الايديولوجية التي تتبنى أسلوب الكفاح ضد العدوان الإسرائيلي. فالاغتيال رسالة شاملة ضد الشعب الفلسطيني وليس ضد حركة سياسية، اشتهرت في السنوات العشر الأخيرة بعملياتها النوعية. فالضربة هي للناس وكل الطيبين والبسطاء والعقلاء وكل من يدين بالولاء لقضية عادلة ولكل قضية عادلة.
شارون حين قرر الاغتيال يعرف أن الشيخ ياسين لاعلاقة له بالجناح العسكري ولا صلة مباشرة بينه وبين مجموعات تنفذ عمليات بشكل مستقل ومنفصل عن الإطارات السياسية المعروفة لدى القاصي والداني. ولكنه قرر تنفيذ الضربة ليوجه رسالة قوية إلى كل الاتجاهات الضاغطة ميدانيا ضد الاحتلال والعدوان. وكذلك أراد توجيه رسالة استرضاء للاتجاهات الصهيونية المتطرفة والتيارات العنصرية التي تدعو إلى المزيد من التصعيد والاحتلال وترفض الانسحاب من القطاع والضفة.
شارون حين استهدف الرموز أراد الضغط على القيادات الفلسطينية من جهة وإرضاء القيادات الصهيونية وإطلاق موجة من العنف تفجر الداخل الفلسطيني من جهة أخرى، وإعادة تأكيد أن حربه الخاصة لم تتوقف حتى حين يعلن استعداده للانسحاب من قطاع غزة.
لاشك في أن إعلان الاستعداد للانسحاب جزئيا من الأراضي المحتلة مسألة مؤجلة أو يمكن تأجيلها ولكنها جاءت في سياق كلام أميركي عن استعداد الولايات المتحدة للانسحاب جزئيا من العراق في نهاية يونيو/ حزيران المقبل. وشارون في إعلانه الانسحاب وقراره الاغتيال يريد القول إن معركة «إسرائيل» وأميركا واحدة وموحدة تمتد من واشنطن إلى بغداد. وتل أبيب هي في قلب الطريق ودورها التقليدي لم يتغير وعندها الاستعداد لتجديد الوظيفة التي كانت تقوم بها سابقا.
نعود إلى السؤال، ما الرسالة التي يريد شارون توجيهها من وراء اغتيال شيخ مقعد ويعاني من أمراض وشلل نصفي؟ السؤال لا يوجه إلى رئيس حكومة دولة تأسست أصلا على العدوان. فمن قامت دولته على فكرة الطرد لا يمكن إلا أن تكون سياسته طاردة للآخر. و«إسرائيل» منذ تأسيسها دولة طاردة وقامت سياستها على أساس ممارسة هذه الوظيفة بالنيابة عن أوروبا في أربعينات القرن الماضي ثم كوكيلة لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة منذ حرب يونيو/ حزيران 1967.
الوظيفة ليست جديدة، والدور الموكول لـ «إسرائيل» لم يتغير على رغم التعديلات التي طرأت على الاستراتيجية الأميركية في تسعينات القرن الماضي. فبعد حرب الخليج الثانية تراجع دور «إسرائيل» كوكيل أمني - سياسي معتمد في المنطقة بعد أن دخلت الجيوش الأميركية مباشرة في الحروب. فالنزول العسكري الأميركي علنا ومباشرة في العام 1990 أضعف الوكالة الإسرائيلية وباتت واشنطن تتحمل مباشرة مسئولية أمن المنطقة.
فالأصيل صاحب المشروع حين يتولى الوظيفة الموكولة للبديل يتراجع دور الوكيل. والتراجع لا يعني سحب الوكالة بل ترتيب وظيفة أخرى تتناسب مع حجمه وقواه. و«إسرائيل» منذ التسعينات تحددت وظيفتها في ملاحقة الشعب الفلسطيني في أراضيه المحتلة في العامين 1948 و1967 وترك لواشنطن ممارسة المهمات الكبرى التي تطاول منطقة عربية شاسعة لا تستطيع تل ابيب تحمل تبعاتها ونتائجها.
الضربة ليست بسيطة، والرسالة أكبر من اغتيال شيخ مقعد. فشارون يريد وصل ما انقطع من وظائف بين واشنطن وتل أبيب، وتفريغ الشارع الفلسطيني من قيادته ودفعه نحو الاقتتال الأهلي. فهل ينجح، أم ينقلب السحر على الساحر؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 564 - الإثنين 22 مارس 2004م الموافق 30 محرم 1425هـ